عرض مشاركة واحدة
  #28  
قديم 05-30-2013, 05:07 AM
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: اليمن
المشاركات: 500
افتراضي رد: موسوعة طالب العلم

رسالة في بيان خطر التقول على العلماء:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
ليس بغريب أن ينسب إلى أحد العلماء المعتبرين ما لم يقله بل ما يصرح بخلافه، وهذا معلوم من عهد السلف الصالح، ففي صحيح مسلم ـ في كتاب اللباس في باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة 3/1641 ـ أن أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ أرسلت مولاها إلى عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ فقالت: بلغني عنك أنك تُحرم أشياء ثلاث: العلم في الثّوب، ومَيثرةَ الأُرجُوانِ وصوْمَ رجَبٍ كُلّه. فقال عبد الله: أمّا ما ذَكرتّ من رجبٍ، فكيف بمن يصومُ الأبد.
وأما ما ذكرتَ من العَلمُ في الثّوبِ فإني سمعتُ عمر بن الخطّاب يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «إنما يلبسُ الحرير من لا خَلاقَ له»، فخفتُ أن يكون العَلمُ منه.
وأما ميثرةُ الأرجُوان، فهذه ميثرةُ عبد الله، فإذا هي أُرجُوانُ.
فرجع مولى أسماء إليها فأخبرها بما قال عبد الله فقالت: هذه جُبّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجتْ جُبّة طيالسةِ كَسْرِوانّية لها لِبنةُ ديباجٍ وفرجيها مكفُوفين بالدّيباج، فقالت: هذه كانت عند عائشة حتّى قُبضتْ. فلمّا قُبضت قبضتها. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يَلبُسها فنحنُ نغسلُها للمرضى ليُستشفى بها.
الميثرةُ: وطاء يجعل على الرحل ليلين للراكب من الوثارة.
والأُرجُوان: بضم الهمزة والجيم هو الأحمر الشديد الحمرة.
ومعنى قول ابن عمر: فكيف بمن يصوم الأبد لإنكار على من نسب إليه تحريم صوم رجب كله، لأنه ـ رضي الله عنه ـ كان يصوم الأبد.
وقد أنكر ـ رضي الله عنه ـ كل ما نسب إليه من تحريم الثلاثة، فأنكر صوم رجب بأنه كان يصوم الأبد، وتحريم علم الثوب بأنه كان تركه خوفاً من أن يكون من لبس الحرير فهو حكم احتياطي، وأنكر تحريم ميثرة الأرجوان بأنه كان له ميثرة أرجوان.
والمهم أن التقول على العلماء كان من قديم الزمان وله أسباب:
1ـ منها أن يسأل الشخص عالماً سؤالاً يقصد به معنى، فيفهمُ العالمُ المجيبُ خلاف ما قصد السائل، فيجيبُ بحسب ما فهم من السؤال ويفهم السائل الجواب على ما قصد من السؤال.
2ـ ومنها أن يفهم العالم السؤال على ما قصده به السائل فيجيبه بحسبه لكن يفهم السائل منه خلاف ما قصده المجيب.
3ـ ومنها أن يكون له هوى في حكم مسألة ما، فيُشّيع نسبته إلى عالمٍ معروفٍ ليكون أدى لقبوله.
4ـ ومنها أن يكون الحكم غربياً منكرًا، فيُنسبه إلى عالم ليشوه به سُمعتّهُ ويتخذ من ذلك وسيلةً إلى غيبته، والإيقاع به، مع أن العالم لم يكن منه فتوى في ذلك.
إلى غير ذلك من الأسباب وشر الأسباب التي ذكرناها هذا الأخير والذي قبله.
ولكن الواجب على من سمع من ذلك أن يتثبت أولاً من صحة نسبة القول إلى العالم، ثم يتأمل في القول المنقول هل له حظ من النظر، فإن كان له حظ من النظر قبله ودافع عنه؛ لأنه حقٌ والحقُ يجبُ قبوله والدفاع عن القائل به.
وإن لم يكن حظٌ من النظر، اتصل بقائله وناقشه بأدبٍ فيقول: بلغني كذا وكذا فما وجه ذلك في شريف علمكم، أو نحو هذه العبارة.
ثم يأخذ في النقاش معه بأدب واحترام لقوله تعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: من الآية 125) إلا أن يكون معانداً ظالماً فيجادل بما يستحق، كما قال تعالى في مجادلة أهل الكتاب {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (العنكبوت: من الآية 46) وإذا تبين الحق بعد النقاش وجب على من تبين له ابتاعه والدفاع عمن قال به.فإن لم يتبين لكل واحد أن الحق مع صاحبه، فالله تعالى حسيب الجميع وهو تعالى عند قلب كل قائل وقوله، وليس قول كل واحد حجة على الآخر، فليذهب كل واحد إلى ما تبين له أنه الحق ولا يُشّنعُ على صاحبه أو يُبدّعهُ أو يُفسّقُه ما دامت المسألة تحت مجهر الاجتهاد.
نسأل الله التوفيق للصواب والعمل بما يرضيه، وأن يهب لنا من لدنه رحمة وحكمة إنه هو الوهاب، والحمد لله رب العالمين الذي بنعمة تتم الصالحات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 22/6/1417هـ.
رسالة في بيان الموقف الصحيح نحو العلماء:
سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
نسأل الله لكم التوفيق والسداد والعناية وأن يجزيكم على ما قدمتموه لهذا الدين خير الجزاء.
سماحة الشيخ، نحو إخوانكم في إندونيسيا نحبكم في الله ونتابع أخباركم وفتاواكم ونستفيد كثيراً من علومكم عن طريق كتبكم وأشرطتكم، وفي هذه المناسبة نستفتيكم فيما كتبه أحد الدعاة في إحدى مجلات إندونيسية المسماة بسلفي قال: أهل الرأي هم أهل الفكر الذي يستدلون بالقياس أكثر من استدلالهم بالقرآن والحديث وإمامهم أبو حنيفة النعمان بن ثابت. وقال: وأهم شيء في هذا المبحث هو في أي مسألة نهينا أخذ مفاهيم دينية منه أبو حنيفة، حتى لا نغتر بعده. روايات منقولة عنه ضل فيها هو وقال: بل أهل السنة يحترمون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل احترام لكن لا يمنعهم ذلك من انتقادهم بأسلوب علمي مؤدب فيما أخطأوا فيه من أجل أن لا يتبعوا ما أخطأوا ثم قال: في المسائل العقدية والفقهية كثيراً ما اعتمد أبو حنيفة على قياس وينقصه الاهتمام بالأدلة من السنة النبوية ثم قال: هناك روايات تؤكد على أن أبا حنيفة مرجئي والإرجاء مذهب بدعي مبني على الإيمان قول واعتقاد في القلب دون جعل العمل من ضمنه ثم نقل أقوال العلماء الذين تكلموا على أبى حنيفة بكلام شديد التي رواها الإمام اللالكائي مثل قول الثوري وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وشريك بن عبد الله وأقوال الأئمة الأخرى مثل ابن قتيبة وابن أبي شيبة ثم قال: لكن موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من مخالفة أبي حنيفة لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يختلف عن موقف الأوزاعي منها، حيث قال: ومن ظن بأبي حنيفة أو غيره من أئمة المسلمين أنهم يعتمدون مخالفة الحديث الصحيح لقياس أو غيره فقد أخطأ عليهم، وتكلم إما بظن وإما بهوى.(مجموع الفتاوى 20/304) ثم علق عليه وقال: موقف شيخ الإسلام المذكور أعلاه لولا أنه خالف آراء الأئمة السابقين مثل الأوزاعي وبان قتيبة وابن أبي شيبة وغيرهم لقبلناه واعتمدنا عليه في موقفنا نحو أخطاء أبي حنيفة في المسائل الفقهية، لكن عصر شيخ الإسلام بعيد عن أبي حنيفة، والأئمة الذين خالفهم أبو حنيفة عاصروه أو جاءوا بعده بفترة قصير فيكون موقفهم نحو أبي حنيفة أرجح من موقف ابن تيمية نحوه.
السؤال: ما الموقف الصحيح نحو الإمام أبي حنيفة؟ نرجو توجيهاتكم.
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الموقف الصحيح نحو الأئمة الذين لهم أتباع، يشهدون بعدالتهم، واستقامتهم، أن لا نتهجم عليهم، وأن نعتقد أن ما خالفوا فيه الصواب، صادر عن اجتهاد، والمجتهد من هذه الأمة لا يخلو من أجر، إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد، وخطؤه مغفور.
وأبو حنيفة ـ رحمه الله ـ كغيره من الأئمة له أخطأ وله إصابات، ولا أحد معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما قال الإمام مالك: كان يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
والواجب الكف عن أئمة المسلمين، لكن القول إذا كان خطأ، فيذكر القول دون أن يتعرض أحد لقائله بسبب، يذكر القول إذا كان خطأ ويرد عليه، هذا هو الطريق السليم. حرر في 12/2/1420هـ.


يتبع
رد مع اقتباس