عرض مشاركة واحدة
  #26  
قديم 06-01-2011, 09:10 PM
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي رد: أحتراق أمـــــــل

و لم أطق الانتظار فمهما كانت قسوة الحقيقة فلا بد أن أميط اللثام عنها وأزيح أوراقها المتساقطة إيذانا بخريف عمري أو تجديدا للباس الربيع
- سماح سماح .. عيناها الناعستان نبأتاني أن رموشهما كانا في عناق لم يدم طويلا
- نعم نعم ما بك يا أمل
-أرجوك خذيني إلى عيادة الطبيب .
أصبح الطريق إلى العيادة طويل وشاق و في الحقيقة لا يفصل بين عيادتي وبين استراحة النساء سواء عيادة الأطفال التي تنبعث منها صرخات تلهب جرحي.
انزلقت يدي من يد سماح وعانقت مقبض باب العيادة , فسرت في جسدي شحنات متضاربة فأخذت أرتجف منها ..غسلتني سماح بنظرة إشفاق.. ما بك يا أمل ؟
- ما عساي أن أقول لك , أرجوك انتظريني خارج العيادة
دخلت على الطبيب الذي كان يتحدث بالهاتف ويبتسم.. لم يكترث لدخولي ووضع السماعة ببط واسترخى على كرسيه ,رمقني بنظرة كسرت جليدي .
فبدأت عيناي بسفح مائهما . لملمت حبال صوتي من بين سيل دموعي فخرجت كلماتي متقطعة
- هل أتت تحاليلي يا دكتور؟
- لا لم تأت ..أجلسي
وطلب من الممرضة الذهاب إلى المختبر لاستيضاح النتيجة
توقف الزمن,, وأوقفني معه في ظهيرة مشتعلة يغلي معها جميع جسدي , تُشاركها رياح السموم التي هبت ما أن فتحت الممرضة الباب .. قفز قلبي هلعاً عندما رأيت معها الأوراق و أخذت أرتعش كمن ينتظر نطق القاضي بحكم الإعدام
- نعم يا سيدتي هذه تحاليلك وبالفعل تثبت بأنك حاملا
لم أكن قادرة على استجماع أنفاسي اللاهثة.. أوشكت أن أدخل في إغماءة .سمعت صراخ أمي يصم أذنيّ, ووجه أبي المتجهم يحيط المكان حولي , وضعت يديّ على وجهي كي أتقي رؤيته , وأخذت أصرخ
لملمتْ سماح شتاتي وضمتني بين ذراعيها.. و بدأتُ أهذي هل تذكرين يا سماح عندما خرجت مع أم عبدالله ؟
لقد سلمتني لوحش فعل فيَّ فعلته وأنا أحمل اليوم وزرها
- اهدئي يا حبيبتي
صوتي يملا جنبات ذلك المستشفى , ويجلب انتباه كل من فيه.. أدخلتني لغرفة الانتظار حتى تتمكن من السيطرة علي .
-تلقفتني السيدات .. خير يا ابنتي ما الذي حدث لك ؟
ولم استطع الكلام و كذلك سماح التي أخذن يلححن عليها بالسؤال عن سبب انهياري بهذه الدرجة.. أخذ عدد السيدات يتناقص و اقتربت مني تلك السيدة التي أتت بي من المختبر
-ما بك يا ابنتي؟! بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهي تمسح بيدها الطيبة على جسدي ..انحنيت على صدرها وأجهشت بنحيب مرٍّ يا خالة أتت إليَّ امرأة في مكان شغلي وبعد توطد العلاقة بيني وبينها أخبرتني أن لديها شاباً يريد الزواج مني , والزواج خير لي من هذا المكان الذي أعيش فيه , وبعد عدة محاولات منها وافقتها بالذهاب معها ليراني ,وضعوا لي المخدر في العصير وفعل بي فعلته وأنا الآن حامل , وأنا غير متزوجة
- يا ابنتي اتصلي بالشرطة فلن يأتيك بحقك من هذه المجرمة إلا الشرطة خذي هذا رقم المركز, وأنا يا ابنتي تأخرت كثيرا ,ولابد أن أذهب الآن فأبني ينتظرني بالسيارة..
من شدة حماسي للانتقام من تلك المجرمة اتصلت بالشرطة بدون تفكير وكذا سماح أظنها كانت تعاني من شلل فكري فلم تبد أي رأي . لا أعلم ماذا قلت لذلك الشرطي المستقبل لمكالمتي ولا أعلم كيف وصلت إلى هذا المركز كل ما أعلمه الآن أنني في هذه الغرفة محجوزة ولا أعرف هل أنا متهمة أم ضحية ؟!
وشريط هذه الأحداث يتردد عليّ ألف مرة, وقد أدخلت نفسي إلى هذا العالم المجهول .. مجهول بشخوصه وأمكنته ودروبه ..
- تعالي الضابط يريد مقابلتك ..لو لم تتكلم لظننتها تمثالا فملامحها لا تنبئ عن أية روح .. أظنها ألقت أحاسيسها ومشاعرها في أول حاوية نفايات قابلتها وهي في طريقها لهذا المكان .. فكل من في هذا المكان يجب أن يتجرد من مشاعره
دلفنا مع ممر كأمعاء تمساح أبتلع فريسة سهلة جعلها تتدحرج مع أمعائه كيفما شأت , وبعد عدة انعطافات طرقتْ باب تلك الغرفة وأدخلتني وجلستْ بجانب الباب رأيت هذا الذي يقبع خلف تلك الطاولة وهالني منظره فأول ما رأيت فيه صدره البارز إلى الأمام وتلك العيّنين المخيّفتين ,وشارب يشكو الإهمال فتراكم مغلقا فتحي الأنف
- تعالي يا أمل هنا
لم استطع الحركة تخشب جسدي .. آآه يا ليتني أستطيع الفرار من هذا المكان ..وبصوت نزر
- تعالي بسرعة وأجلسي على هذا الكرسي
ألقى علي سؤال ملت شفتاه من تكراره فأنزلق من بينهما بسلاسة
- اسمك الثلاثي وعمرك ومقر إقامتك ؟
- أمل سعد الصالح , عمري 18سنة , أعمل في مشغل الفاتنات النسائي
- متى اشتغلت في هذا المكان , ولِم ؟
- منذ ما يقارب السنتين , لأني من أسرة فقيرة وحاولت أن أجد دخل يساعد أسرتي ووجدت عمل في هذا المشغل
- أين تسكنيّ ؟
- اسكن في سكن العاملات في المشغل.. لأن أسرتي في قرية تبعد 500كلم عن الرياض
- كيف حصلت على هذه الوظيفة ؟
- صاحبت المشغل لها أقارب في قريتنا , وفي أحدى زيارتها لأقاربها التقت بأمي التي كانت كثيرة الشكوى من أحوالنا المادية وأشفقتْ عليها وأخبرتها أن بإمكانها أن تجد لي شغل في مشغلها
طبعا أمي وافقت على الفور , وأبي لم يمانع من أن أنتقل وأسكن في مقر عملي فهو بخيل جدا ولا يهمه إلا جمع المال من أي مكان وفي أي طريقة
- ماهي قضيتك ؟
دموعي سبقت إجابتي , فهي منذ سماعي لهذا الخبر تحفر أخاديدا على وجنتيّ
أعطاني كأس ماء كان على الطاولة ..اشربي وارتاحي وأحكي بالتفاصيل الدقيقة
الماء ما أن يلامس طرف لساني إلا ويتحول طعمه مرا علقما, ألساني تحول مع هذه الحكاية التي لم أعد أنطق سواها فأصبح مرا بمرارتها ؟

الحكاية بدأت قبل سنة تقريبا أو أقل بقليل حيث أتت إلينا زبونة في المشغل اسمها ( أم عبدالله) فلم أعرف لها اسما غير ذلك ,وصارت تتردد على المشغل وتتحدث إليّ كثيرا أحببتها وتوثقت العلاقة بيننا, وبدأت أقول لها كل أسراري وأطلعها على أحوالي وكانت تحن على وتشاركني آلامي وتقول لي سوف أساعدك و يوما من الأيام أتتني ووجهها يتهلل فرحا ,
وقالت: أبشري يا أمل فقد وجدت لك رجلا غنينا يريد زوجة تسعده.. وأخبرته عنك وتحمس للارتباط بك . كنت مذهولة وأنا أسمع هذا الخبر فلم أفكر يوما بالزواج ,وأردفت بالقول : طبعا هو غنيا وسوف يفتح لك مشغلا تكونين أنت صاحبته بدلا من العمل في هذا المشغل وكأنك مقيمة وليست سعودية ..
كنت مندهشة وأردد : رجل غني يتزوجني ؟!
وكانت ترد وأنت ماذا ينقصك جمال وشباب - ما شاء الله عليك- كاملة من جميع النواحي
وقلت لها : حسنا سأعطيك رقم والدي ويذهب هو ويكلمه
وقالت : أكيد أكيد يا ابنتي
وكتبت لها الرقم وأخذته وهي تردد الدعاء بأن يجعله الله من نصيبي , ويعوضني عن كل ألم رأيته في حياتي
وبعد يومين أتت إلي وقالت أخبرته وفرح بموافقتك ولكن لدية الآن بعض الأعمال حالما ينتهي منها فإنه سوف يذهب لمقابلة والدك ,أخذتْ تدغدغ أذنيّ بجمال الحياة التي أنا مقبلة عليها وتلك الفلة التي سأسكنها ,وذاك المشغل الذي سأمتلكه , ولم أنم تلك الليلة بل سهرتُ مع أحلام اليقظة ,وبعد أسبوعين أتت إلينا وقت الظهر يوم الخميس كانت عادة تأتي إلينا بعد المغرب , وقد استغربتُ مجيئها في هذا الوقت!!
تغدينا سويا, واستأذنت سماح فهي تريد أن تذهب لزيارة أختها والمبيت عندها تلك الليلة
- من هي سماح ؟
- سماح كوافيره تشتغل معي في المشغل
- سعودية ؟
- لا.. مغربية
- هل تنام معك في نفس السكن ؟
نعم تنام معي في نفس السكن لكن صاحبة المشغل تعطينا إجازة يومين من كل شهر وعادة يكونا الخميس والجمعة.. أنا أذهب إلى أهلي وسماح تذهب إلى أختها , أنا لم أتمكن من الذهاب ذاك الأسبوع لأن أبي لم يأت ليأخذني هكذا أخبرني ولم أعلم ما هو السبب , وأم عبدالله كانت تعلم مسبقا إنني لن أذهب فلم أكن أخبي عنها شيئا, فلما خرجت سماح ,ولم يبق إلا أنا وهي نظرت لي طويلا ثم قالت :
- يا أمل العريس يريد أن يراك
- نعم .. يراني !!
- هذا شرطة الوحيد لكي يتقدم إلى أهلك رسميا
- وكيف يراني ؟
- الأمر سهل أتصل عليه وننزل أنا وأنت يأخذنا في السيارة ويراك ويتحدث معك ولا تخافين أنا سأكون معك
- لا لا مستحيل !!
- لا تفوتي الفرصة منك.. فأخذتْ تارة ترقص على جراحي مقارنة حالي بحال الخادمة , وتارة تغني حياة الغِناء التي سأطرب بها إن وافقتها وذهبتُ معها
قالت فقط عشر دقائق يراك وتتكلمون وهذا سيكون زوجك وسيخاف عليك . وأنا معك لِم الخوف والتردد ..ألا تثقي بي ؟
ومع أذآن المغرب صليت وهي تحثني على التعجيل وخرجنا أنا وهي وإذا بسيارة (جمس سوبر) واقفة عند باب المشغل فتحتْ الباب وطلبتْ مني الركوب وركبتُ وركبتْ بعدي
قال أهلا وسهلا يا أمل وهو يلتفت إلى ,هالني شكله فالتجاعيد تملا وجهه وخمنت أن عمره أربعون إن لم يكن تجاوزها
سألتُ أم عبدالله من هذا ؟
لكزتني بكوعها ..أسكتي
ظننت أن هذا أحد أقربائها وسوف يوصلنا إلى العريس المنتظر
قال: لم لا تتكلمين يا أموله ؟ والتفت إليّ وأزاح الغطاء عن وجهي
صرخت وأنا أتمسك بغطائي وأنقبض قلبي وتمنيت لو أخرج من هذه الموقف الذي وضعت نفسي فيه
ردت أم عبد الله: هو يريد مداعبتك فقط ثم هو زوجك
قلت: والشارع المكتظ بالناس , فالجميع يرون وجهي
قالت :يا ابنتي هو يمازحك فقط . صرخت بهم أرجعوني أرجعوني إلى المشغل . خلاص لا أريد هذا الزواج أرجعوني أرجوكم
قالت سنرجعك فقط اهدئي , صراخك صار مُلفتٌ للانتباه
-قال: ما بك يا أمل ؟! سنتنزه قليلا
-قلت: لا أريد هذه النزهة , سوف تأتي أم فيصل ولا تجدني في المشغل وتسألني أين كنت؟
أرجعوني أو أنزلني بهذا المكان
قال : سنرجعك لكن لابد أن نضيفك شيئا .. ليس من المعقول تخرجين معنا ولا تشربين شيئا
ولم نكن قطعنا طريقا بعيدا عن المشغل .. أخذ انعطافة الطريق ورجعنا أوقف سيارته أمام بوفيه رجع وفتح الباب الذي بجانبي وأعطاني كيس به عصير وتعمد مسك يدي سحبت يدي منه
قال :مابك أيعقل تشتغلين بمشغل ولم يسبق أن خرجت مع أحد ؟!!
بدأت زلازل الخوف تهز كياني , فكرت أنزل وأهرب وخفت ,,وآآه ليتني فعلتها
أخذت أم عبد الله الكيس وأعطتني عصير ماكينة وما أن لمست يداي العصير وأحسست ببرودته إلا وضعته بفمي أريده يزيل جفاف حلقي ,ويرجع أنفاسي التي تكاد تتقطع ,تذوقت طعمه كطعم الحليب بالموز ولم أشغل بالي بماهية هذا العصير ,رأيت هذا الوحش الذي يقود السيارة يتعمد أن يقف خلف طابور السيارات عند الإشارة ,أحسست بدوار وبدأت رؤيتي تتزعزع وغشي عينيّ ضباب كثيف ..ظننته من شدة الخوف الذي أعتصر قلبي . أخذتُ أتكلم ولا أعِ ما أقول وغبت عن الدنيا

التعديل الأخير تم بواسطة فاطمة السلمي ; 06-01-2011 الساعة 09:33 PM
رد مع اقتباس