عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-12-2010, 01:09 PM
الصورة الرمزية سـالـم بن جـحـزر
سـالـم بن جـحـزر غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
الدولة: حيث أتنفّس
المشاركات: 549
افتراضي رد: لـذّة الـهـرب ! }{}{قراءة أدبية }{}{


فدىً لكما رِجْلَيَّ أمي وخالتي ... غداة الكلاب إذ تحزُّ الدوابرُ


عندما يفدي الشاعر بعزيز عليه
ولا أعز من الأم في العطف والحنان
فإن الشاعر وجد محضناً يقابل محضن ذلك الملجأ !


ومن كان في حال الشاعر
فإن رجلاه هي والدته وخالته


وأي يومٍ كان يوم الكُلاب هذا


ففيه كانت تحز الدوابر
أي تجتث كل أصولٍ لجذور الحياة


نجوتُ نَجَاءً لم ير الناس مثله ... كأني عقابٌ عند تيمنَ كاسرُ


إنه وجد نفسه في قمّة الناجين
وشبهها بالعقاب الكاسر
فنفس الشاعر إذن أصبحت جارحةً
لكنها جارحة تصطاد الحياة !
وتقتنص فرص النجاة !



خداريّةٌ سفعاءُ لبَّد ريشَهَا ... من الطلِّ يومٌ ذو أهاضيب ماطرُ


وأمعن الشاعر في تشبيه تلك العقاب
أنها عقابٌ سوداء تعرض ريشها للمطر
وكأنه يرى أمطار السهام من حوله
و بروق السيوف على درعه


كأنا وقد حالت حُذُنَّة دوننا ... نعامٌ تلاه فارسٌ متواترُ


شبه نفسه بالنعام !
ولا ضير
أكون نعامةً
ولا أصير هامة
هكذا أصبحت فلسفة الشاعر!



فمن يك يرجو في تميم هوادةً ... فليس لجرم في تميم أواصرُ


هنا يزداد ارتياع الشاعر وخوفه
ولم لا
فإنه إن وقع في قبضة هؤلاء
فلن ينجو أبداً
فلا أواصر بين قومه وبين بني تميم
والذين قتل منهم وأصاب
فكيف سيكون مصيره إذن !


ولما سمعت الخيل تدعو مقاعساً ...تطالعني من ثغرة النحر جائرُ


كثيراً ما أتعجب من جرأة الشاعر على وصفه
انخلاع قلبه من صوت الأبطال
ومقاعس هم قبائل من تميم
وأعجب العجب
أن الشاعر يقول أني يوم سمعتهم يدعون بمقاعس
كدت أن أفرز من صدري برئتي !


وتظهر عينا الشاعر في هذا البيت شاخصتين
تكاد أن تنخلعا من محجره !
فزعاً ورعباً
كانخلاع قلبه من صدره
هلعاً وروعاً


فإن أستطع لا تلتبس بي مقاعسٌ ... ولا يرني مباداهم والمحاضرُ


بعبع اسم مقاعس في سمع الشاعر
لقد مزّقت أنياب هذا الإسم كل صلة للشجاعة في قلبه
فهو يكرر بجنون مسعور
الويل لي إن التبست بي خيول هذه القبيلة
أو حتى إن رآني بدوهم وحاضرتهم ممن لم يشاركوا في الحرب حتى!


ولاحظوا لفظ
( تلتبس بي مقاعس)
وهو لفظ له عمق بعيد
واستشعار للحاق المحتوم
وكأن خيول القوم تتلهف
لتنهش لحمه برماحها وتأكله بسيوفها!


إنه سعار الهرب
وجنون الفرار


ولا تك لي حدادة مُضَريَّةٌ ... إذا ما غدت قوت العيال تبادرُ


وهنا يظهر أن الشاعر كان يرهبه أمر آخر سوى القتل
وهو أشد من القتل
ألا وهو الأسر


إذن يتضح لنا أن الشاعر كان يأنف من ذل الموت
وهو يرسف في أكبال الأسر وسط عجائز بني تميم


وأنف أن تكون حارسته امرأة من مضر أي من بني تميم
غاية همها هو البحث عن قوت عيالها


فيكون فقرها مدعاة لمهانة هذا الفارس وإذلالاً له
لكي يرتفع سعره عند الفداء
هذا إن غض بنو تميم طرف الإنتقام عن قتله!


يقول لي النهديُّ: إنك مُرْدفي ... وكيف رداف الفَلّ، أمُّك عابرُ
يذكرني بالرحم بيني وبينه ...وقد كان في نهد وجرم تدابرُ


خذلان مؤسف
أن يركل الشاعر وهو الفارس النبيل
صرخات استغاثة من يذكره بصلة الرحم
وكأنه يقول نشدتك بالله والرحم أن تردفني خلفك


لكن كان جواب الشاعر هو الركل بعنف
لفظاً وحسّاً


والوقت ليس وقت تناسب
ولا وقت صلة أرحام


الوقت
وقت الهرب
ولا مكان لغير الهرب بيننا !




ولما رأيت الخيل تترى أثائجاً ... علمت بأن اليوم أحمس فاجرُ


وهنا تنتهي هذه الملحمة


ويختمها الشاعر
بعد رؤيته لأفواج الخيل تترى
وهي تجرف رجال قبيلته
واصفاً اليوم بأنه يوم
أحمس
فاجر


وبالفعل هو يوم فاجر ولاشك
فقد أسرف في شرب خمور الأوردة
وهتك شرايين الأجساد


ويشخص هنا بصر الشاعر
ويغيب نفَسُه الشاعري في آفاق الهرب


ويعم البياض في نهاية القصيدة


وكأنما هو
انشقاق أرض النجاة به
وابتلاعها إياه


ليختفي الشاعر
والنص





هكذا قرأتها


وهكذا أعرضها بين أيديكم



فدونكم إياها


فأروني كيف ترون وقعها في أنفسكم







أبو الهذيل
الأربعاء
6/ شوال / 1431هـ
11:27 مساءً




والســـــــــــلام عليكم أجمعين
__________________
أحسن جوار الكرام من خصفة


رد مع اقتباس