عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 10-03-2012, 02:59 PM
الصورة الرمزية الزهراء
الزهراء غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
الدولة: الدنيا الفانية
المشاركات: 4,297
افتراضي رد: سيرة الإمام الشافعي [متجدد]

[table1="width:100%;background-image:url('http://www.solaim.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/48.gif');ba
ckground-color:white;border:3px groove deeppink;"][cell="filter:;"]



ترجمة الإمام الشافعي



محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، الإمام، عالم العصر، ناصر الحديث، فقيه المِلَّة أبو عبد الله القرشي ثم المطلبي الشافعي المكي، الغزي المولد، نسيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن عمه، فالمطلب هو أخو هاشم والد عبد المطلب.

اتفق مولد الإمام بغزة، ومات أبوه إدريس شابا، فنشأ محمد يتيما في حجر أمه، فخافت عليه الضيعة، فتحولت به إلى مَحْتِده وهو ابن عامين، فنشأ بمكة، وأقبل على الرمي، حتى فاق فيه الأقران، وصار يُصيب من عشرة أسهم تسعة، ثم أقبل على العربية والشعر، فبرع في ذلك وتقدم. ثم حُبِّبَ إليه الفقه، فساد أهل زمانه.

وأخذ العلم ببلده عن: مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة، وداود بن عبد الرحمن العطار، وعمه محمد بن علي بن شافع؛ فهو ابن عم العباس جد الشافعي، وسفيان بن عيينة، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي، وسعيد بن سالم، وفُضيل بن عِياض، وعدة. ولم أَرَ له شيئا عن نافع بن عمر الجمحي ونحوه، وكان معه بمكة.

وارتحل -وهو ابن نيِّف وعشرين سنة وقد أفتى وتأهل للإمامة- إلى المدينة، فحمل عن مالك بن أنس "الموطأ" عرضه من حفظه، -وقيل: من حفظه لأكثره-. وحمل عن: إبراهيم بن أبي يحيى فأكثر، وعبد العزيز الدراوردي، وعطاف بن خالد، وإسماعيل بن جعفر، وإبراهيم بن سعد وطبقتهم.

وأخذ باليمن عن: مطرف بن مازن، وهشام بن يوسف القاضي، وطائفة، وببغداد عن: محمد بن الحسن، فقيه العراق، ولازمه، وحمل عنه وقر بعير، وعن إسماعيل ابن علية، وعبد الوهاب الثقفي وخلق.

وصنف التصانيف، ودوَّن العلم، ورد على الأئمة متبعا الأثر، وصنف في أصول الفقه وفروعه، وبَعُدَ صيته، وتكاثر عليه الطلبة.

حدث عنه: الحميدي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأحمد بن حنبل، وسليمان بن داود الهاشمي، وأبو يعقوب يوسف البويطي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وحرملة بن يحيى، وموسى بن أبي الجارود المكي، وعبد العزيز المكي صاحب "الحيدة" وحسين بن علي الكرابيسي، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، والحسن بن محمد الزعفراني، وأحمد بن محمد الأزرقي، وأحمد بن سعيد الهمداني، وأحمد بن أبي شريح الرازي، وأحمد بن يحيى بن وزير المصري، وأحمد بن عبد الرحمن الوهبي، وابن عمه إبراهيم بن محمد الشافعي، وإسحاق بن راهويه، وإسحاق بن بهلول، وأبو عبد الرحمن أحمد بن يحيى الشافعي المتكلم، والحارث بن سريج النقال، وحامد بن يحيى البلخي، وسليمان بن داود المهري، وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص، وعلي بن معبد الرقي، وعلي بن سلمة اللبقي، وعمرو بن سواد، وأبو حنيفة قحزم بن عبد الله الأسواني، ومحمد بن يحيى العدني، ومسعود بن سهل المصري، وهارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن سنان القطان، وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح، ويونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وبحر بن نصر الخولاني، وخلق سواهم.

وقد أفرد الدارقطني كتاب "من له رواية عن الشافعي" في جزأين، وصنف الكبار في مناقب هذا الإمام قديما وحديثا، ونال بعض الناس منه غضا، فما زاده ذلك إلا رفعة وجلالة، ولاح للمنصفين أن كلام أقرانه فيه بهوى، وقلَّ مَن برَّز في الإمامة، ورد على من خالفه؛ إلا وعُودِيَ، نعوذ بالله من الهوى، وهذه الأوراق تضيق عن مناقب هذا السيد.

فأما جدهم السائب المطلبي؛ فكان من كبراء من حضر بدرا مع الجاهلية، فأسر يومئذ، وكان يشبَّه بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.

ووالدته هي الشِّفاء بنت أرقم بن نضلة، ونضلة هو أخو عبد المطلب جد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيقال: إنه بعد أن فدى نفسه، أسلم.

وابنه شافع له رؤية، وهو معدود في صغار الصحابة.

وولده عثمان تابعي، لا أعلم له كبير رواية.

وكان أخوال الشافعي من الأزد.

عن ابن عبد الحكم قال: لما حملت والدة الشافعي به؛ رأت كأن المشتري خرج من فرجها، حتى انقض بمصر، ثم وقع في كل بلدة منه شظية، فتأوله المعبرون أنها تلد عالما، يخص علمه أهل مصر، ثم يتفرق في البلدان.

هذه رواية منقطعة.

وعن أبي عبد الله الشافعي فيما نقله ابن أبي حاتم، عن ابن أخي ابن وهب عنه، قال: ولدت باليمن -يعني القبيلة؛ فإن أمه أزدية- قال: فخافت أمي عليّ الضيعة، وقالت: الْحَقْ بأهلك، فتكون مثلهم؛ فإني أخاف عليك أن تُغلب على نسبك، فجهزتني إلى مكة، فقدمتها يومئذ وأنا ابن عشر سنين، فصرت إلى نسيب لي، وجعلت أطلب العلم، فيقول لي: لا تشتغل بهذا، وأقبل على ما ينفعك، فجعلت لذتي في العلم.

قال ابن أبي حاتم: سمعت عمرو بن سواد: قال لي الشافعي: ولدت بعسقلان، فلما أتى عليَّ سنتان، حملتني أمي إلى مكة.

وقال ابن عبد الحكم: قال لي الشافعي: ولدت بغزة سنة خمسين ومئة وحُملت إلى مكة ابن سنتين.

قال المزني: ما رأيت أحسن وجها من الشافعي -رحمه الله- وكان ربما قبض على لحيته فلا يفضل عن قبضته.

قال الربيع المؤذن: سمعت الشافعي يقول: كنت ألزم الرمي حتى كان الطبيب يقول لي: أخاف أن يصيبك السل من كثرة وقوفك في الحر، قال: وكنت أصيب من العشرة تسعة.

قال الحميدي: سمعت الشافعي يقول: كنت يتيما في حجر أمي، ولم يكن لها ما تعطيني للمعلم، وكان المعلم قد رضي مني أن أقوم على الصبيان إذا غاب، وأخفف عنه.

وعن الشافعي قال: كنت أكتب في الأكتاف والعظام، وكنت أذهب إلى الديوان، فأستوهب الظهور، فأكتب فيها.

قال عمرو بن سواد: قال لي الشافعي: كانت نهمتي في الرمي وطلب العلم، فنلت من الرمي حتى كنت أصيب من عشرة عشرة، وسكت عن العلم، فقلت: أنت -والله- في العلم أكبر منك في الرَّمْي.

قال أحمد بن إبراهيم الطائي الأقطع: حدثنا المزني، سمع الشافعي يقول: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت "الموطأ" وأنا ابن عشر.

الأقطع مجهول.

وفي "مناقب الشافعي" للآبري سمعت الزبير بن عبد الواحد الهمذاني، أخبرنا علي بن محمد بن عيسى، سمعت الربيع بن سليمان يقول: ولد الشافعي يوم مات أبو حنيفة -رحمهما الله تعالى-.

وعن الشافعي قال: أتيت مالكا وأنا ابن ثلاث عشرة سنة -كذا قال، والظاهر أنه كان ابن ثلاث وعشرين سنة- قال: فأتيت ابن عم لي والي المدينة، فكلم مالكا، فقال: اطلب من يقرأ لك. قلت: أنا أقرأ، فقرأت عليه، فكان ربما قال لي لشيء قد مر: أعده، فأعيده حفظا، فكأنه أعجبه، ثم سألته عن مسألة، فأجابني، ثم أخرى، فقال: أنت تحب أن تكون قاضيا.

ويروى عن الشافعي: أقمت في بطون العرب عشرين سنة، آخذ أشعارها ولغاتها، وحفظت القرآن، فما علمت أنه مر بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه والمراد، ما خلا حرفين، أحدهما: دَسَّاهَا.

إسنادها فيه مجهول.

قال ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: قرأت القرآن على إسماعيل بن قسطنطين، وقال: قرأت على شبل، وأخبر شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير، وقرأ على مجاهد، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس. قال الشافعي: وكان إسماعيل يقول: القرآن اسم ليس بمهموز، ولم يؤخذ من: "قرأتُ" ولو أُخذ من "قرأتُ" كان كل ما قرئ قرآنًا، ولكنه اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل.

الأصم وابن أبي حاتم: حدثنا الربيع: سمعت الشافعي يقول: قدمت على مالك، وقد حفظت "الموطأ" ظاهرا، فقلت: أريد سماعه، قال: اطلب من يقرأ لك. فقلت: لا عليك أن تسمع قراءتي، فإن سهل عليك قرأت لنفسي.

أحمد بن الحسن الحماني: حدثنا أبو عبيد، قال: رأيت الشافعي عند محمد بن الحسن، وقد دفع إليه خمسين دينارا، وقد كان قبل ذلك دفع إليه خمسين درهما، وقال: إن اشتهيت العلم؛ فالزم. قال أبو عبيد: فسمعت الشافعي يقول: كتبتُ عن محمد وقر بعير، ولما أعطاه محمد، قال له: لا تحتشم. قال: لو كنت عندي ممن أحشمك ما قبلت بِرَّك.

ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: حملت عن محمد بن الحسن حمل بختي ليس عليه إلا سماعي.

قال أحمد بن أبي سريج: سمعت الشافعي يقول: قد أنفقت على كتب محمد ستين دينارا، ثم تدبرتها، فوضعت إلى جنب كل مسألة حديثا -يعني: رد عليه.

قال هارون بن سعيد: قال لي الشافعي: أخذت اللُّبَانَ سنة للحفظ، فأعقبني صب الدم سنة.

قال أبو عبيد: ما رأيت أحدا أعقل من الشافعي، وكذا قال يونس بن عبد الأعلى، حتى إنه قال: لو جُمعت أمّةٌ؛ لوسعهم عقله.

قلت: هذا على سبيل المبالغة، فإن الكامل العقل لو نقص من عقله نحو الربع، لبَانَ عليه نقص ما، ولبقي له نظراء، فلو ذهب نصف ذلك العقل منه، لظهر عليه النقص، فكيف به لو ذهب ثلثا عقله! فلو أنك أخذت عقول ثلاثة أنفس مثلا، وصيرتها عقلَ واحدٍ؛ لجاء منه كامل العقل وزيادة.

جماعة: حدثنا الربيع، سمعت الحميدي، سمعت مسلم بن خالد الزَّنجي يقول للشافعي: أفْتِ يا أبا عبد الله؛ فقد -والله- آن لك أن تفتي -وهو ابن خمس عشرة سنة-. وقد رواها محمد بن بشر الزنبري، وأبو نعيم الإِسْتِرَاباذي، عن الربيع، عن الحميدي قال: قال الزنجى. وهذا أشبه؛ فإن الحميدي يصغر عن السماع من مسلم، وما رأينا له في "مسنده" عنه رواية.

جماعة: حدثنا الربيع، قال الشافعي: لأن يلقى الله العبدُ بكل ذنب إلا الشِّرك خير من أن يلقاه بشيء من الأهواء.

الزبير الإِسْتِرَاباذي: حدثني محمد بن يحيى بن آدم بمصر، حدثنا ابن عبد الحكم، سمعت الشافعي يقول: لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء؛ لفروا منه كما يفرون من الأسد.

قال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي؛ ناظرته يوما في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى! ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة.

قلت: هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام، وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون.

أبو جعفر الترمذي: حدثني أبو الفضل الوَاشْجِرْدِيّ، سمعت أبا عبد الله الصاغاني قال: سألت يحيى بن أكثم عن أبي عبيد والشافعي، أيهما أعلم؟ قال: أبو عبيد كان يأتينا ها هنا كثيرا، وكان رجلا إذا ساعدته الكتب؛ كان حسن التصنيف من الكتب، وكان يرتبها بحسن ألفاظه لاقتداره على العربية. وأما الشافعي؛ فقد كنا عند محمد بن الحسن كثيرا في المناظرة، وكان رجلا قرشي العقل والفهم والذهن، صافي العقل والفهم والدماغ، سريع الإصابة -أو كلمة نحوها- ولو كان أكثر سماعا للحديث؛ لاستغنى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- به عن غيره من الفقهاء.

قال معمر بن شبيب: سمعت المأمون يقول: قد امتحنت محمد بن إدريس في كل شيء، فوجدته كاملا.

قال أحمد بن محمد بن بنت الشافعي: سمعت أبي وعمي يقولان: كان سفيان ابن عُيَيْنَة إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا؛ التفت إلى الشافعي، فيقول: سلوا هذا.

وقال تميم بن عبد الله: سمعت سويد بن سعيد يقول: كنت عند سفيان، فجاء الشافعي فسلم وجلس، فروى ابن عيينة حديثا رقيقا، فغشي على الشافعي، فقيل: يا أبا محمد، مات محمد بن إدريس. فقال ابن عيينة: إن كان مات؛ فقد مات أفضل أهل زمانه.

الحاكم: سمعت أبا سعيد بن أبي عثمان، سمعت الحسن ابن صاحب الشاشي، سمعت الربيع، سمعت الشافعي وسئل عن القرآن؟ فقال: أف أف، القرآن كلام الله، من قال: مخلوق، فقد كفر.

هذا إسناد صحيح.

أبو داود وأبو حاتم، عن أبي ثور سمعت الشافعي يقول: ما ارتدى أحد بالكلام، فأفلح.

محمد بن يحيى بن آدم: حدثنا ابن عبد الحكم، سمعت الشافعي يقول: لو علم الناس ما في الكلام والأهواء؛ لفروا منه كما يفرون من الأسد.

الزبير بن عبد الواحد: أخبرني علي بن محمد بمصر، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: كان الشافعي بعد أن ناظر حفصًا الفرد يكره الكلام، وكان يقول: والله لأن يفتي العالم، فيقال: أخطأ العالم خير له من أن يتكلم فيقال: زنديق، وما شيء أبغض إليَّ من الكلام وأهله.

قلت: هذا دال على أن مذهب أبي عبد الله أن الخطأ في الأصول ليس كالخطأ في الاجتهاد في الفروع.

الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: من حلف باسم من أسماء الله فحنث، فعليه الكفارة؛ لأن اسم الله غير مخلوق، ومن حلف بالكعبة، وبالصفا والمروة، فليس عليه كفارة، لأنه مخلوق، وذاك غير مخلوق.

وقال أبو حاتم: حدثنا حرملة، سمعت الشافعي يقول: الحلفاء خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمر بن عبد العزيز.

قال الحارث بن سريج: سمعت يحيى القطان يقول: أنا أدعو الله للشافعي، أخصه به.

وقال أبو بكر بن خلاد: أنا أدعو الله في دبر صلاتي للشافعي.

الحسين بن علي الكرابيسي قال: قال الشافعي: كل متكلم على الكتاب والسنة فهو الجد، وما سواه، فهو هذيان.

ابن خزيمة، وجماعة قالوا: حدثنا يونس بن عبد الأعلى: قال الشافعي: لا يقال: لم للأصل، ولا كيف.

‎وعن يونس، سمع الشافعي يقول: الأصل: القرآن، والسنة، وقياس عليهما، والإجماع أكبر من الحديث المنفرد.

ابن أبي حاتم: سمعت يونس يقول: قال الشافعي: الأصل قرآن أو سنة، فإن لم يكن فقياس عليهما، وإذا صح الحديث؛ فهو سنة، والإجماع أكبر من الحديث المنفرد، والحديث على ظاهره، وإذا احتمل الحديث معاني فما أشبه ظاهره، وليس المنقطع بشيء ما عدا منقطع ابن المسيَّب، وكُلاًّ رأيته استعمل الحديث المنفرد، استعمل أهل المدينة في التفليس قوله -عليه السلام-: (إذا أدْرَكَ الرَّجُلُ مَالَهُ بعيْنِه؛ فهُوَ أحقُّ به)، واستعمل أهل العراق حديث العُمْرَى.

ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع، سمعت الشافعي يقول: قراءة الحديث خير من صلاة التطوع، وقال: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.

ابن أبي حاتم: حدثنا يونس، قلت للشافعي: صاحبنا الليث يقول: لو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء؛ ما قبلته. قال: قَصَّرَ، لو رأيته يمشي في الهواء؛ لما قبلته.

قال الربيع: سمعت الشافعي قال لبعض أصحاب الحديث: أنتم الصيادلة، ونحن الأطباء.

زكريا الساجي: حدثني أحمد بن مردك الرازي، سمعت عبد الله بن صالح صاحب الليث يقول: كنا عند الشافعي في مجلسه، فجعل يتكلم في تثبيت خبر الواحد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكتبناه، وذهبنا به إلى إبراهيم بن علية، وكان من غلمان أبي بكر الأصم وكان في مجلسه عند باب الصوفي، فلما قرأنا عليه جعل يحتج بإبطاله، فكتبنا ما قال، وذهبنا به إلى الشافعي، فنقضه، وتكلم بإبطاله، ثم كتبناه، وجئنا به إلى ابن علية، فنقضه، ثم جئنا به إلى الشافعي، فقال: إن ابن علية ضال، قد جلس بباب الضَّوالِّ يضل الناس.

قلت: كان إبراهيم من كبار الجهمية، وأبوه إسماعيل شيخ المحدثين إمام.

المزني: سمعت الشافعي يقول: من تعلم القرآن؛ عظمت قيمته، ومن تكلم في الفقه نما قدره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في اللغة؛ رَقَّ طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه، لم ينفعه علمه.

إبراهيم بن مَتُّويه الأصبهاني: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال الشافعي: كل حديث جاء من العراق وليس له أصل في الحجاز؛ فلا تقبله، وإن كان صحيحا، ما أريد إلا نصيحتك.

قلت: ثم إن الشافعي رجع عن هذا، وصحح ما ثبت إسناده لهم.

ويروى عنه: إذا لم يوجد للحديث أصل في الحجاز؛ ضُعِّفَ، أو قال: ذهب نُخَاعُه.

أخبرنا إبراهيم بن علي العابد في كتابه، أخبرنا زكريا العلبي وجماعة، قالوا: أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي، قال: أفادني يعقوب، وكتبته من خطه، أخبرنا أبو علي الخالدي، سمعت محمد بن الحسين الزعفراني، سمعت عثمان بن سعيد بن بشار الأنماطي، سمعت المزني يقول: كنت أنظر في الكلام قبل أن يقدم الشافعي، فلما قدم أتيته، فسألته عن مسألة من الكلام، فقال لي: تدري أين أنت؟ قلت: نعم، في مسجد الفسطاط. قال لي: أنت في تاران -قال عثمان: وتاران موضع في بحر القُلْزُم، لا تكاد تسلم منه سفينة- ثم ألقى عليَّ مسألة في الفقه، فأجبت، فأدخل شيئا أفسد جوابي، فأجبت بغير ذلك، فأدخل شيئا أفسد جوابي، فجعلت كلما أجبت بشيء، أفسده، ثم قال لي: هذا الفقه الذي فيه الكتاب والسنة وأقاويل الناس، يدخله مثل هذا، فكيف الكلام في رب العالمين، الذي فيه الزلل كثير؟! فتركت الكلام، وأقبلت على الفقه.

عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت محمد بن داود يقول: لم يحفظ في دهر الشافعي كله أنه تكلم في شيء من الأهواء، ولا نُسب إليه، ولا عُرف به، مع بغضه لأهل الكلام والبدع.

وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، قال: كان الشافعي إذا ثبت عنده الخبر، قلده، وخير خصلة كانت فيه لم يكن يشتهي الكلام، إنما همته الفقه.

وقال أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت عبد الرحمن بن محمد بن حامد السلمي، سمعت محمد بن عقيل بن الأزهر يقول: جاء رجل إلى المزني يسأله عن شيء من الكلام، فقال: إني أكره هذا، بل أنهى عنه كما نهى عنه الشافعي، لقد سمعت الشافعي يقول: سئل مالك عن الكلام والتوحيد، فقال: مُحال أن نظن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه علَّم أمَّته الاستنجاء، ولم يعلمهم التوحيد، والتوحيد ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقُولُوا: لا إلَه إلاَّ اللهَ)، فما عُصِمَ به الدَّمُ والمَالُ حقيقةُ التوحيد.

زكريا الساجي: سمعت محمد بن إسماعيل، سمعت حسين بن علي الكرابيسي يقول: شهدت الشافعي، ودخل عليه بشر الْمَرِيسِي، فقال لبشر: أخبرني عما تدعو إليه، أكِتَابٌ ناطِقٌ، وفرْض مفتَرِض، وسُنَّةٌ قائمة، ووجدت عن السلف البحث فيه والسؤال؟ فقال بشر: لا، إلا أنه لا يسعنا خلافه، فقال الشافعي: أقررت بنفسك على الخطأ، فأين أنت عن الكلام في الفقه والأخبار، يواليك الناس وتترك هذا؟ قال: لنا نهمة فيه. فلما خرج بشر، قال الشافعي: لا يفلح.

أبو ثور والربيع سمعا الشافعي يقول: ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح.

قال الحسين بن إسماعيل المحاملي: قال المزني: سألت الشافعي عن مسألة من الكلام، فقال: سلني عن شيء، إذا أخطأت فيه، قلت: أخطأتُ، ولا تسألني عن شيء إذا أخطأت فيه، قلت: كفرت.

زكريا الساجي: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: قال لي الشافعي: يا محمد! إن سألك رجل عن شيء من الكلام، فلا تجبه، فإنه إن سألك عن دِيَة، فقلت: درهما، أو دانقا، قال لك: أخطأت، وإن سألك عن شيء من الكلام، فزللت، قال لك: كفرت.

قال الربيع: سمعت الشافعي يقول: المِرَاءُ في الدِّينِ يُقَسِّي القلب، ويورث الضغائن.

وقال صالح جزرة: سمعت الربيع يقول: قال الشافعي: يا ربيع! اقْبَلْ منِّي ثلاثةً: لا تَخُوضَنَّ في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن خصمك النبي -صلى الله عليه وسلم- غدًا، ولا تشتغل بالكلام؛ فإني قد اطلعت من أهل الكلام على التعطيل. وزاد المزني: ولا تشتغل بالنجوم.

وعن حسين الكرابيسي قال: سئل الشافعي عن شيء من الكلام، فغضب، وقال: سل عن هذا حفصا الفرد وأصحابه أخزاهم الله.

الأصم: سمعت الربيع، سمعت الشافعي يقول: وددت أن الناس تعلموا هذا العلم -يعني كتبه- على أن لا ينسب إليَّ منه شيء.

وعن الشافعي: حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صَبِيغ.

الزعفراني وغيره: سمعنا الشافعي يقول: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد، ويحملوا على الإبل، ويطاف بهم في العشائر، يُنادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على الكلام.

وقال أبو عبد الرحمن الأشعري صاحب الشافعي: قال الشافعي: مذهبي في أهل الكلام تقنيع رؤوسهم بالسياط، وتشريدهم في البلاد.

قلت: لعل هذا متواتر عن الإمام.

الربيع: سمعت الشافعي يقول: ما ناظَرْتُ أحدًا على الغَلَبَة إلا على الحق عندي.

والزعفراني عنه: ما ناظرت أحدا إلا على النصيحة.

زكريا الساجي: حدثنا أحمد بن العباس النسائي، سمعت الزعفراني، سمعت الشافعي يقول: ما ناظرت أحدا في الكلام إلا مرَّةً، وأنا أستغفر الله من ذلك.

سعيد بن أحمد اللخمي: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، سمعت الشافعي يقول: إذا سمعت الرجل يقول: الاسم غير المُسَمَّى، والشيء غير المُشِيء، فاشهد عليه بالزندقة.

سعيد مصري لا أعرفه.

ويروى عن الربيع: سمعت الشافعي يقول في كتاب "الوصايا": لو أن رجلا أوصى بكتبه من العلم لآخر، وكان فيها كتب الكلام، لم تدخل في الوصية، لأنه ليس من العلم.

وعن أبي ثور: قلت للشافعي: ضع في الإرجاء كتابا، فقال: دع هذا. فكأنه ذم الكلام.

محمد بن إسحاق بن خزيمة: سمعت الربيع يقول: لما كلم الشافعيَّ حفصٌ الفرد، فقال حفص: القرآن مخلوق. فقال له الشافعي: كفرتَ بالله العظيم.

قال المزني: كان الشافعي ينهى عن الخوض في الكلام. أبو حاتم الرازي: حدثنا يونس، سمعت الشافعي يقول: قالت لي أم المريسي: كلم بشرا أن يكف عن الكلام، فكلمته، فدعاني إلى الكلام.

الساجي: حدثنا إبراهيم بن زياد الأُبُلِيّ، سمعت البويطي يقول: سألت الشافعي: أصلي خلف الرافضي؟ قال: لا تصل خلف الرافضي، ولا القَدَرِيِّ، ولا المُرْجِئ. قلت: صفهم لنا. قال: من قال: الإيمان قَوْلٌ، فهو مُرْجِئ، ومن قال: إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامين، فهو رافضي، ومن جعل المشيئة إلى نفسه، فهو قَدَرِيُّ.

ابن أبي حاتم: سمعت الربيع، قال لي الشافعي: لو أردت أن أضع على كل مخالف كتابا لفعلت، ولكن ليس الكلام من شأني، ولا أحب أن ينسب إلي منه شيء.

قلت: هذا النفس الزكي متواتر عن الشافعي.

قال علي بن محمد بن أبان القاضي: حدثنا أبو يحيى زكريا الساجي، حدثنا المزني، قال: قلت: إن كان أحد يخرج ما في ضميري، وما تعلق به خاطري من أمر التوحيد فالشافعي، فصرت إليه، وهو في مسجد مصر، فلما جثوت بين يديه، قلت: هجس في ضميري مسألة في التوحيد، فعلمت أن أحدا لا يعلم علمك، فما الذي عندك؟ فغضب، ثم قال: أتدري أين أنت؟ قلت: نعم، قال: هذا الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون. أبلغك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بالسؤال عن ذلك؟ قلت: لا، قال: هل تكلم فيه الصحابة؟ قلت: لا، قال: تدري كم نجما في السماء؟ قلت: لا، قال: فكوكب منها؛ تعرف جنسه، طلوعه، أفوله، مم خلق؟ قلت: لا، قال: فشيءٌ تراه بعينِك من الخلق لستَ تعرفه، تتكلم في عِلْمِ خالقه؟! ثم سألني عن مسألة في الوضوء، فأخطأت فيها، ففرعها على أربعة أوجه، فلم أصب في شيء منه، فقال: شيء تحتاج إليه في اليوم خمس مرات، تدع علمه، وتتكلف علم الخالق، إذا هجس في ضميرك ذلك، فارجع إلى الله، وإلى قوله تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾، ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ..﴾ الآية. فاستَدِلّ بالمخلوق على الخالق، ولا تتكلَّفْ علم ما لم يَبْلُغْه عقلُك. قال: فتبت.

قال ابن أبي حاتم: في كتابي عن الربيع بن سليمان، قال: حضرت الشافعي، أو حدثني أبو شعيب، إلاّ أني أعلم أنه حضر عبد الله بن عبد الحكم، ويوسف بن عمرو، وحفص الفرد، وكان الشافعي يسميه: حفصا المنفرد، فسأل حفص عبد الله: ما تقول في القرآن؟ فأبى أن يجيبه، فسأل يوسف، فلم يجبه، وأشار إلى الشافعي، فسأل الشافعي، واحتج عليه، فطالت فيه المناظرة، فقام الشافعي بالحجة عليه بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وبكفر حفص.

قال الربيع: فلقيت حفصا، فقال: أراد الشافعي قتلي.

الربيع: سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص. وسمعته يقول: تجاوز الله عما في القلوب، وكتب على الناس الأفعال والأقاويل.

وقال المزني: قال الشافعي: يقال لمن ترك الصلاة لا يعملها: فإن صلَّيْتَ وإلاّ اسْتَتَبْنَاكَ، فإن تُبْتَ، وإلا قتلناك، كما تكفر، فنقول: إن آمنت وإلا قتلناك.

وعن الشافعي قال: ما كابرني أحد على الحق ودافع، إلا سقط من عيني، ولا قبله إلا هبته، واعتقدت مودته.

عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: قال الشافعي: أنتم أعلم بالأخبار الصِّحاح منا، فإذا كان خبر صحيح، فأعلمني حتى أذهب إليه، كوفيا كان، أو بصريا، أو شاميا.

وقال حرملة: قال الشافعي: كل ما قلته فكان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلاف قولي مما صح، فهو أولى، ولا تقلدوني.

الربيع: سمعت الشافعي يقول: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولوا بها، ودعوا ما قلته.

وسمعته يقول -وقد قال له رجل: تأخذ بهذا الحديث يا أبا عبد الله؟ فقال: متى رويت عن رسول الله حديثا صحيحا ولم آخذ به، فأشهدكم أن عقلي قد ذهب.

وقال الحميدي: روى الشافعي يوما حديثا، فقلت: أتأخذ به؟ فقال: رأيتَنِي خرجتُ مِن كَنِيسة، أو عليَّ زنار، حتى إذا سمعتُ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثا لا أقول به؟!

قال الربيع: وسمعته يقول: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا رويت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثا فلم أقل به؟!

وقال أبو ثور: سمعته يقول: كل حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو قولي، وإن لم تسمعوه منِّي.

ويروى أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي وإذا صح الحديث، فاضربوا بقولي الحائط.

محمد بن بشر العكري وغيره: حدثنا الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي قد جزَّء الليل، فثلثه الأول يكتب، والثاني يصلي، والثالث ينام.

قلت: أفعاله الثلاثة عبادة بالنية.

قال زكريا الساجي: حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثني حسين الكرابيسي: بت مع الشافعي ليلة، فكان يصلي نحو ثلث الليل، فما رأيته يزيد على خمسين آية، فإذا أكثر، فمئة آية، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله، ولا بآية عذاب إلا تعَوَّذ، وكأنما جمع له الرجاء والرهبة جميعا.

قال الربيع بن سليمان من طريقين عنه، بل أكثر: كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة.

ورواها ابن أبي حاتم عنه، فزاد: كل ذلك في صلاة.

أبو عوانة الإسفراييني: حدثنا الربيع، سمعت الشافعي يقول: ما شبِعْتُ منذ ست عشرة سنة إلا مرَّة، فأدخلت يدي فتَقَيَّأتها.

رواها ابن أبي حاتم عن الربيع، وزاد: لأن الشِّبَع يثقل البدن، ويقسي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف عن العبادة.

الزبير بن عبد الواحد: أخبرنا أبو بكر محمد بن القاسم بن مطر، سمعت الربيع: قال لي الشافعي: عليك بالزهد، فإن الزهد على الزاهد أحسن من الحلي على المرأة الناهد.

قال الزبير: وحدثني إبراهيم بن الحسن الصوفي، سمعت حرملة، سمعت الشافعي يقول: ما حلفت بالله صادقا ولا كاذبا.

قال أبو داود: حدثني أبو ثور قال: قل ما كان يمسك الشافعي الشيء من سماحته.

وقال عمرو بن سواد: كان الشافعي أسخى الناس على الدينار والدرهم والطعام، فقال لي الشافعي: أفلست من دهري ثلاث إفلاسات، فكنت أبيع قليلي وكثيري حتى حلي بنتي وزوجتي، ولم أرهن قط.

قال الربيع: أخذ رجل بركاب الشافعي، فقال لي: أعطه أربعة دنانير، واعذرني عنده.

سعيد بن أحمد اللخمي المصري: سمعت المزني يقول: كنت مع الشافعي يوما، فخرجنا الأكوام فمر بهدف، فإذا برجل يرمي بقوس عربية، فوقف عليه الشافعي ينظر، وكان حسن الرمي، فأصاب بأسهم، فقال الشافعي: أحسنت، وبرك عليه، ثم قال: أعطه ثلاثة دنانير، واعذرني عنده.

وقال الربيع: كان الشافعي مارا بالحذائين، فسقط سوطه، فوثب غلام، ومسحه بكمه، وناوله، فأعطاه سبعة دنانير.

قال الربيع: تزوجت، فسألني الشافعي: كم أصدقتها؟ قلت: ثلاثين دينارا، عجلت منها ستة. فأعطاني أربعة وعشرين دينارا.

أبو جعفر الترمذي: سمعت الربيع قال: كان بالشافعي هذه البواسير، وكانت له لِبْدَة مَحْشُوَّة بِحُلْبَة يجلس عليها، فإذا ركب، أخذت تلك اللبدة، ومشيت خلفه، فناوله إنسان رقعة يقول فيها: إنني بقال، رأس مالي درهم، وقد تزوجت، فأعِنِّي، فقال: يا ربيع! أعطه ثلاثين دينارا واعذرني عنده. فقلت: أصلحك الله! إن هذا يكفيه عشرة دراهم، فقال: ويحك! وما يصنع بثلاثين؟ أفي كذا، أم في كذا -يعد ما يصنع في جهازه- أعطه.

ابن أبي حاتم: أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا محمد بن روح، حدثنا الزبير بن سليمان القرشي، عن الشافعي، قال: خرج هرثمة، فأقرأني سلام أمير المؤمنين هارون، وقال: قد أمر لك بخمسة آلاف دينار. قال: فحمل إليه المال، فدعا بحجام، فأخذ شعره، فأعطاه خمسين دينارا، ثم أخذ رِقَاعًا، فصَرَّ صُرَرًا، وفرَّقها في القرشِيِّين الذين هم بالحضرة ومن بمكة، حتى ما رجع إلى بيته إلا بأقل من مئة دينار.

محمد بن بشر العكري: سمعت الربيع قال: أخبرني الحميدي قال: قدم الشافعي صنعاء، فضربت له خيمة، ومعه عشرة آلاف دينار، فجاء قوم، فسألوه، فما قلعت الخيمة ومعه منها شيء. رواها الأصم وجماعة عن الربيع.

وعن إبراهيم بن برانة قال: كان الشافعي جسيما طوالا نبيلا.

قال ابن عبد الحكم: كان الشافعي أسخى الناس بما يجد، وكان يمر بنا، فإن وجدني، وإلا قال: قولوا لمحمد إذا جاء يأتي المنزل، فإني لا أتغدى حتى يجيء.

داود بن علي الأصبهاني: حدثنا أبو ثور قال: كان الشافعي من أسمح الناس، يشتري الجارية الصنَّاع التي تطبخ وتعمل الحلواء، ويشترط عليها هو أن لا يقربها، لأنه كان عليلا لا يمكنه أن يقرب النساء لباسور به إذ ذاك، وكان يقول لنا: اشتهوا ما أردتم.

قال أبو علي بن حمكان حدثني أبو إسحاق المزكي، حدثنا ابن جذيمة، حدثنا الربيع، قال: أصحاب مالك كانوا يفخرون، فيقولون: إنه يحضر مجلس مالك نحو من ستين معمما. والله لقد عددت في مجلس الشافعي ثلاث مئة معمَّم سوى من شذ عني.

قال الربيع: اشتريت للشافعي طيبا بدينار، فقال: ممن اشتريت؟ قلت: من ذاك الأشقر الأزرق. قال: أشقر أزرق! رده، رده، ما جاءني خير قط من أشقر.

أبو حاتم: حدثنا حرملة، حدثنا الشافعي، يقول: احذر الأعور، والأعرج، والأحول، والأشقر، والكوسج، وكل ناقص الخلق؛ فإنه صاحب التواء، ومعاملته عسرة.

العكري: سمعت الربيع يقول: كنت أنا والمزني والبويطي عند الشافعي، فنظر إلينا، فقال لي: أنت تموت في الحديث، وقال للمزني: هذا لو ناظره الشيطان، قطعه وجدله، وقال للبويطي: أنت تموت في الحديد قال: فدخلت على البويطي أيام المحنة، فرأيته مقيدا مغلولا. وجاءه رجل مرة، فسأله -يعني الشافعي- عن مسألة، فقال: أنت نساج؟ قال: عندي أجراء.

أحمد بن سلمة النيسابوري: قال أبو بكر محمد بن إدريس ورَّاق الحميدي: سمعت الحميدي يقول: قال الشافعي: خرجتُ إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها وجمعتها.

وعن الربيع قال: مر أخي، فرآه الشافعي، فقال: هذا أخوك؟ ولم يكن رآه. قلت: نعم.

أبو علي بن حمكان: حدثنا أحمد بن محمد بن هارون الهمذاني العدل، حدثنا أبو مسلم الكجي، حدثنا الأصمعي، عن الشافعي: أصل العلم التثبيت، وثمرته السلامة، وأصل الورع القناعة، وثمرته الراحة، وأصل الصبر الحزم، وثمرته الظفر، وأصل العمل التوفيق، وثمرته النجح، وغاية كل أمر الصدق.

بلغنا عن الكديمي، حدثنا الأصمعي، قال: سمعت الشافعي يقول: العالم يسأل عما يعلم وعما لا يعلم، فيثبت ما يعلم، ويتعلم ما لا يعلم، والجاهل يغضب من التعلم، ويأنف من التعليم.

أبو حاتم: حدثنا محمد بن يحيى بن حسان، سمعت الشافعي يقول: العلم علمان: علم الدين وهو الفقه، وعلم الدنيا وهو الطب، وما سواه من الشعر وغيره فعناء وعبث.

وعن الربيع قال: قلت للشافعي: من أقدر الفقهاء على المناظرة؟ قال: من عوَّد لسانه الركض في ميدان الألفاظ لم يتلعثم إذا رَمَقَتْهُ العيون.

في إسنادها أبو بكر النقاش وهو واه.

وعن الشافعي: بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد.

قال يونس الصدفي: قال لي الشافعي: ليس إلى السلامة من الناس سبيل، فانظر الذي فيه صلاحك فالزمه.

وعن الشافعي قال: ما رفعت من أحد فوق منزلته إلا وضع مني بمقدار ما رفعت منه.

وعنه: ضياع العالم أن يكون بلا إخوان، وضياع الجاهل قلة عقله، وأضيع منهما من واخى من لا عقل له.

وعنه: إذا خفت على عملك العجْب؛ فاذكر رِضَى مَنْ تَطْلُب، وفي أي نعيم ترغب، ومن أي عقاب تَرْهَب. فمن فكر في ذلك صَغُرَ عنده عملُه.

آلات الرياسة خمس: صدق اللهجة، وكتمان السِّر، والوفاء بالعهد، وابتداء النصيحة، وأداء الأمانة.

محمد بن فهد المصري: حدثنا الربيع، سمعت الشافعي يقول: من استُغْضِبَ فلم يغضب؛ فهو حِمَارٌ، ومن استُرْضي فلمْ يَرْضَ؛ فهو شيْطَانٌ.

أبو سعيد بن يونس: حدثنا الحسين بن محمد بن الضحاك الفارسي، سمعت المزني، سمعت الشافعي قال: أيما أهل بيت لم يخرج نساؤهم إلى رجال غيرهم، ورجالهم إلى نساء غيرهم إلا وكان في أولادهم حُمق.

زكريا بن أحمد البلخي القاضي: سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد بن نصر الترمذي، يقول: رأيت في المنام النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسجده بالمدينة فكأني جئت، فسلَّمْتُ عليه، وقلت: يا رسول الله! أكتب رأي مالك؟ قال: لا. قلت: أكتب رأي أبي حنيفة؟ قال: لا. قلت: أكتب رأي الشافعي؟ فقال بيده هكذا، كأنه انتهرني، وقال: تقول: رأي الشافعي! إنه ليس برأيٍ، ولكنَّه ردٌّ على من خالف سنتي. رواها غير واحد عن أبي جعفر.

عبد الرحمن بن أبي حاتم: حدثني أبو عثمان الخوارزمي نزيل مكة فيما كتب إليَّ، حدثنا محمد بن رشيق، حدثنا محمد بن حسن البلخي، قال: قلت في المنام: يا رسول الله! ما تقول في قول أبي حنيفة، والشافعي، ومالك؟ فقال: لا قول إلا قولي، لكن قول الشافعي ضد قول أهل البدع.

وروى من وجهين عن أحمد بن الحسن الترمذي الحافظ، قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام، فسألته عن الاختلاف، فقال: أما الشافعي، فمني وإليّ. وفي الرواية الأخرى: أحيى سنتي.

روى جعفر ابن أخي أبي ثور الكلبي، عن عمه، قال: كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ، فوضع له كتاب "الرسالة".

وقال أبو ثور: قال لي عبد الرحمن بن مهدي: ما أصلي صلاة إلا وأنا أدعو للشافعي فيها.

وقال الزعفراني: حج بشر المريسي، فلما قدم، قال: رأيت بالحجاز رجلا، ما رأيت مثله سائلا ومجيبا -يعني الشافعي- قال: فقدم علينا، فاجتمع إليه الناس، وخفوا عن بشر، فجئت إلى بشر، فقلت: هذا الشافعي الذي كنت تزعم قد قدم، قال: إنه قد تغير عما كان عليه، قال: فما كان مثل بشر إلا مثل اليهود في شأن عبد الله بن سلام.

قال الميموني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ستة أدعو لهم سَحَرًا، أحدهم الشافعي.

وقال محمد بن هارون الزنجاني: حدثنا عبد الله بن أحمد، قلت لأبي: أي رجل كان الشافعي، فإني سمعتك تكثر من الدعاء له؟ قال: يا بني، كان كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فهل لهذين من خلف أو منهما عوض؟ الزنجاني لا أعرفه.

قال أبو داود: ما رأيت أبا عبد الله يميل إلى أحد ميله إلى الشافعي.

وقال قتيبة بن سعيد: الشافعي إمام.

قلت: كان هذا الإمام مع فرط ذكائه وسعة علمه يتناول ما يقوي حافظته.

قال هارون بن سعيد الأيلي: قال لنا الشافعي: أخذت اللُّبَان سنة للحفظ، فأعقبني رمي الدم سنة.

قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن سهل النابلسي الشهيد، حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي، سمعت تميم بن عبد الله الرازي، سمعت أبا زُرْعَة، سمعت قتيبة بن سعيد يقول: مات الثوري ومات الورع، ومات الشافعي وماتت السُّنَن، ويموت أحمد بن حنبل وتظهر البِدَع.

أبو ثور الكلبي: ما رأيت مثل الشافعي، ولا رأى هو مثل نفسه.

وقال أيوب بن سويد: ما ظننت أني أعيش حتى أرى مثل الشافعي.

قال أحمد بن حنبل من طرق عنه: إن الله يُقَيِّضُ للنَّاسِ في رأس كل مئة من يعلمهم السُّنَن، وينفي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكذب، قال: فنظرنا، فإذا في رأس المئة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المئتين الشافعي.

قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: سُمِّيتُ ببغداد ناصر الحديث.

الفضل بن زياد: سمعت أحمد يقول: ما أحد مسّ مَحْبَرة ولا قلما، إلا وللشافعي في عنقه مِنَّةٌ.

وعن أحمد: كان الشافعي من أفصح الناس.

قال إبراهيم الحربي: سألت أبا عبد الله عن الشافعي، فقال: حديث صحيح، ورأي صحيح.

قال الحسن الزعفراني: ما قرأت على الشافعي حرفا من هذه الكتب، إلا وأحمد حاضر.

وقال إسحاق بن راهويه: ما تكلم أحد بالرأي -وذكر جماعة من أئمة الاجتهاد- إلا والشافعي أكثر اتباعا منه، وأقل خطأ منه، الشافعي إمام.

قال يحيى بن معين: ليس به بأس.

وعن أبي ززعة الرازي، قال: ما عند الشافعي حديث فيه غلط.

وقال أبو داود السجستاني: ما أعلم للشافعي حديثا خطأ.

قلت: هذا من أدل شيء على أنه ثقة حجة حافظ. وناهيك بقول مثل هذين.

وقد صنف الحافظ أبو بكر الخطيب كتابا في ثبوت الاحتجاج بالإمام الشافعي. وما تكلم فيه إلا حاسد أو جاهل بحاله، فكان ذلك الكلام الباطل منهم موجبا لارتفاع شأنه، وعلو قدره، وتلك سنة الله في عباده: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾.

قال أبو حاتم الرازي: محمد بن إدريس صدوق.

وقال الربيع بن سليمان: كان الشافعي -والله- لسانه أكبر من كتبه، لو رأيتموه لقلتم: إن هذه ليست كتبه.

وعن يونس بن عبد الأعلى قال: ما كان الشافعي إلا ساحرا ما كنا ندري ما يقول إذا قعدنا حوله، كأن ألفاظه سَكَرٌ، وكان قد أوتي عذوبة منطق، وحسن بلاغة، وفرط ذكاء وسيلان ذهن، وكمال فصاحة، وحضور حجة.

فعن عبد الملك بن هشام اللغوي، قال: طالت مجالستنا للشافعي، فما سمعت منه لحنة قط.

قلت: أنى يكون ذلك، وبمثله في الفصاحة يضرب المثل، كان أفصح قريش في زمانه، وكان مما يؤخذ عنه اللغة.

قال أحمد بن أبي سريج الرازي: ما رأيت أحدا أفوه ولا أنطق من الشافعي.

وقال الأصمعي: أخذت شعر هذيل عن الشافعي.

وقال الزبير بن بكار: أخذت شعر هذيل ووقائعها عن عمي مصعب بن عبد الله، وقال: أخذتها من الشافعي حفظا.

قال موسى بن سهل الجوني حدثنا أحمد بن صالح: قال لي الشافعي: تَعَبَّدْ من قبل أن ترأس، فإنك إن ترأست، لم تقدر أن تتعبد.

ثم قال أحمد: كان الشافعي إذا تكلم كأن صوته صوت صنج وجرس من حسن صوته.

قال ابن عبد الحكم: ما رأيت الشافعي يناظر أحدا إلا رحمته ولو رأيت الشافعي يناظرك لظننت أنه سبع يأكلك، وهو الذي علم الناس الحُجج.

قال الربيع بن سليمان: سئل الشافعي -رحمه الله- عن مسألة، فأعجب بنفسه، فأنشأ يقول:

إذَا المُشكَلاتُ تَصَدَّيْنَنِي***كَشَفْتُ حقَائِقَها بالنَّظَر

ولَسْتُ بإِمَّعَةٍ في الرِّجَالِ***أُسائِلُ هذَا وذَا مَا الخَبَر

ولكنِّي مدره الأصْغَرَيْنِ***فتَّاحُ خَيْرٍ وفَرَّاجُ شَر

وروى عن هارون بن سعيد الأيلي قال: لو أن الشافعي ناظر على أن هذا العمود الحجر خشب لغلب، لاقتداره على المناظرة.

قال الزعفراني: قدم علينا الشافعي بغداد سنة خمس وتسعين، فأقام عندنا سنتين، وخرج إلى مكة، ثم قدم سنة ثمان وتسعين، فأقام عندنا أشهرا، وخرج -يعني إلى مصر-.

قلت: قد قدم بغداد سنة بضع وثمانين ومئة، وأجازه الرشيد بمال، ولازم محمد بن الحسن مدة، ولم يلق أبا يوسف القاضي، مات قبل قدوم الشافعي.

قال المزني: لما وافى الشافعي مصر؛ قلت في نفسي: إن كان أحد يخرج ما في ضميري من أمر التوحيد فهو.

تقدمت هذه الحكاية، وهذه الرواية سماع زكريا الساجي من المزني، قال: فكلمته، فغضب، وقال: أتدري أين أنت؟ هذا الموضع الذي غرق فيه فرعون. أبَلَغَكَ أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بالسؤال عن ذلك؟ قلت: لا، قال: فهل تكلم فيه الصحابة؟ قلت: لا.

قال الحسن بن رشيق الحافظ: حدثنا فقير بن موسى بن فقير الأسواني، حدثنا أبو حنيفة قحزم بن عبد الله الأسواني، حدثنا الشافعي، حدثنا أبو حنيفة بن سماك بن الفضل الخولاني الشهابي، حدثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوم الفتح: (مَنْ قُتِلَ لهُ قَتِيلٌ؛ فهُوَ بِخَيْرِ النّظريْن، إنْ أَحَبَّ العقل؛ أخذ، وإنْ أَحَبَّ؛ فلَهُ القَوَدُ) رواه الدارقطني عن ابن رشيق.





\7







الأكاديمية الإسلامية




[/cell][/table1]
رد مع اقتباس