الموضوع: أثر
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05-20-2012, 12:02 PM
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي أثر



رمقَتْني بعينَيْها حين دخَلْتُ المكتبة، وما أن التقَتْ عينانا حتَّى خفضَتْ بصرَها، وراحت تتبع خيوطَ ثوبِها التي لوَّنتها بلونٍ مُخالف, ضاربةً بتعليمات مديرة المدرسة عُرْض الحائط.

تجلس وحدها بِسَكينة، تُداعب خصلاتِ شعرها، أتعجَّبُ مِن تحوُّلِها؛ فقَبْل يومين كانت في الإدارة، وصوتُها يَعلو صوت المديرة، وهي تصرُّ أنَّ زميلاتها هن من تحرَّشْنَ بها.

راقبتُها من خلال الباب الموارب، رمش عينيها الكثيفُ يَحُول بيني وبين محاولة قراءةِ نظراتها، ينسَلُّ من بين عينيها أنفٌ ما أن يصل شفتيها حتَّى يرتفع بكبرياء؛ مِمَّا جعله محلَّ استفزاز المديرة التي تُردِّد على مسامعها دائمًا: "سأكسر لك أنفَكِ هذا".

هذه العبارة تجعله يزيد شموخًا، فكلُّ كلمة تقولها المديرة تردُّ عليها بأكثر منها، إلاَّ هذه الكلمة، تكتفي بالتحديق وهي تزمُّ أنفها أكثر فأكثر!

خطوةٌ إلى الباب، وما أنْ رأَتْني حتَّى تبسَّمَت، لَم أرها تبتسَّم قبل اليوم.. رددتُ لها الابتسامة:
• نادية، هل تُساعديني في ترتيب الكتب؟

هبَّتْ واقفة، وهي تنفض الغبار عن مؤخِّرة ثوبها:
• نعم سأرتِّب الكتب معكِ.

رسم الصمتُ هالةً حولنا كسرَتْها بقولِها:
• أستاذة، هل في السِّجن مكتبة؟!

تعثَّرَتْ بكلماتها، فسقطَ منها الكتاب، هربَتْ منِّي بجميع جسدها، وهي تُحاول إخراجه من تحت الطاولة.

حاولتُ أن أخفي دهشتي بابتسامة:
• ربَّما توجد فيه - لا أعلم بالضَّبط - لِم تسألين يا حبيبتي؟

أجابت وهي تولِّي وجهها للكتب:
• أبي في السجن، والبنات دائمًا ينبذنني لهذا السَّبب، يَقُلن: أنتِ ابنة السجين، ولا يُحبِبن اللَّعب معي.

أدارت وجهها إلي: أبي طيب يحب الكتب، كان يأتي لي بالقصص والمجلاَّت، إن كان في السجن مكتبةٌ فسيكون سعيدًا.

خيَّمَتْ على وجهها سحابةُ الضيق، وهي تسمع صوت الجرس مُعلِنًا نهاية الفسحة.

علقَتْ نظرات من الأمل، وهي تقول: أستاذة، سآتي غدًا، وأرتِّب ما تبقَّى من الكتب، سأساعدك، أنا مثل أبي أحبُّ الكتب.

اصطنعتُ ابتسامة أردتُها أن تقتل دمعاتٍ ملأَتْ عيني:
• نعم، سأكون سعيدةً بمساعدتك لي

التعديل الأخير تم بواسطة وفيه ; 05-21-2012 الساعة 09:51 PM
رد مع اقتباس