عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-07-2007, 02:14 AM
الصورة الرمزية أبوشديد المثيلي
أبوشديد المثيلي غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
الدولة: السعودية - جدة غير
المشاركات: 594
افتراضي رد: قصة التابعي سفيان الثوري - رحمه الله -

منزلته بين العلماء:

وكذلك فإنه من أئمة الدنيا وطلاب العلم الكبار والعلماء الأفذاذ.. بقي بن مخلد -رحمه الله- كان من علماء الأندلس ، رحل من الأندلس إلى بغداد لملاقاة الإمام أحمد رحمه الله، وحصلت له قصة عجيبة مع الإمام أحمد .. قال فيما يروى عنه: لما قربت من بغداد اتصل بي خبر المحنة التي دارت على أحمد بن حنبل .. المحنة التي جرت على الإمام أحمد معروفة، وكان مما حصل على الإمام أحمد سجن وضرب، وحصل عليه إقامة جبرية، وحصل عليه منع من التحديث والتدريس. بقي بن مخلد رجل من الأندلس جاء إلى بغداد لملاقاة أحمد بن حنبل ، فوجده مضروباً عليه الإقامة الجبرية والمنع من التدريس، ولا أحد يستطيع أن يقترب من بيت الإمام أحمد ، فماذا فعل؟ قال: فاغتممت لذلك غماً شديداً، فلم أعرج على شيء بعد إنزالي متاعي في بيت اشتريته في بعض الفنادق أن أتيت المسجد الجامع الكبير -أنزل العفش في الفندق وجاء إلى الجامع الكبير- قال: وأنا أريد أن أجلس إلى الحلق وأسمع ما يتذاكرون، فدفعت إلى حلقة نبيلة، فإذا برجل يكشف عن الرجل فيضعف ويقوي.. فلان ثقة فلان ضعيف، وهكذا.. فقلت لمن كان بقربي: من هذا؟ قالوا: هذا العالم يحيى بن معين ، فرأيت فرجة قد انفرجت قربه -قرب الشيخ- فقمت إليه فقلت له: يا أبا زكريا رحمك الله! رجل غريب نائي الدار، أردت السؤال فلا تستخفني، فقال لي: قل، فسألت عن بعض من لقيته من أهل الحديث، فبعضاً زكى وبعضاً جرح، فسألته في آخر السؤال عن هشام بن عمار فقال: صاحب صلاة، دمشقي ثقة وفوق الثقة... إلخ.


ابتعاده عن الأمراء والسلاطين ونصحه لهم:

ولما استخلف المهدي بعث إلى سفيان فلما دخل عليه خلع خاتمه -الخليفة يخلع خاتمه لـسفيان - فرمى به إلى سفيان وقال: يا أبا عبد الله ! هذا خاتمي فاعمل في هذه الأمة بالكتاب والسنة. فأخذ الخاتم بيده وقال: تأذن بالكلام يا أمير المؤمنين! قال السامع للراوي: قال له: يا أمير المؤمنين! قال: نعم. فقال الخليفة: نعم. يأذن له بالكلام. قال: أتكلم على أني آمن؟ قال: نعم. قال سفيان : لا تبعث إليَّ حتى آتيك، ولا تعطني حتى أسألك. قال: فغضب الخليفة وهمَّ به، فقال له كاتبه: أليس قد آمنته؟ قال: بلى. فلما خرج سفيان حس به أصحابه، فقالوا: ما منعك وقد أمرك أن تعمل في الأمة بالكتاب والسنة؟! فاستصغر عقولهم وخرج هارباً إلى البصرة ، وكان يقول: ليس أخاف إهانتهم، إنما أخاف كرامتهم فلا أرى سيئتهم سيئة. أي: إذا أكرموني تغاضيت عن الحق ولا أرى سيئتهم سيئة. وكان ينكر عليهم الإسراف في الولائم في مواسم الحج، فعن محمد بن يوسف الفريابي : سمعت سفيان يقول: أُدخلت على أبي جعفر بـمنى فقلت له: اتق الله، فإنما أنزلت في هذه المنزلة وصرت في هذا الموضع بسيوف المهاجرين والأنصار وأبنائهم وهم يموتون جوعاً، حج عمر فما أنفق إلا خمسة عشر ديناراً وكان ينزل تحت الشجر. فقال الخليفة لـسفيان : أتريد أن أكون مثلك؟ قلت: لا. ولكن دون ما أنت فيه وفوق ما أنا فيه. فقال: اخرج. ولما أُدخل على المهدي بـمنى وسلم عليه بالإمرة، فقال الخليفة: أيها الرجل! طلبناك فأعجزتنا، فالحمد لله الذي جاء بك، فارفع إلينا حاجتك. قال: وما أرفع؟ حدثني إسماعيل بن أبي خالد قال: حج عمر فقال لخازنه: كم أنفقت؟ قال: بضعة عشر درهماً، قال عمر: أسرفنا! وإني أرى هنا أموراً لا تطيقها الجبال.


تنقله في البلاد هارباً ودفنه لكتبه:

أما هرب سفيان وتنقله في البلاد هارباً فترة من عمره ودفنه لكتبه، فكان بسبب أن الخليفة أبا جعفر أراده على القضاء، فأبى أن يتولاه، فأراد أن يلزمه به، وكان يسجن ويضرب حتى يرضخ القاضي للقضاء، فهرب سفيان ، ولا زال هارباً متخفياً، وهو مع هربه يطلب الحديث ويطلب العلم ويعبد الله.. قال أبو أحمد الزبيري : كنت في مسجد الخيف مع سفيان والمنادي ينادي: من جاء بـسفيان فله عشرة آلاف. وقيل: إنه من أجل الطلب والملاحقة هرب إلى اليمن، فاتهموه -وهم لا يعرفونه في اليمن - بأنه سرق شيئاً؛ فأتوا به والي اليمن معن بن زائدة ، وكان عنده خبر من الخليفة بشأن طلب سفيان، فقيل للأمير: هذا قد سرق منا، فقال: لم سرقت متاعهم؟ قال سفيان : ما سرقت شيئاً. فقال لهم الأمير: تنحوا حتى نسائله -حتى أحقق معه- ثم أقبل على سفيان فقال: ما اسمك؟ فقال: عبد الله بن عبد الرحمن، وأراد ألا يكذب ولا يذكر اسمه لأنه مطلوب عند الخليفة، فقال الأمير: نشدتك بالله لما انتسبت سأله بالله، فكان لا بد أن يجيب، قال: فقلت: أنا سفيان بن سعيد بن مسروق ، قال: الثوري ؟ فقلت: الثوري ، قال: أنت بغية أمير المؤمنين؟ قلت: أجل! فأطرق ساعة يفكر ثم قال: ما شئت أقم ومتى شئت فارحل، فوالله لو كنت تحت قدمي ما رفعتها. أي: أحميك وأدافع عنك، وكان معن بن زائدة فيه خير كثير. وهرب إلى البصرة أيضاً، قال ابن مهدي : قدم سفيان البصرة والسلطان يطلبه، فصار إلى بستان، فأجر نفسه لحفظ الثمار، صار ناقوراً حارساً يحفظ الثمار، فمر به بعض العشارين الذين يأخذون أجزاء الثمار للوالي، فقال: من أنت يا شيخ؟ قال: من أهل الكوفة . فقال: أرطب البصرة أحلى من رطب الكوفة؟ قال: لم أذق رطب البصرة . قال: ما أكذبك! البر والفاجر والكلاب يأكلون الرطب الساعة. فرجع العامل إلى الوالي فأخبره ليعجبه بهذا الخبر العجيب، فقال الوالي: ثكلتك أمك! أدركه فإن كنت صادقاً فإنه سفيان الثوري ، فخذه لنتقرب به إلى أمير المؤمنين. فرجع في طلبه فما قدر عليه. ولاحقه أبو جعفر ملاحقة شديدة وجدَّ في طلبه، فاختفى الثوري بـمكة عند بعض المحدثين.. قال عبد الرزاق : بعث أبو جعفر الخشابين حين خرج إلى مكة وقال: إن رأيتم الثوري فاصلبوه. فجاء النجارون ونصبوا الخشب ونودي عليه ورأسه في حجر الفضيل مختفٍ بالبيت، ورجلاه في حجر ابن عيينة ، فقيل له: يا أبا عبد الله ! اتق الله لا تشمت بنا الأعداء.. كان مختفياً في الحرم ورأسه في حجر الفضيل ورجلاه في حجر ابن عيينة ، فتقدم إلى الأستار ثم أخذه وقال: برئت منه إن دخلها أبو جعفر، قال: فمات أبو جعفر قبل أن يدخل مكة، فأخبر سفيان فما قال شيئاً، قال الذهبي رحمه الله: هذه كرامة ثابتة.


وفاته رحمه الله وثناء العلماء عليه:

واستمر هذا الرجل على العطاء، وكان قد دفن كتبه فلما أمن استخرجها مع صاحب له، فقال صاحبه: في الركاز الخمس يا أبا عبد الله ! فقال: انتق منها ما شئت، فانتقيت منها أجزاء فحدثني بها. استمر -رحمه الله- عابداً لربه مستمراً على العهد الذي بينه وبين الله علماً وتعليماً وعبادة حتى جاءه الأجل ووافاه قدر الله سبحانه وتعالى بالموت في البصرة ، في شعبان سنة إحدى وستين ومائة للهجرة، وقد غسله عبد الله بن إسحاق الكناني . قال يزيد بن إبراهيم: رأيت ليلة مات سفيان قيل لي في المنام: مات أمير المؤمنين -أي: في الحديث. ولم يتمكن إخوانه وأصحابه من الاجتماع للصلاة عليه، فجعلوا يفدون إلى قبره يوم وفاته، ودفن وقت العشاء، وعن بعض أصحاب سفيان قال: مات سفيان بـالبصرة ودفن ليلاً ولم نشهد الصلاة عليه، وغدونا على قبره ومعنا جرير بن حازم و سلام بن مسكين من أئمة العلم، فتقدم جرير وصلى على قبره ثم بكى وقال:

إذا بكيت على ميت لمكرمة فابك غداة على الثوري سفيان

وسكت، فقال عبد الله بن الصرباح :

أبكي عليه وقد ولى وسؤدده وفضله ناظـر كالغسـل ريان

وقال سعيد : رأيت سفيان في المنام يطير من نخلة إلى نخلة وهو يقول: الحمد لله الذي صدقنا وعده. وهذا مما روي له من المنامات الصالحة بعد وفاته. وقال إبراهيم بن أعين : رأيت سفيان بن سعيد بعد موته في المنام، فقلت: ما صنعت؟ فقال: أنا مع السفرة الكرام البررة. قال أحمد بن حنبل رحمه الله: قال لي ابن عيينة : لن ترى بعينك مثل سفيان الثوري حتى تموت. وقال الأوزاعي : لو قيل لي اختر لهذه الأمة رجلاً يقوم فيها بكتاب الله وسنة نبيه لاخترت لهم سفيان الثوري . وقال ابن المبارك : كتبت عن ألف ومائة شيخ ما كتبت عن أفضل من سفيان . وقال ابن أبي ذئب : ما رأيت أشبه بالتابعين من سفيان الثوري . وقال ابن المبارك : ما نُعت إلي أحد فرأيته إلا كان دون نعته -دون الوصف- إلا سفيان الثوري ، رحمه الله رحمة واسعة.
__________________
رد مع اقتباس