تسجيل دخول

منتدى الشـريعة والحيــاة منتدى مخصص للمواضيع الاسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #51  
قديم 09-22-2013, 06:01 AM
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: اليمن
المشاركات: 500
افتراضي رد: ألفاظ قرآنية

ألفاظ (الفقر) في القرآن الكريم




في القرآن الكريم مصطلحات تفيد معنى الحاجة والفاقة والفقر، وهي وإن كانت مصطلحات مترادفة، لها دلالة مشتركة، بيد أنها تحمل في تضاعيفها بعض الفروق الدلالية؛ نحاول فيما يلي أن نعرِّج عليها، من خلال تسليط الضوء على المصطلحات الأربعة التالية: الخصاصة، العيلة، الفقر، الإملاق.

الخصاصة

ورد هذا المصطلح في القرآن الكريم في آية واحدة، وهي قوله تعالى في سياق مدح الأنصار، وموقفهم من المهاجرين: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} (الحشر:9) والأصل اللغوي للخصاصة هو: الفُرجة بين الأصابع؛ والخصاصة وخَصَاص البيت: هي الفروج التي تكون فيه، والخصاصة: الخلل والثقب الصغير؛ ثم أطلقت الخَصَاصة على الفقر، والحاجة إلى الشيء، وسوء الحال، والخَلَّة؛ وذوو الخصاصة: ذوو الخلة والفقر.

وفي حديث فضالة رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم: (كان إذا صلى بأناس يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة) رواه الترمذي أي: يخرون على الأرض من الجوع، وسوء الحال.

ومن هذه المادة قولهم: رجعت الإبل وبها خصاصة، إذا لم تروَ من الماء؛ وقولهم كذلك للرجل إذا لم يشبع من الطعام.

العَيْلَة

ورد هذا المصطلح في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع، الأول: عند ذكره سبحانه الاقتصار على زوجة واحدة حال الخوف من عدم العدل بين الزوجات، والقيام بحقوقهن، قال تعالى: {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا} (النساء:3) والثاني: قوله تعالى في سياق خطاب المؤمنين: {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله} (التوبة:28) والموضع الثالث: قوله سبحانه مخاطبًا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم: {ووجدك عائلاً فأغنى} (الضحى:8) .

والعَيْلَة - بالفتح - والعالة: الفقر والفاقة؛ يقال: عال الرجل يعيل، إذا افتقر؛ وقرأ علقمة وغيره: (عائلة) وحكى الطبري أنه يقال: عال يعول، إذا افتقر؛ وعيال الرجل: من يعولهم، وواحد العيال: عَيْل، والجمع عيائل؛ وأعال الرجل: كثرت عياله، فهو مَعِيل، والمرأة معيلة، أي: صارا ذا عيال؛ وفي الحديث، قوله صلى الله عليه وسلم: (أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس) متفق عليه، أي: فقراء يسألون الناس .

الفقر

قال أهل اللغة حول هذه المادة: الفاء والقاف والراء أصل صحيح، يدل على انفراج في شيء، من عضو أو غيره؛ من ذلك: الفَقَار للظهر، الواحدة فَقَارة، سميت للحُزُوز والفصول التي بينها؛ قالوا: ومنه اشتق الفقير, وكأنه مكسور فَقَار الظهر، من ذلته وفاقته؛ ومن المادة قولهم: فَقَرتهم الفاقِرة: وهي الداهية، كأنها كاسرة لِفَقَار الظهر، قال تعالى: {تظن أن يفعل بها فاقرة} (القيامة:25) وسد الله مَفَاقِره: أي أغناه، وسدَّ وجوه فقره وحاجته.

الإملاق

الإملاق في اللغة: الافتقار، يقال: أملق الرجل فهو مُمْلِق؛ وأصل الإملاق الإنفاق، يقال: أملق ما معه إملاقًا، ومَلَقَه ملقًا: إذا أخرجه من يده، ولم يحبسه، والفقر تابع لذلك، فاستعملوا لفظ السبب في موضع المسَبَّب، حتى صار به أشهر؛ وفي حديث عائشة رضي الله عنها، في وصف أبيها رضي الله عنه: (ويريش مملقها) رواه الطبراني، أي: يغني فقيرها؛ والإملاق: كثرة إنفاق المال وتبذيره، حتى يورث حاجة؛ وفي الحديث أن امرأة سألت ابن عباس رضي الله عنهما، قالت: أأنفق من مالي ما شئتُ؟ فقال: نعم، أملقي من مالك ما شئتِ؛ وقوله تعالى: {خشية إملاق} (الإسراء:31) أي: خشية الفقر والحاجة.

ومن معاني الإملاق: الإسراف، يقال أملق الرجل، أي: أسرف في نفسه؛ ومن معانيه الإفساد: يقال: أملق ما عنده الدهرُ، أي: أفسده؛ وقال قتادة: الإملاق: الفاقة؛ وهذا المعنى الأخير هو الذي عليه أئمة اللغة والتفسير، في معنى قوله تعالى: {من إملاق} (الأنعام:151) وقوله سبحانه: {خشية إملاق}.

على أنه من المفيد -علاوة على ما تقدم- أن نشير إلى أن من المصطلحات القرآنية الوثيقة الصلة بهذه المصطلحات، المصطلحات التالية: المسغبة، المخمصة، المسكنة.

وعلى ضوء ما سبق، يظهر لنا دلالة هذه المصطلحات الأربعة، وأنها تدل بشكل أساس على معنى الحاجة والفقر والفاقة، وإن كان بينها ثمة فروق لغوية. والله ولي التوفيق والتسديد، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
رد مع اقتباس
  #52  
قديم 09-22-2013, 06:02 AM
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: اليمن
المشاركات: 500
افتراضي رد: ألفاظ قرآنية

لفظ (السوء) في القرآن الكريم











متابعة لمقال تقدم حول الألفاظ المتعددة المعاني في القرآن، نقف في هذا المقال عند لفظ (السوء) لنرى المعاني المتعددة والمختلفة التي يفيدها هذا اللفظ، باختلاف ضبط حركة السين فيه، ووفق اختلاف السياق الذي سِيق فيه .

في القواميس اللغوية نقرأ حول هذه المادة ما يلي:

(السَّوء) بفتح السين: مصدر ساءَه يسوُءه سَوْءًا، فعل به ما يكره، وهو نقيض سرَّه، فهو مصدر، وغلب عليه أن يضاف إليه ما يراد ذمُّه، تقول: هذا رجل سَوْء، وهذه امرأة سَوْء، ونحو هذا؛ ويقال: ساء ما فعل فلان صنيعًا، يسوء: أي قبح صنيعه صنعًا، وفي التنـزيل: {ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآيتنا} (الأعراف:177).

و(السُّوء) بضم السين: الاسم من السَّوء، جرى مجرى الشر، وكلاهما في الأصل مصدر؛ فتقول من السُّوء: استاء فلان في الصنيع، كما تقول في الغم: اغتم.

وهذا اللفظ في القرآن الكريم ورد بمعان عدة، نستعرض بعضًا منها فيما يلي:

و(السُّوء) بالضم: بمعنى الشدة، ومنه قوله تعالى: {يسومونكم سوء العذاب} (البقرة:49).

و(السُّوء) بالضم: بمعنى العَقْر - وهو الجرح للبعير - ومنه قوله تعالى في قصة ناقة صالح عليه السلام: {ولا تمسوها بسوء} (هود:64).

و(السُّوء) بالضم أيضًا: يطلق على البرص، وعليه قوله تعالى: {تخرج بيضاء من غير سوء} (طه:22).

و(السُّوء) بالضم: الشر، قال تعالى: {ما كنا نعمل من سوء} (النحل:28).

و(السُّوء) بالضم: الشتم والكلام القبيح، ومنه قوله تعالى: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول} (النساء:148).

و(السُّوء) بالضم: الذنب، وعليه قوله تعالى: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب} (النساء:17).

و(السُّوء) بالضم: الضر، ومنه قوله تعالى: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء} (النمل:62).

و(السُّوء) بالضم: القتل والهزيمة، وبه فُسِّر قوله تعالى: {لم يمسسهم سوء} (آل عمران:174).

و(السُّوء) بالضم: بمعنى بئس، قال تعالى في حق الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، ويفسدون في الأرض، قال: {ولهم سوء الدار} (الرعد:25).

و(السَّوء) بالفتح: الزنا، ومنه قوله تعالى، مخاطبًا مريم عليها السلام: {ما كان أبوك امرأ سوء} (مريم:28)، ولا يصح بحال ضم السين في الآية، ولا في قوله تعالى: {وظننتم ظن السوء} (الفتح:12)؛ لأن (السُّوء) لا يضاف إلى الرجل، ولا إلى الظن، وإنما يضاف إلى الأفعال، فتقول: عَمِل عَمَل سُوء.

و(السُّوأى) في قوله تعالى: {ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى} (الروم:10) تأنيث الأسوأ، خلاف الحسنى؛ أو مصدر، كالبشرى، وهي في الآية بمعنى جهنم، أعاذنا الله منها.

و(السوأة): العورة والفاحشة، قال تعالى: {بدت لهما سوآتهما} (الأعراف:22) قال ابن الأثير: السوأة في الأصل الفرج، ثم نُقل إلى كل ما يُستحيا منه إذا ظهر وبدا، من قول وفعل.

وقال الفراء في سورة براءة عند قوله تعالى: {عليهم دائرة السوء} (التوبة: 98) قال: قرأ القُراء بنصب السين {السوء} والمراد بالسوء المصدر، من سُؤْته سَوْءًا، ومساءَة؛ فهذه مصادر؛ قال: ومن قرأ بضم السين {السوء} جعله اسمًا، كقولك: عليهم دائرة البلاء والعذاب، والمعنى هنا: عليهم الهزيمة والشر.

وكما نلاحظ، فإن المعاني المتعددة والمتنوعة للفظ (السوء) تفيد معنى الشر والأذى، والسياق هو الذي يحدد نوعًا خاصًا ومعينًا من أنواع الأذى والشر. فكن على بينة من هذا، ففي ذلك عون لك على فهم كتاب الله، وبه تعرف - فوق ذلك - وجهًا من وجوه اختلاف القراءات القرآنية.
رد مع اقتباس
  #53  
قديم 09-22-2013, 06:03 AM
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: اليمن
المشاركات: 500
افتراضي رد: ألفاظ قرآنية

لفظ (التوبة) في القرآن

لفظ (التوبة) من الألفاظ المركزية في القرآن الكريم، بل ثمة سورة برأسها تسمى سورة التوبة؛ وما ذلك إلا لأن التوبة باب عظيم من أبواب الرجوع إلى الله، وهي طريق لتصحيح العبد مساره في هذه الحياة، ولضبط توجيهه نحو خالقه وبارئه، فالحياة محفوفة بالشهوات ومليئة بالمغريات، ومن يَسْلَم من الذنوب في هذه الحياة؟ فما هي الدلالة اللغوية للفظ (التوبة)، وما هي المعاني التي ورد عليها في القرآن؟ هذا بيان ذلك:

يدل لفظ (التوبة) لغةعلى الرجوع، يقال: تاب من ذنبه، أي: رجع عنه، ويتوب إلى الله توبة ومتاباً، فهو تائب. والتوب: التوبة. قال الله تعالى: {وقابل التوب} (غافر:3)، أي: التوبة. ويقال: (التائب) لباذل التوبة، ولقابل التوبة، فالعبد تائب إلى الله، والله تائب على عبده. و(التواب) العبد الكثير التوبة، وذلك بتركه كل وقت بعض الذنوب على الترتيب حتى يصير تاركاً لجميعه، وقد يقال ذلك لله تعالى لكثرة قبوله توبة العباد.

والتوبة في الشرع: ترك العبد الذنبَ لقبحه، والندمُ على ما فرط منه، والعزيمة على ترك المعاودة، وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالأعمال بالإعادة، فمتى اجتمعت هذه الأربع فقد كملت شرائط التوبة.

وقد ورد لفظ (التوبة) في القرآن الكريم في سبعة وثمانين موضعاً، جاء في ثلاثة وستين منها بصيغة الفعل، من ذلك قوله عز وجل: {وتوبوا إلى الله جميعا} (النور:31)، وجاء في أربعة وعشرين موضعاً بصيغة الاسم، من ذلك قوله سبحانه: {إنما التوبة على الله} (النساء:17).

و(التوبة) في القرآن الكريم جاءت على معان، نذكر منها:

الأول: بمعنى الرجوع، والإنابة. من ذلك قوله تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم} (التوبة:117)، أي: رزقهم جل ثناؤه الإنابة والرجوع إلى الثبات على دينه، وإبصار الحق الذي كاد يلتبس عليهم. ونحو هذا قوله عز وجل: {ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات} (الأحزاب:73)، أي: يرجع بهم إلى طاعته وأداء الأمانات التي ألزمهم إياها حتى يؤدوها. ونحوه أيضاً قوله عز وجل: {إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا} (البقرة:160)، أي: رجعوا عما كانوا فيه، وأصلحوا أعمالهم وأحوالهم، وبينوا للناس ما كانوا كتموه. وأكثر ما جاء لفظ (التوبة) في القرآن الكريم على هذا المعنى. والتوبة بحسب هذا المعنى غالباً ما تتعدى بحرف الجر (إلى)، قال تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا} (النور:31)، وقال سبحانه: {إني تبت إليك} (الأحقاف:15).

الثاني: بمعنى التجاوز والعفو. من ذلك قوله عز وجل: {فتاب عليكم} (البقرة:187)، أي: عفا سبحانه عن ذنوبكم، وعظيم ما ارتكبتم، وصفح عن جُرْمكم. ومن هذا القبيل قول الباري سبحانه: {وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم} (المائدة:71)، أي: تجاوز عما كانوا فيه من المعاصي. وعلى هذا المعنى أيضاً قوله تعالى: {فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم} (المجادلة:13)، قال البغوي: تجاوز عنكم، ولم يعاقبكم بترك الصدقة. و(التوبة) بحسب هذا المعنى غالباً ما تتعدى بحرف الجر (على). وهي وفق هذا المعنى جاءت كثيرة في القرآن الكريم أيضاً.

الثالث: بمعنى الإيمان. من ذلك قوله سبحانه: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك} (هود:112)، قال البغوي: أي: استقم على دين ربك، والعمل به، والدعاء إليه كما أمرت، وأُمر من آمن معك بأن يستقيموا على الحق، الذي أُمرت به.

الرابع: بمعنى التخفيف والرخصة والإباحة. من ذلك قوله تبارك وتعالى: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم} (البقرة:187)، قال القرطبي: يحتمل معنيين: أحدهما: قبول التوبة من خيانتهم لأنفسهم. والآخر: التخفيف عنهم بالرخصة والإباحة. ومن هذا القبيل قوله عز وجل: {علم أن لن تحصوه فتاب عليكم} (المزمل:20)، قال البغوي: فعاد عليكم بالعفو والتخفيف. ويدخل في هذا المعنى قوله سبحانه: {أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم} (المجادلة:13)، قال ابن كثير: فوسع الله عليهم، ولم يضيق. ومنه أيضاً قوله سبحانه في كفارة القتل خطأً: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله} (النساء:92)، قال الطبري: يعني: تجاوزاً من الله لكم إلى التيسير عليكم، بتخفيفه عنكم ما خفف عنكم من فرض تحرير الرقبة المؤمنة إذا أعسرتم بها، بإيجابه عليكم صوم شهرين متتابعين.

الخامس: بمعنى التوفيق للدخول في الإسلام، وعليه قوله تعالى: {ويتوب الله على من يشاء} (التوبة:15)، قال الطبري: أي: يوفق سبحانه من يشاء من المحاربين لدينه للدخول في الإسلام، ويزينه في قلوبهم ويكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، والآية جاءت في سياق قوله عز وجل: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين} (التوبة:14).

السادس: التوبة بمعنى الرحمة. جاء على هذا المعنى قوله عز وجل: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم} (آل عمران:128)، أي: ليس لك من الحكم شيء في عبادي، إلا ما أمرتك به فيهم، أو أتوب عليهم برحمتي، فإن شئت فعلت، أو أعذبهم بذنوبهم.

السابع: التوبة بمعنى قبول التوبة، جاء على هذا المعنى قوله سبحانه: {ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا} (الفرقان:71)، أي: فإن الله يقبل توبته. هذا ما ذكره ابن كثير في هذه الآية. وقال البغوي: المعنى: يعود إليَّ بعد الموت، فالتوبة الأولى، وهو قوله: {ومن تاب} رجوع عن الشرك، والثاني رجوع إلى الله للجزاء والمكافأة.

وحاصل القول: إن لفظ (التوبة) جاء في القرآن الكريم على عدة معان، وأكثر ما جاء بمعنى (الرجوع)، و(الإنابة)، وهو الأصل في معناه اللغوي، وجاء بدرجة أقل بمعنى (التجاوز)، و(العفو)، وجاء على قلة بمعنى (الرخصة)، و(التخفيف)، وورد أيضاً بمعان فرعية، سبق الإشارة إليها.
رد مع اقتباس
  #54  
قديم 09-22-2013, 06:03 AM
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: اليمن
المشاركات: 500
افتراضي رد: ألفاظ قرآنية

لفظ (الخوف) في القرآن الكريم

(الخوف) حالة نفسية وجسدية تنتاب الإنسان عند توقع مكروه لدليل مظنون، أو معلوم، ويضاده الأمن، ويستعمل في الأمور الدنيوية والأخروية.

و(الخوف) من الله أجلُّ منازل العابدين، وكل واحد إذا خفته هربت منه إلا الله، فإنك إذا خفته هربت إليه. و(الخوف) من الله لا يراد به ما يخطر بالبال من الرعب، كاستشعار الخوف من الأسد ونحوه، بل إنما يراد به الكف عن المعاصي واختيار الطاعات؛ ولذلك قيل: لا يُعَدُّ خائفاً من لم يكن للذنوب تاركاً. والخوف المحمود الصادق: ما حال بين صاحبه ومحارم الله، فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط.

ولفظ (الخوف) تردد في القرآن الكريم بكثرة، ونحاول فيما يلي التعرف على دلالته في القرآن، ونستبين المعاني التي ورد عليها، بادئين ببيان معناه اللغوي.

(الخوف) من حيث الأصل اللغوي يدل على الذعر والفزع؛ يقال: خفت الشيء خوفاً، وخيفة، ومخافة: إذا توقع حلول مكروه، أو فوت محبوب. ويقال: خافه على كذا، وخاف منه، وخاف عليه، فهو خائف. ويقال: تخوَّف الشيء: تنقَّصَه. وتخوَّف فلاناً حقه: تنقَّصَه حقه.

ولفظ (الخوف) ورد في القرآن الكريم في أربعة وعشرين ومائة موضع (124)، جاء في سبعة وثمانين منها (87) بصيغة الفعل، من ذلك قوله عز وجل: {إني أخاف الله رب العالمين} (المائدة:28)، وجاء في سبعة وثلاثين موضعاً (37) بصيغة الاسم، من ذلك قوله تعالى: {فمن تبع هداي فلا خوف عليهم} (البقرة:38).

وقُرِنَ (الخوف) في مواضع كثيرة في القرآن بـ (لا) الناهية، وبـ (لا) النافية، فمثال الأول قوله عز وجل: {لا تخف نجوت من القوم الظالمين} (القصص:25)، ومثال الثاني قوله سبحانه: {فلا يخاف ظلما ولا هضما} (طه:112).

ولفظ (الخوف) ورد في القرآن الكريم على سبعة معان:

الأول: بمعنى الخوف من العدو، ومنه قوله تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف} (البقرة:155)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني خوف العدو. نظيره قوله تبارك وتعالى: {الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} (قريش:4)، قال مجاهد: آمنهم من كل عدو في حرمهم.

الثاني: بمعنى الحرب والقتال، ومنه قوله سبحانه: {فإذا جاء الخوف} (الأحزاب:19)، أي: إذا حضر البأس، وجاء القتال خافوا الهلاك والقتل. نظيره في الآية نفسها قوله تعالى: {فإذا ذهب الخوف} (الأحزاب:19)، أي: إذا انقطعت الحرب واطمأنوا، سلطوا ألسنتهم عليكم. قال ابن عاشور: ولا يُعرف إطلاق (الخوف) على (الحرب) قبل القرآن.

الثالث: بمعنى القتل والهزيمة، ومنه قوله عز وجل: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف} (النساء:83)، ذكر البغوي أن {الخوف} في هذه الآية بمعنى: القتل أو الهزيمة. وقال الطبري: تخوفهم من عدوهم بإصابة عدوهم منهم.

الرابع: بمعنى العلم والدراية، وهذا كثير، منه قوله عز وجل: {فمن خاف من موص جنفا أو إثما} (البقرة:182)، قال البغوي: أي: عَلِمَ من موص. ومثله قوله تعالى: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا} (النساء:128)، قال الطبري: علمت من زوجها استعلاء بنفسه عنها إلى غيرها.

الخامس: بمعنى الظن، ومنه قوله عز وجل: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} (البقرة:229)، أي: يظنا. وفي قراءة أبي بن كعب رضي الله عنه: (إلا أن يظنا ألا يقيما حدود الله). نظيره قوله سبحانه: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله} (البقرة:229)، أي: ظننتم. قال الطبري: "العرب قد تضع (الظن) موضع (الخوف)، و(الخوف) موضع (الظن) في كلامها؛ لتقارب معنييهما.

السادس: بمعنى الخوف نفسه، ومنه قوله تعالى: {ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (آل عمران:170)، قال الطبري : لا خوف عليهم؛ لأنهم قد أمنوا عقاب الله، وأيقنوا برضاه عنهم، فقد أمنوا الخوف الذي كانوا يخافونه من ذلك في الدنيا. نظيره قوله عز وجل: {ألا تخافوا ولا تحزنوا} (فصلت:30)، أي: لا تخافوا ما تقدمون عليه من بعد مماتكم، قال السدي: لا تخافوا ما أمامكم، ولا تحزنوا على ما بعدكم. وقال مجاهد: لا تخافوا ما تقدمون عليه من أمر الآخرة، ولا تحزنوا على ما خلَّفتم من دنياكم من أهل وولد؛ فإنا نخلفكم في ذلك كله. والأمثلة القرآنية بحسب هذا المعنى كثيرة.

السابع: بمعنى النقص، ومنه قوله سبحانه: {أو يأخذهم على تخوف} (النحل:47)، قال مجاهد: على تنقص، أي: ينقص من أطرافهم ونواحيهم الشيء بعد الشيء، حتى يهلك جميعهم، يقال: تخوفه الدهر وتخونه: إذا نقصه، وأخذ ماله وحشمه. ويقال: هذا لغة بني هزيل. وفي الآية معنى آخر ذكره ابن كثير، وهو أن يأخذهم الله في حال خوفهم من أَخْذِه لهم، فإنه يكون أبلغ وأشد حالة الأخذ؛ فإن حصول ما يُتوقع مع الخوف شديد. ولم يأت (الخوف) في القرآن بحسب هذا المعنى إلا في الآية التي ذكرناها.

وحاصل القول: إن لفظ (الخوف) جاء في القرآن الكريم على عدة معان، أهمها معنى (الحرب)، و(العدو)، و(العلم)، و(الظن)، وأكثر ما جاء بمعنى (الخوف) نفسه، وهو الحالة النفسية التي تنتاب الإنسان جراء توقع ما يَرِدُ من المكروه، أو يفوت من المحبوب.
رد مع اقتباس
  #55  
قديم 09-22-2013, 06:04 AM
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: اليمن
المشاركات: 500
افتراضي رد: ألفاظ قرآنية

لفظ (البر) في القرآن الكريم

ثمة ألفاظ في القرآن الكريم إذا طرقت سمعك فتحت لك آفاقاً واسعة من المعاني، وأفاضت عليك كثيراً من الدلالات، من ذلك لفظ (البر)، فما حقيقة هذا اللفظ لغة، وما هي الدلالات التي جاء عليها في القرآن الكريم؟ :

ذكر ابن فارس في "مقاييسه" أن مادة (برَّ) بتشديد الراء تفيد أربعة أصول:

الأول: الصدق. يقال: برَّ فلان، إذا صَدَق بقوله، أو بما وعد به. وبرَّت يمينه: صدقت. وأبرَّ بيمينه: أمضاها على الصدق. وتقول: برَّ الله حجك وأبره، وحجة مبرورة: قُبِلَت قَبول العمل الصادق. ومن ذلك قولهم: يَبَرُّ ربه، أي: يطيعه. وهو من الصدق. ومن هذا الباب قولهم: هو يَبَرُّ ذا قرابته، وأصله الصدق في المحبة. ويقال: رجل بِرٍّ وبار: رجل صِدْق. وأبرَّ الرجل: رُزق بأولاد أبرار. الجواد (المُبِرُّ) هو من هذا؛ لأنه إذا جرى صدق، وإذا حمل صدق.

الثاني: خلاف البحر. يقال: أبرَّ الرجل: صار في البَرِّ، بعد أن كان راكباً في البحر. والعرب تستعمل ذلك نكرة، يقولون سافرت بَرًّا، وسافرت بحراً. والبرَّية: الصحراء. واعتبر الأصفهاني أن (البِرَّ) بكسر الباء مأخوذ من هذا الأصل بجامع التوسع، فبعد أن ذكر أن (البَرَّ) بفتح الباء خلاف البحر، قال: "تُصُوِّر منه التوسع، فاشتق منه البِرُّ، أي: التوسع في فعل الخير".

الثالث: حكاية صوت. وهو البربرة: كثرة الكلام، والجلبة باللسان. ويقال: لا يَعْرِف هِرًّا من بِرٍّ. (الهِرُّ) دعاء الغنم، و(البِرُّ) الصوت بها إذا سيقت. يقال لمن لا يَعْرِف من يكرهه ممن يَبَرُّه.

الرابع: اسم نبات. منه البُرُّ: وهي الحنطة، الواحدة: بُرَّة. يقال: أبرت الأرض: إذا كثر بُرُّها. ويقال للخبز: ابن بُرَّةُ، غير مصروف.

ولفظ (البر) ورد في القرآن الكريم في اثنين وثلاثين موضعاً، جاء في ثلاثين منها بصيغة الاسم، من ذلك قوله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} (البقرة:44)، وجاء في موضعين فقط بصيغة الفعل، الأول: قوله عز وجل: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا} (البقرة:224). والثاني: قوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم} (الممتحنة:8).

ولفظ (البر) ورد في القرآن الكريم على عدة معان، هي:

الأول: البَرُّ -بفتح الباء- خلاف البحر، جاء على هذا المعنى في عدة مواضع من ذلك قوله تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر} (القصص:41). وقوله عز وجل: {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} (المائدة:96). وأكثر ما جاء لفظ {البر} على هذا المعنى في القرآن الكريم.

الثاني: البَرُّ -بفتح الباء- اسم من أسماء الله، بمعنى اللطيف، جاء على هذا المعنى قوله تعالى: {إنه هو البر الرحيم} (الطور:28)، يعني: اللطيف بعباده. روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله: {إنه هو البر}، يقول: اللطيف. وليس غيره في القرآن الكريم على هذا المعنى.

الثالث: البَرُّ -بفتح الباء- الصدق في فعل ما أمر الله، وترك ما نهى عنه، من ذلك قوله تعالى: {إن كتاب الأبرار لفي عليين} (المطففين:18)، {الأبرار} جمع بَرٍّ: وهم الذين صدقوا الله بأداء فرائضه، واجتناب محارمه. نظيره قوله تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم} (الانفطار:13)، أي: إن الذين صدقوا بأداء فرائض الله، واجتناب معاصيه لفي نعيم الجنان، ينعمون فيها. ومنه أيضاً قوله عز وجل: {إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا} (الإنسان:5)، يعني: المؤمنين الصادقين في إيمانهم، المطيعين لربهم.

الرابع: البِرُّ -بكسر الباء- بمعنى طاعة الله سبحانه وتعالى، من ذلك قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} (المائدة:2)، أي: تعاونوا على طاعة الله، وفعل ما يُرضيه. وعلى هذا المعنى أيضاً قوله عز وجل: {إن الأبرار لفي نعيم} (الانفطار:13)، أي: إن أهل طاعة الله في مقام النعيم. وقوله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} (البقرة:44) مراد به هذا المعنى كما ذكر الطبري وغيره. ومن هذا القبيل أيضاً قوله عز وجل في وصف الملائكة: {كرام بررة} (عبس:16)، أي: مطيعين، جمع بار.

الخامس: البِرُّ -بكسر الباء- بمعنى الجنة، من ذلك قوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} (البقرة:92)، روى وكيع في "تفسيره" عن عمرو بن ميمون، قال: {البر} الجنة. قال الطبري: "قال كثير من أهل التأويل: (البر) الجنة؛ لأن بِرَّ الله بعبده في الآخرة، إكرامه إياه بإدخاله الجنة". ونقل البغوي أقوالاً أُخر في معنى {البر} في الآية، والمعتمد ما ذكره الطبري؛ لأنه هو المروي عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما.

السادس: البِرُّ -بكسر الباء- بمعنى فعل الخير، من ذلك قوله عز وجل: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} (البقرة:177)، قال البغوي: "{البر} كل عمل خير يفضي بصاحبه إلى الجنة". وبحسب هذا المعنى قوله سبحانه: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس} (البقرة:224)، قال الطبري: عنى به فعل الخير كله؛ وذلك أن أفعال الخير كلها من (البر)، قال هذا تعقيباً على من حمل (البر) هنا على معنى صلة الرحم.

السابع: البِرُّ -بكسر الباء- بمعنى الإحسان إلى الغير، من ذلك قوله عز وجل: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم} (الممتحنة:8)، قال ابن كثير: أي: تحسنوا إليهم. وعلى هذا قوله تعالى في وصف النبي يحيى عليه السلام: {وبرا بوالديه} (مريم:14)، أي: باراً لطيفاً بهما، محسناً إليهما. وبعضهم فسر (البر) في الآية الأخيرة بمعنى (الطاعة)، أي: كان مطيعاً لوالديه، غير عاقٍّ بهما. وهذا القول لازم القول بالإحسان إليهما.

وحاصل الأمر: أن تتبع لفظ {البر} في القرآن الكريم يُظْهِرُ أن هذا اللفظ جاء في أكثر مواضعه القرآنية بمعنى (البَّر) الذي هو خلاف البحر، وهو معنى مادي بحت. وجاء بمعانٍ أُخر، منها: فعل الخير، اسم من أسماء الله تعالى، اسم للجَنَّة، طاعة الله، الإحسان للغير، الصدق بالالتزام بما شرع الله فعلاً ونهياً.
رد مع اقتباس
  #56  
قديم 09-22-2013, 06:05 AM
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: اليمن
المشاركات: 500
افتراضي رد: ألفاظ قرآنية

لفظ (العبرة) في القرآن

لفظ (العبرة) في القرآن الكريم -كغيره من الألفاظ القرآنية- يستحث الباحث على التأمل في دلالته اللغوية، ويستوقف الناظر لمعرفة أبعاده القرآنية، ويُعدُّ بامتياز من المصطلحات القرآنية ذات الدلالات الخاصة.

وقبل تفصيل القول في دلالة هذا اللفظ في موارده القرآنية، نستبق ذلك ببيان دلالته من الناحية اللغوية.

تفيد معاجم اللغة أن الأصل في مادة (عبر) الدلالة على النفوذ والمضيِّ في الشيء. يقال: عبرت النهر عبوراً: قطعته من شاطئ إلى شاطئ. وكذلك الطريق: قطعته من جانب إلى جانب. ويقال: عَبَر الكتاب: إذا تدبره في نفسه، ولم يرفع صوته بقراءته. وعَبِرَ عَبَراً: جرت دمعته. وعَبَّر عما في نفسه: أعرب وبيَّن بالكلام. واعتبر الشيء: اختبره وامتحنه. واعتبر به: اتعظ. ويقال: استعبر فلان: إذا جرت عَبْرته. ومن الباب العَبْرَة: وهي الدمع؛ لأن الدمع يعبر، أي: ينفذ ويجري. ورجل عابر سبيل، أي: مار. ويقال: ناقة عَبْرُ أسفارٍ، أي: قوية على الأسفار. والعَبْر من النهر: شاطئه وجانبه. والعبرة: الاعتبار بما مضى.

ومن الباب: عَبَرَ الرؤيا عَبْراً: فسرها. ووجه القياس في هذا عبور النهر؛ لأنه يصير من جانب إلى جانب. كذلك مفسر الرؤيا يأخذ بها من وجه إلى وجه. و(الاعتبار) و(العبرة) مقيسان من عَبْري النهر -أي جانباه-؛ لأن كل واحد منهما عَبر مساو لصاحبه. فإذا قلت: اعتبرتُ الشيء، فكأنك نظرت إلى الشيء، فجعلت ما يعنيك عَبْرا لذاك، فتساويا عندك. فهذا أصل اشتقاق الاعتبار.

وواضح أن الأصل اللغوي لهذا اللفظ يدل على الانتقال من جهة إلى أخرى، إما انتقالاً ماديًّا، وإما انتقالاً معنويًّا. فما هي دلالته في القرآن الكريم؟

بتتبع مواضع لفظ (عبر) وما اشتق منه في القرآن الكريم نجد أنه جاء في تسعة مواضع، موضعين منها بصيغة الفعل، أحدهما: قوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام ورؤيا ملك مصر: {إن كنتم للرؤيا تعبرون} (يوسف:43). والثاني: قوله سبحانه: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} (الحشر:2). وجاء في سبعة مواضع بصيغة الاسم، من ذلك قوله عز وجل: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب} (يوسف:111).

ولفظ (عبر) في القرآن الكريم بمشتقاته جاء على أربعة معان رئيسة:

المعنى الأول: بمعنى تعبير الرؤيا المنامية، وذلك في موضع واحد في القرآن، وهو قوله تعالى: {وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون} (يوسف:43)، فملك مصر يطلب من حاشيته أن يُعبِّروا له ما رأه في منامه، أي: أخبروني بحكم هذه الرؤيا.

المعنى الثاني: بمعنى العبور في الطريق، جاء ذلك في موضع واحد في القرآن، هو قوله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} (النساء:43). فـ (العابر السبيل) المجتازه مروراً. والمراد من الآية هنا نهي المؤمنين عن قربان المساجد حال الجنابة، لكن يجوز للجُنُب ومن في حكمه -كالحائض والنفساء- عبورها لقضاء حاجة، لا على سبيل المكث والإقامة.

المعنى الثالث: بمعنى الدليل، جاء ذلك في ثلاث آيات:

أولها: قوله عز وجل: {يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار} (النور:44)، أي: إن في إنزال المطر والبَرَد، وتقليب الليل والنهار لدليلاً على عظمته تعالى.

ثانيها: قوله سبحانه: {وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين} (النحل:66)، يقول سبحانه: إن لكم -أيها الناس- في هذه الأنعام التي سخرها لكم لآية ودلالة على قدرة خالقها، وحكمته، ولطفه، ورحمته.

ثالثها: قوله تعالى: {وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون} (المؤمنون:21)، أي: وإن لكم -أيها الناس- في الأنعام لعبرة تعتبرون بها، فتعرفون بها أيادي الله عندكم، وقدرته على ما يشاء، وأنه الذي لا يمتنع عليه شيء أراده، ولا يعجزه شيء شاءه.

وهذه الآيات الثلاث بمعنى قوله عز وجل: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} (آل عمران:190).

المعنى الرابع: بمعنى الاعتبار والاتعاظ، وهو المعنى الأكثر حضوراً في القرآن، جاء ذلك في أربع آيات:

الأولى: قوله تعالى: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار} (الحشر:2). أي: انظروا -يا معشر أولي العقول والأفهام- إلى من فعل ما فعل، فعوقب بما عوقب به، فتجنبوا مثل صنيعهم؛ لئلا ينـزل بكم من البلاء مثل ما نزل بأولئك.

الثانية: قوله سبحانه: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار} (آل عمران:13)، المعنى كما قال ابن كثير: إن في ذلك لَمُعْتَبَرًا لمن له بصيرة وفَهْم، يهتدي به إلى حكم الله وأفعاله، وقدره الجاري بنصر عباده المؤمنين في هذه الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد.

الثالثة: قوله عز وجل: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} (يوسف:111)، أي: لقد كان في خبر المرسلين مع قومهم، وكيف أنجينا المؤمنين، وأهلكنا الكافرين عبرة لأولي العقول السليمة يعتبرون بها، وموعظة يتعظون بها.

الرابعة: قوله تعالى: {إن في ذلك لعبرة لمن يخشى} (النازعات:26)، أي: إن في العقوبة التي عاقب الله بها فرعون في عاجل الدنيا، وفي أخذه إياه نكال الآخرة والأولى، عظة ومُعْتَبَرًا لمن يخاف الله، ويخشى عقابه.

والحاصل، أن لفظ (عبر) بمشتقاته ورد في القرآن الكريم على معنىً رئيس، هو معنى (الاعتبار) و(الاتعاظ) بما حصل للأقوام السابقة. وجاء بنحو أقل بمعنى (الدليل) على عظمة الله سبحانه وقدرته. وأقل ما جاء بمعنى تعبير (الرؤيا) المنامية، ومعنى (العبور) المادي. وكل هذه المعاني تشترك في أصل الدلالة اللغوية لهذا اللفظ، وهو معنى المضيِّ في الشيء، والانتقال منه إلى غيره، انتقالاً ماديًّا أو معنويًّا.

ونختم الحديث عن لفظ (العبرة) بما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "التفكر والاعتبار" عن الشيخ أبي سليمان الداراني، قال: إني لأخرج من منـزلي، فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله علي فيه نعمة، أو لي فيه عبرة.
رد مع اقتباس
  #57  
قديم 09-22-2013, 06:06 AM
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: اليمن
المشاركات: 500
افتراضي رد: ألفاظ قرآنية

لفظ (الصدق) في القرآن


لفظ (الصدق) من الألفاظ المحورية في القرآن الكريم، وأصحاب الصدق من ذوي المرتب العالية بحسب القرآن الكريم القائل: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} (النساء:69). فـ(الصديقون): قوم دون الأنبياء في الفضيلة، ودرجتهم بعد درجة النبيين.

ولبيان المراد من لفظ (الصدق)، ولتبيين المعاني التي ورد عليها هذا اللفظ في القرآن الكريم، نخصص السطور التالية، بادئين بالمعنى اللغوي لمادة (صدق).

قال ابن فارس: الصاد، والدال، والقاف أصل يدل على قوة في الشيء، قولاً وغيره؛ من ذلك: الصدق خلاف الكذب، سمي لقوته في نفسه؛ ولأن الكذب لا قوة له هو باطل. وأصل هذا من قولهم: شيء صِدْق، أي: صُلب. ورمح صدق، أي: يصيب هدفه من غير أن يخطئه. ويقال: صدقوهم القتال، وفي خلاف ذلك: كذبوهم.

والصَّداق -بفتح الصاد وكسرها- والصَّدُقة: مهر المرأة؛ سمي بذلك لقوته، وأنه حق يلزم. ومن الباب الصدقة: ما يتصدق به المرء عن نفسه وماله. والمُصَدِّق: الذي يُصَدِّقُكَ في حديثك، والذي يأخذ صدقات الغنم. ويقال: هو رجل صِدْقٌ. والصداقة مشتقة من الصدق في المودة. ويقال: صديق للواحد، وللاثنين، وللجماعة، وللمرأة. وربما قالوا: أصدقاء، وأصادق. والصِّدِّيق: الرجل الكثير الصدق.

و(الصدق) في الاصطلاح: مطابقة القولَ الضميرَ والمُخْبَر عنه معاً. ومتى انخرم شرط من ذلك لا يكون صدقاً تاماً.

وقد ورد لفظ (الصدق) في القرآن الكريم في ثلاثة وخمسين ومائة (153) موضع، جاء في واحد وثلاثين (31) بصيغة الفعل، نحو قوله تعالى: {ولقد صدقكم الله وعده} (آل عمران:152). وجاء في اثنين وعشرين ومائة (122) موضع بصيغة الاسم، من ذلك قوله سبحانه: {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون} (الزمر:33). وأكثر ما ورد لفظ (الصدق) بصيغة جمع المذكر السالم المنصوب أو المجرور، حيث جاء في خمسين موضعاً (50)، من ذلك قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} (التوبة:119).

وأكثر ما ورد لفظ (الصدق) باشتقاقاته المختلفة وصفاً للمؤمنين، أو فعلاً من أفعال عباده الصالحين. وجاء من هذه المادة أيضاً بدرجة أقل بمعنى (الصدقة) و(التصدق) بمعنى بذل المال على سبيل الوجوب أو الندب، وورد أيضاً بنحو أقل من المعنيين المتقدمين (الصَّدُقات) بضم الدال، بمعنى مهر المرأة.

والحديث هنا ينصب بشكل رئيس على لفظ (الصدق) بالمعنى الأول، وهو المعنى الذي يفيد صدق القول والفعل. فـ (الصدق) بحسب هذا المراد جاء في القرآن على معان هي وفق التالي:

(الصادقون) بمعنى (النبيين)، و(الصدق) بمعنى (التبليغ)، جاء على هذا المعنى قوله عز وجل: {ليسأل الصادقين عن صدقهم} (الأحزاب:8)، أي: ليسأل الأنبياء عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم. روي عن مجاهد قال: المبلغين المؤدين من الرسل. وقال القرطبي: ليسأل الأنبياء عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم. وفي هذا تنبيه للعباد؛ أنه إذا كان الأنبياء يُسألون فكيف مَنْ سواهم.

(الصادقون) بمعنى الموحدين و(الصدق) بمعنى التوحيد، جاء على هذا المعنى قوله عز وجل: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} (المائدة:119)، قال ابن عباس: يوم ينفع الموحدين توحيدهم. ويُحمل على هذا المعنى أيضاً قوله تعالى: {والذي جاء بالصدق وصدق به} (الزمر:33)، قال الطبري: كل من دعا إلى توحيد الله، وتصديق رسله، والعمل بما ابتعث به رسوله من بين رسل الله وأتباعه والمؤمنين به، وأن يقال: الصدق هو القرآن، وشهادة أن لا إله إلا الله، والمصدق به: المؤمنون بالقرآن، من جميع خلق الله كائناً من كان من نبي الله وأتباعه.

(الصادقون) بمعنى الذين صدَّقت أقوالَهم أفعالُهم، جاء على هذا قوله سبحانه: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون} (الحشر:8)، قال ابن كثير: أي: هؤلاء الذين صدقوا قولهم بفعلهم، وهؤلاء هم سادات المهاجرين. وعلى هذا المعنى قوله عز وجل: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} (الحجرات:15).

(الصادقون) بمعنى لزوم الصدق، جاء على هذا قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} (التوبة:119)، قال ابن كثير: اصدقوا والزموا الصدق تكونوا مع أهله وتنجوا من المهالك ويجعل لكم فرجا من أموركم، ومخرجاً. وأكثر ما جاء لفظ (الصدق) في القرآن على هذا المعنى.

(الصادقون) بمعنى العباد المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، و(الصدق) بمعنى العهد، من ذلك قوله تعالى: {ليجزي الله الصادقين بصدقهم} (الأحزاب:24)، قال الطبري: ليثيب الله أهل الصدق بصدقهم الله بما عاهدوه عليه، ووفائهم له به. ومن هذا القبيل قوله عز وجل: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} (الأحزاب:23)، أي: حققوا العهد بما أظهروه من أفعالهم.

و(الصدق) يقال لما تجافى عنه الإنسان من حقه، جاء على هذا المعنى قوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له} (المائدة:45)، أي: من تجافى عنه وتنازل فهو كفارة له عن ذنوبه. وعلى هذا المعنى أيضاً قوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم} (البقرة:280)، فإنه أجرى ما يسامح به المعسر مجرى الصدقة.

وقد أمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق، فقال: {وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق} (الإسراء:80). وأخبر عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه سأله أن يجعل له {لسان صدق في الآخرين} (الشعراء:84). وبشر عباده أن لهم قدم صدق، فقال: {وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم} (يونس:2). وبشرهم أيضاً أنهم {في مقعد صدق عند مليك مقتدر} (القمر:55). فهذه خمسة أشياء: مُدخل الصدق، ومُخرج الصدق، ولسان الصدق، ومقعد الصدق، وقدم الصدق.

أما (مُدخل الصدق) و(مُخرجه) فقد تعددت الأقوال في المراد منهما، ورجح الطبري أن المراد: أدخلني (المدينة) {مدخل صدق}، وأخرجني من مكة {مخرج صدق}، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من التابعين.

وأما (لسان الصدق) فهو الثناء الحسن من سائر الأمم بالصدق ليس بالكذب. قال ابن كثير: أي: واجعل لي ذكراً جميلاً بعدي، أُذكر به، ويُقتدى بي في الخير.

و(قدم الصدق) ذكر الطبري في المراد منه أقوالاً، ورجح أن المراد أن لهم أعمالاً صالحة عند الله يستوجبون بها منه الثواب. قال: وذلك أنه محكي عن العرب: "هؤلاء أهل القدم في الإسلام"، أي: هؤلاء الذين قدموا فيه خيراً، فكان لهم فيه تقديم. ويقال: له عندي قدم صدق، وقدم سوء، وذلك ما قدم إليه من خير أو شر.

و(مقعد الصدق) هو الجنة عند ربهم تبارك وتعالى، قال ابن كثير : أي: في دار كرامة الله ورضوانه وفضله، وامتنانه وجوده وإحسانه.

نخلص مما تقدم، أن لفظ (الصدق) من الألفاظ المحورية التي تواتر ذكرها في القرآن الكريم باشتقاقات مختلفة وتصريفات متعددة، وقد ورد هذا اللفظ -في الأغلب- وصفاً للمؤمنين بالله حق الإيمان، مع الإشارة إلى أن ألفاظ (الصدقة)، و(التصدق)، و(المتصدقين)، ونحو ذلك من الألفاظ التي تدخل تحت لفظ (الصدق)، قد جاءت في مواضع عديدة من القرآن الكريم تفيد معنى البذل والعطاء.
رد مع اقتباس
  #58  
قديم 09-22-2013, 06:07 AM
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: اليمن
المشاركات: 500
افتراضي رد: ألفاظ قرآنية

لفظ (النجم) في القرآن

من الأجرام السماوية التي تكرر ذكرها في القرآن، وجعلها سبحانه آيات لخلقه، وعلامات يهتدي الناس بنورها، جِرم (النجم)، فما هي دلالات هذا اللفظ في القرآن؟

تقول معاجم العربية: أصل النجم: الكوكب الطالع، يجمع على: نجوم. ونَجَمَ نجوماً ونجماً: طلع، فصار النجم مرة اسماً، ومرة مصدراً. ومنه شبه به طلوع النبات، والرأي، فقيل: نجم النبت، ونجم لي رأي نجماً ونجوماً، بمعنى ظهر وبان. ونجم فلان على السلطان: صار عاصياً، ونجَّمت المال عليه: إذا وزعته، كأنك فرضت أن يدفع عند طلوع كل نجم نصيباً. وأشهر النجوم عند العرب بإطلاق نجم (الثريا)؛ لأنهم كانوا يؤقتون بأزمان طلوعها مواقيت الفصول، ونضج الثمار.

ولفظ (النجم) ورد في القرآن الكريم في ثلاثة عشر موضعاً فقط، ورد في جميع مواضعه بصيغة الاسم، ولم يرد بصيغة الفعل. وقد ورد في أربعة مواضع بصيغة اسم جنس جمعي، منها قوله تعالى: {وعلامات وبالنجم هم يهتدون} (النحل:16). وورد في تسعة مواضع في صيغة الجمع، منها قوله عز وجل: {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها} (الأنعام:97).

ولفظ (النجم) ورد في القرآن الكريم على ثلاثة معان:

المعنى الأول: الكوكب المعروف الذي يظهر في السماء، من هذا قوله تعالى: {والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره} (الأعراف:54)، فـ (النجوم) في الآية هي النجوم المعهودة للناس، وهي التي تزين السماء، وتهدي الناس في ظلمات البر والبحر. وأكثر مجيء هذا اللفظ في القرآن على هذا المعنى.

المعنى الثاني: نزول القرآن مفرقاً، جاء بحسب هذا المعنى قوله سبحانه: {والنجم إذا هوى} (النجم:1)، عن مجاهد، قال: القرآن إذا نزل. وقال الراغب الأصفهاني: القرآن المنزل المنجم قدَرَاً فقدَرَاً، ويعني بقوله: {هوى }: نزوله. وهذا على قول في تفسير الآية. وجاء على هذا أيضاً قوله عز وجل: {فلا أقسم بمواقع النجوم} (الواقعة:75)، روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: نزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم فرق في السنين بعدُ. وتلا ابن عباس رضي الله عنهما هذه الآية: {فلا أقسم بمواقع النجوم}، قال: نزل متفرقاً.

وروى الطبري أيضاً عن عكرمة، في قوله: {فلا أقسم بمواقع النجوم}، قال: أنزل الله القرآن نجوماً ثلاث آيات، وأربع آيات، وخمس آيات. وهذا أيضاً على قول في تفسير الآية.

المعنى الثالث: بمعنى النبت الذي لا ساق له، وبحسب هذا المعنى فُسِّر قوله تعالى: {والنجم والشجر يسجدان} (الرحمن:6)، قالوا: فـ (النجم): ما لا ساق له. و(الشجر): كل نبت له ساق. عنى بالنجم في هذا الموضع: ما نَجَم من الأرض، مما ينبسط عليها، ولم يكن على ساق، مثل البقل ونحوه. وقد روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله: {والنجم}، قال: ما يبسط على الأرض. وروي أيضاً عن سعيد، قال: النجم كل شيء ذهب مع الأرض فرشاً. وروي عن السدي، قال: النجم: نبات الأرض. وهذا على قول في تفسير الآية.

وقد رجح الطبري هذا القول، فقال: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: عني بـ (النجم): ما نَجم من الأرض من نبت؛ لعطف (الشجر) عليه، فكان بأن يكون معناه لذلك: ما قام على ساق، وما لا يقوم على ساق يسجدان لله، بمعنى: أنه تسجد له الأشياء كلها، المختلفة الهيئات من خلقه، أشبه وأولى بمعنى الكلام من غيره. وقد حمل بعضهم قوله تعالى: {والنجم إذا هوى} على هذا المعنى.

والحاصل مما تقدم: أن لفظ (النجم) ورد في القرآن الكريم بمعنى الجِرم السماوي المعهود، وفُسر في بعض مواضع وروده في القرآن بغير معناه الأصلي، ففُسر تارة بمعنى نزول القرآن على فترات ودفعات، وفُسر أخرى بمعنى النبات الذي لا ساق به. وهذان التفسيران للفظ (النجم) خُرج بهما عن أصل معنى هذا اللفظ؛ لما ثبت من الآثار وكلام العرب، ولما اقتضاه السياق القرآني نفسه.
رد مع اقتباس
  #59  
قديم 09-22-2013, 06:08 AM
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: اليمن
المشاركات: 500
افتراضي رد: ألفاظ قرآنية

لفظ (الأرض) في القرآن


(الأرض) وثيقة الصلة بالإنسان، فمنها خُلق، وعليها يحيا، ومنها يُبعث يوم القيامة. وقد اختارها سبحانه - من بين الكواكب العديدة والمديدة التي بثها في هذا الكون - ليعيش عليها الإنسان، ويبتلي الله عليها عباده من أحسن عملاً، ومن أضل سبيلاً.

ولفظ (الأرض) من حيث الدلالة اللغوية، يفيد ثلاثة أصول: الأول: كل شيء يسفل، ويقابل السماء، يقال لأعلى الفرس: سماء، ولقوائمه: أرض. الثاني: الزكمة، يقال: رجل مأروض، أي: مزكوم. الثالث: الرعدة، يقال: بفلان أَرَضٌ، أي: رعدة. ومما ألحق بهذه الأصول قولهم: أرض أريضة: حسنة النبات، زكية معجبة للعين. والأُِرضة، بكسر الهمزة وضمها: الكلأ الكثير. وأرضت الأرض: كثر كلؤها. والتأريض: تشذيب الكلام، وتهذيبه، والتثقيل، والإصلاح. ورجل أريض للخير، أي، خليق له، شبه بالأرض الأريضة. وجاء فلان يتأرض لي، مثل يتعرض لي. ويقال: فلان ابن أرض: إذا كان غريباً. والأَرَضة: دويبة بيضاء تشبه النملة.

ولفظ (الأرض) يجمع على (أرضون)، و(أرضات)، و(أروض). ولم يأت في القرآن الكريم بصيغة الجمع، بل جاء في جميع مواضعه مفرداً، قالوا: لثقل وزنه والنطق به، بخلاف لفظ (السماوات).

ولفظ (الأرض) في القرآن الكريم ورد في ثمانية وخمسين وأربع مائة موضع، جاء في جميع تلك المواضع بصيغة الاسم، نحو قوله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة} (البقرة:30)، وجاء في كثير من مواضعه مقروناً مع لفظ (السماوات)، نحو قوله تعالى: {إني أعلم غيب السماوات والأرض} (البقرة:33).

وقد ورد لفظ (الأرض) في القرآن الكريم على عدة معان، منها:

(الأرض) بمعنى (الجنة)، من ذلك قوله سبحانه: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} (الأنبياء:105)، روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله: {أن الأرض يرثها عبادي الصالحون}، قال: أرض الجنة. ونحو ذلك قوله تعالى: {وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض} (الزمر:74)، روى الطبري عن قتادة وغيره، قوله: {وأورثنا الأرض}، قال: أرض الجنة.

(الأرض) بمعنى أرض (مكة)، من ذلك قوله سبحانه: {قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض} (النساء:97)، قال البغوي: يعني أرض مكة. ونحو ذلك قوله تعالى: {وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها} (الإسراء:76)، المراد بـ (الأرض) هنا مكة على أصح الأقوال، وقيل: المدينة.

(الأرض) بمعنى أرض (المدينة)، من ذلك قوله سبحانه: {قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} (النساء:97)، قال القرطبي: المراد بـ (الأرض) في الآية: المدينة. ونحو ذلك قوله تعالى: {إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون} (العنكبوت:56)، قال مجاهد: إن أرضي المدينة واسعة، فهاجروا، وجاهدوا فيها.

(الأرض) بمعنى أرض (الشام)، من ذلك قوله سبحانه: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها} (الأعراف:137)، قال قتادة و الحسن البصري: هي أرض الشام. ومن هذا القبيل، قوله عز وجل: {ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين} (الأنبياء:71)، قال الطبري: هي أرض الشام، فارق صلوات الله عليه قومه ودينهم، وهاجر إلى الشام.

(الأرض) بمعنى أرض (مصر)، من ذلك قوله سبحانه: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده} (الأعراف:128)، قال القرطبي: أطمعهم في أن يورثهم الله أرض مصر. وعلى هذا المعنى قوله تعالى: {قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم} (يوسف:55)، قال سعيد بن منصور: سمعت مالك بن أنس رضي الله عنه، يقول: مصر خزانة الأرض. وثمة العديد من الآيات التي ورد فيها لفظ (الأرض) مرادٌ منه أرض مصر.

(الأرض) بمعنى (الأرضين السبع)، من ذلك قوله سبحانه: {الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض} (سبأ:1)، قال الطبري: الحمد التام كله للمعبود الذي هو مالك جميع ما في السماوات السبع وما في الأرضين السبع. ونحو ذلك قوله عز وجل: {الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن} (الطلاق:12). ولفظ (الأرض) بحسب هذا المعنى كثير في القرآن.

وورد لفظ (الأرض) في القرآن الكريم بمعان أخر، أغلبها مستفاد من السياق، كقوله تعالى: {فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض} (المائدة:26)، فالمراد هنا أرض التيه، التي تاه فيها بنو إسرائيل. ونحو ذلك قوله تعالى: {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها} (الأحزاب:27)، والمراد بـ (الأرض) هنا ما فتحه الله على المسلمين من أراضي فارس والروم وغيرهما.
رد مع اقتباس
  #60  
قديم 09-22-2013, 06:09 AM
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: اليمن
المشاركات: 500
افتراضي رد: ألفاظ قرآنية

لفظ (السماء) في القرآن



لفظ (السماء) من الألفاظ المحورية في القرآن الكريم، وقد أقسم الله بها في مواضع عديدة من كتابه العزيز، ما يدل على قيمة هذا الجِرم الكوني وأهميته في حياة الكون عموماً، وحياة الإنسان خصوصاً؛ حيث أودع الله فيها عجائب خلقه، وعظيم قدرته، ولطيف صنعه.

يدل لفظ (السماء) في الأصل على العلو، والارتفاع، وهو مأخوذ من السمو، يقال: سموت، إذا علوت. وسما بصره: علا. وسما لي شخص: ارتفع حتى استثبته. وسماوة الهلال وكل شيء: شخصه، والجمع سماو. والعرب تسمي السحاب سماء. والسماءة: الشخص. والسماء: سقف البيت. وكل عال مطل سماء، حتى يقال لظهر الفرس: سماء. وقد توسعت العرب في استعمال هذا اللفظ، حتى سموا (المطر) سماء، قال الشاعر:

إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا

ولفظ (السماء) ورد في القرآن الكريم في عشرة وثلاثة مائة موضع، ورد في جميعها بصيغة الاسم، فجاء في تسعين ومائة موضع بصيغة الجمع (السموات)، من ذلك قوله تعالى: {ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض} (البقرة:107). وجاء بصيغة المفرد في عشرين ومائة موضع، منها قوله سبحانه: {وأنزل من السماء ماء} (البقرة:22). ولم يرد لفظ (السماء) بصيغة الفعل في القرآن.

ولفظ (السماء) جاء معرفاً بالألف واللام في جميع مواضعه في القرآن الكريم، سوى خمسة مواضع، جاء فيها من غير تعريف، وبصيغة الجمع، أحدها: قوله سبحانه: {فسواهن سبع سماوات} (البقرة:29).

ولفظ (السماء) يقابل لفظ (الأرض)، وقد اقترن هذان اللفظان في القرآن الكريم في واحد وتسعين ومائة موضع، اقترن منها لفظ (السماء) مفرداً بلفظ (الأرض) في تسعة عشر موضعاً، منها قوله تعالى: {قل من يرزقكم من السماء والأرض} (يونس:31). واقترن لفظ (السموات) جمعاً بلفظ (الأرض) في اثنين وسبعين ومائة موضع، منها قوله سبحانه: {له ما في السماوات والأرض} (البقرة:116). وقد تقدم لفظ (السماء) على لفظ (الأرض) فرداً وجمعاً في جميع تلك المواضع، سوى أربعة منها، تقدم فيها لفظ (الأرض) على لفظ (السماء)، أحدها: قوله عز وجل: {إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء} (آل عمران:5).

ولفظ (السماء) ورد في القرآن الكريم على خمسة معان، هي:

أولاً: بمعنى السقف، ومنه قوله تعالى: {فليمدد بسبب إلى السماء} (الحج:15). قال الطبري: يعني سماء البيت، وهو سقفه. وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما وغيره. وهذا القول هو الأولى في المراد من لفظ (السماء) في هذه الآية، كما ذكر ذلك ابن كثير.

ثانياً: بمعنى السحاب، من ذلك قوله سبحانه: {وأنزلنا من السماء ماء بقدر} (المؤمنون:18). قال الطبري: وأنزلنا من السحاب الذي أنشأناه بالرياح من فوقكم أيها الناس ماء. ونحو ذلك قوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم} (لقمان:10).

ثالثاً: بمعنى المطر، من ذلك قوله سبحانه: {يرسل السماء عليكم مدرارا} (هود:52). قال القرطبي: يريد المطر الكثير، عبر عنه بـ (السماء)؛ لأنه من السماء ينزل. ونحو هذا قوله تعالى: {وأرسلنا السماء عليهم مدرارا} (الأنعام:6).

رابعاً: بمعنى السماء نفسها، من ذلك قوله سبحانه: {الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء} (البقرة:22). وأكثر ما ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم على هذا المعنى. وهو المراد عند الإطلاق.

خامساً: بمعنى سماوات الجنة والنار، وذلك قوله تعالى في حق الأشقياء: {خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض} (هود:107). وكذلك قوله سبحانه في حق السعداء: {خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض} (هود:108). قال الضحاك: ما دامت سموات الجنة والنار وأرضهما. وهذا على قول في تفسير المراد من الآيتين. وليس غيرهما في القرآن على هذا المعنى.
مواضيع ذات صلة فى المحاور التالية
المقـالات الفتـاوى
[التقييم: 3 من 5بناءً على 11 رأي] لفظ (البر) في القرآن الكريم

[التقييم: 3 من 5بناءً على 9 رأي] فأنفخ فيه...فتنفخ فيها

[التقييم: 2 من 5بناءً على 15 رأي] قصة لوط عليه السلام في القرآن

[التقييم: 3 من 5بناءً على 19 رأي] قصة النبي صالح عليه السلام في القرآن

[التقييم: 3 من 5بناءً على 10 رأي] قصة هود عليه السلام في القرآن

[التقييم: 3 من 5بناءً على 10 رأي] قصة نوح عليه السلام في القرآن

[التقييم: 2 من 5بناءً على 14 رأي] مثل هوان ما عُبد من دون الله

[التقييم: 1 من 5بناءً على 9 رأي] أسلوب (الإتباع) في القرآن
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:08 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
كل الآراء المنشورة ( مواضيع ومشاركات ) تمثل رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن رأي القائمين على الموقع


دعم وتطوير استضافة تعاون