هديتي للطلبة الباحثين في الجودة الشاملة وطلاب الدراسات العليا
الدلالات الإسلامية لمفهوم إدارة الجودة الشاملة
يوجد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بعض المفاهيم الإسلامية التي ترتبط بمفهوم الجودة الشاملة ، وكلها تؤكد وتدعم مفهوم الجودة الشاملة بمعانيه ودلالاته الإسلامية .
ومن هذه المفاهيم الإسلامية التي ترتبط بمفهوم الجودة الشاملة ما يلي :
1- مفهوم الإحسان : والذي يتطلب من المسلم الإحسان في كل عمل وكل قول يقوم به المسلم والإتيان به على أحسن وجه ممكن عملاً بقول الله تعالى ( وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ){البقرة : 195} ، وقوله تعالى ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) {النحل : 90 } ، وقوله صلى الله عليه وسلم:" إن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل عملاً أن يحسن عمله " ، والآيات والأحاديث التي تقوي الجودة وتشد من أزرها داخل الأفراد والمجتمعات كثيرة .
2- مفهوم الإصلاح : والذي هو نقيض الإفساد ، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم بمشتقاته المختلفة ( 180 ) مرة والتي تعود جميعها إلى إزالة الفساد والقضاء عليه والعودة إلى ضده وهو الصلاح ، والعمل الصالح هو ثمرة الإيمان الحقيقي بالله ، ولذلك فإن الإيمان يدفع صاحبه للعمل الصالح ، ويندر أن يجئ العمل الصالح غير مقترن بالإيمان ، يقول الله تعالى ( فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) { الأنعام : 48 } ، ويقول الله تعالى ( إنا لا نضيع أجر المصلحين ) { الأعراف : 170 } ، والمسلم الحق لا يريد إلا الإصلاح في أموره كلها ما استطاع ، يقول الله تعالى ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ) { هود : 88 } ، والإصلاح بهذا المعنى هو أحد الدلالات التي تقوي مفهوم الجودة الشاملة بمعناها الإسلامي داخل المجتمع المسلم .
3- مفهوم الإتقان : والإتقان هو الإتيان بالعمل على وجه محكم وبدون قصور فيه ، والله يحب المتقن في عمله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " { السيوطي : الجامع الصغير ، ج1 ، أخرجه البيهقي } .
4- مفهوم الشورى : والشورى اجتماع القوم على الأمر ليستشير كل واحد منهم صاحبه ويستخرج ما عنده بخصوص هذا الأمر ليستخرج من هذا التشاور أجود الآراء وأفضلها وأحسنها ، ويكفي لأهمية الشورى في حياة المسلمين أن سميت أحد سورالقرآن الكريم بها " سورة الشورى " ، وأن أبا هريرة رضي الله عنه قال : لم يكن أحد أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والشورى من أهم المبادئ الإسلامية لتحقيق الجودة الشاملة داخل المنظمة أو المؤسسة أو المدرسة أو العملية التعليمية ككل .
5- مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : والمعروف هو كل فعل أو قول أو قصد حسن شرعاً ، والمنكر كل فعل أو قول أو قصد قبيح شرعاً ، يقول الله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) { آل عمران : 110 } ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فمن لم يستطع فبلسانه ، فمن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " { صحيح مسلم : كتاب الأمان ، ج1 } ، وشيوع مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل المجتمع الإسلامي من أهم المبادئ التي يقوم عليها مفهوم الجودة الشاملة في أي عمل .
6- مفهوم الإخلاص في العمل : فالإخلاص في العمل هو الذي يقرب الإنسان من ربه ، وينزله المكانة العالية في المجتمع المسلم ، يقول الله تعالى ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) {البينة : 5 } ، ويقول تعالى ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) {الأنعام : 52 } ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه " { صحيح البخاري : كتاب الإيمان ، ج1 } ، وإخلاص العمل يقوي الإرادة ويصوب العمل ، مما يضيف بعداً جديداً لمفهوم الجودة الشاملة في الإسلام ويجعلها جودة أكثر صواباً وأكثر اقترابا لمرضاة الله تعالى .
7- مفهوم العمل : أن المحور الأساسي لوجود الإنسان – فرداً أو جماعة – على الأرض هو العمل الذي يتخذ مقياساً عادلاً لتحديد المصير في الدنيا والآخرة ، وتوزن أقدار المسلم بما قدم من عمل يؤدي به واجبه نحو الله ونحو الناس بل ونحو نفسه ، يقول الله تعالى ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ) { الزلزلة : 7-8 } ، ومن أروع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عن العمل قوله صلى الله عليه وسلم " إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها " ، فالمسلم مطالب بأن يعمل لذات العمل سواء انتفع بثمراته أحد أم لم ينتفع حرصاً من الإسلام على مواصلة العمل والكدح منذ الوعي الإنساني وحتى ساعة الحساب ، والعمل بهذا المفهوم يتسع لكل نشاط الإنسان ، ويجعل الحياة كلها عمل وكدح من اجل الإنجاز المستمر وتلك هي أحد المعاني والدلالات التي تؤكد مفهوم الجودة الشاملة لدى المسلم .
8- مفهوم العلم : فمنذ أن نزل القرآن الكريم بآياته على المسلمين وهو يؤكد على ضرورة العلم وأهميته في حياة المسلمين ، يقول الله تعالى ( يرفع الله الذين أمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) {المجادلة : 11 } ، ويقول الله تعالى ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) { الزمر :9 } ، ويقول صلى الله عليه وسلم : " طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة " ، وشيوع مفهوم العلم وضرورته ، وأهميته في حياة الأفراد هو أحد متطلبات تحقيق الجودة الشاملة ، وبدون ذلك يفقد مفهوم الجودة الشاملة أهم دلالاته الحقيقية .
9- مفهوم الحكمة : وهي العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه ، والعمل بمقتضاها ، ولقد ورد لفظ الحكمة في القرآن الكريم في عشرين موضعاً ، كما في قول الله تعالى ( يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ) { البقرة : 269 } ، وقول الله تعالى ( وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً ) { النساء : 113 } ، والحكمة درجة أعلى من العلم فهي تتضمن معرفة الحق والعمل به ، والإصابة في القول والعمل ، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها "{ صحيح البخاري:كتاب العلم } ، ومفهوم الحكمة الإسلامي يضفي دلالات كثيرة على مفهوم الجودة الشاملة الإسلامي ويثريه ويغنيه ويقويه .
10- مفهوم الوقت : فحياة المسلم كلها محسوبة عليه ، وعليه أن يقضي جميع الأوقات فيما يفيده في الدنيا والآخرة ، يقول الله تعالى ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ){الملك : 2} ، فعمر الإنسان لا بد أن يستغل أحسن استغلال ، ولا بد من المسارعة والهمة في أداء الواجبات ، يقول الله تعالى ( ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعاً ) {البقرة : 148 } ، وإدارة الوقت وحسن استغلاله من أهم روافد نجاح الجودة الشاملة في المؤسسة ، ومن ثم فإن تفعيل هذا المفهوم الإسلامي في حياة المسلمين ضروري لحسن تطبيق هذا المفهوم .
11- مفهوم القدوة : فالمسلم دائماً يبحث عن مفهوم القدوة الصالحة ، فجميع الأنبياء السابقين قدوة صالحة يقول الله تعالى ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) { الأنعام : 90 } ، وشخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هي ذروة الإنسانية التي يسعى المسلم للوصول إليها ، يقول الله تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ) {الأحزاب : 21 } ، وشيوع مفهوم القدوة الصالحة وحسن الإقتداء من أهم عوامل نجاح الجودة الشاملة في جميع المجالات .
12- مفهوم التعاون : فالمسلمون مطالبون بالتعاون على كل خير ومنع كل شر ، يقول الله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) {المائدة : 2 } ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "{ صحيح البخاري : كتاب الآداب } ، وبالتعاون يمكن أن تتم كثير من الأعمال النافعة للأفراد والمجتمع ، والتعاون لا الأنانية تجعل الأداء أكثر جودة وأكثر فاعلية ، ومن ثم فإن شيوع مفهوم التعاون الإسلامي إنما دعامة هامة من دعائم تحقيق جودة عمل المؤسسة .
13- الشعور بالمسئولية : فالمسلم لديه شعور بالمسئولية الكاملة في جميع أعماله وأقواله وجوارحه ، يقول الله تعالى ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ) { الإسراء : 36 } ، ويقول الله تعالى ( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) { البقرة : 284 } ، ويقول الله عز وجل ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ) { القيامة : 36 } ، ويتناسب شعور الإنسان بالمسئولية تناسباً طردياً مع ما أوتي من قوة أو ثروة أو سلطة ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع " ، وتمكن هذا المفهوم من نفوس أطراف أعضاء المؤسسة من أكبر دعائم نجاح الجودة بمعناها الإسلامي .
من تجميعي
محبكم / الأذيني