تسجيل دخول

منتدى الشـريعة والحيــاة منتدى مخصص للمواضيع الاسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-22-2013, 04:42 AM
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: اليمن
المشاركات: 500
Impp ألفاظ قرآنية

لفظ (النور) في القرآن الكريم



(النور) اسم من أسماء الله تعالى، وفي القرآن الكريم سورة اسمها (النور)، ولفظ (النور) ورد في القرآن الكريم في آيات كثيرة، وعلى معان عديدة، معنوية ومادية، نستبينها بعد أن نقف على معنى (النور) لغة.

يقول أهل اللغة: النون، والواو، والراء تدل على إضاءة، واضطراب، وقلة ثبات. منه النور والنار، سميا بذلك من طريقة الإضاءة؛ لأن ذلك يكون مضطرباً سريع الحركة. يقال: نارَ الشيء، وأنار، واستنار: إذا أضاء. و(النور) مأخوذ من النار، يقال: تَنَوَّرتُ النار: إذا قصدت نحوها. وتنورتُ النار: تبصرتها. ومنه النَّوْر: زهر الشجر ونواره. وأنارت الشجرة: أخرجت النَّوْر. وامرأة نَوَّار، أي: عفيفة تنور، أي: تنفر من القبيح، والجمع نُور. ونار فلان فلاناً نَوْراً: نَفَّرّه وأفزعه. ثم يستعار (النور) في مواضع تدل عليها القرينة، فيقال: أنار فلان كلامه: إذا أوضحه. والمنارة: مفعلة من الاستنارة، والأصل منورة. ومنار الأرض: حدودها وأعلامها، سميت بذلك؛ لبيانها وظهورها.

ولفظ (النور) ورد في القرآن الكريم في خمسة وأربعين (45) موضعاً، جاء في جميعها بصيغة الاسم، من ذلك قوله سبحانه وتعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} (البقرة:257)، ولم يرد لفظ (النور) بصيغة الفعل مطلقاً في القرآن الكريم.

ولفظ (النور) ورد في القرآن الكريم على عدة معان، هي:

بمعنى (الإسلام)، من ذلك قوله عز وجل: {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم} (التوبة:32)، عن السدي، قال: يريدون أن يطفئوا الإسلام بكلامهم. ونظيره قوله سبحانه: {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره} (الصف:8)، قال الطبري: وعنى بـ (النور) في هذا الموضع الإسلام، وكان ابن زيد يقول: عنى به القرآن.

بمعنى (الإيمان) من ذلك قول الحق سبحانه: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} (البقرة:275)، قال الطبري: يعني بـ {النور} الإيمان، ويعني بـ {الظلمات} ظلمات الكفر وشكوكه، الحائلة دون إبصار القلوب، ورؤية ضياء الإيمان وحقائق أدلته وسبله. وعلى هذا المعنى أيضاً قوله تعالى: {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} (النور:40)، قال الطبري: {ومن لم يجعل الله له نورا} يقول: من لم يرزقه الله إيماناً وهدى من الضلالة ومعرفة بكتابه، {فما له من نور}: يقول فما له من إيمان وهدى ومعرفة بكتابه. ويمكن أن يكون (النور) في الآية هنا بمعنى (الهدى)، والمعنى قريب؛ إذ الهدى لازم عن الإيمان.

بمعنى (القرآن) من ذلك قوله سبحانه: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس} (الأنعام:122)، روى العوفي وابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنه عنهما، قال: (النور) هو: القرآن. ونظيره قوله تعالى: {ويجعل لكم نورا تمشون به} (الحديد:28)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: {ويجعل لكم نورا تمشون به} قال: القرآن. وروي عن بعضهم أن (النور) في الآية هنا هو: الهدى. والمعنى قريب؛ لأن القرآن فيه هدى للناس. ومن هذا الباب أيضاً، قوله عز من قائل: {وأنزلنا إليكم نورا مبينا} (النساء:174)، قال الطبري: هو القرآن الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو قول قتادة وابن جريج. و(النور) بمعنى (القرآن) ورد في العديد من الآيات غير ما تقدم.

بمعنى (الهادي) من ذلك قوله عز وجل: {الله نور السماوات والأرض} (النور:35)، قال الطبري: هادي من في السماوات والأرض، فهم بنوره إلى الحق يهتدون، وبهداه من حيرة الضلالة يعتصمون. وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: {الله نور السماوات والأرض} يقول: الله سبحانه هادي أهل السماوات والأرض. وعن أنس بن مالك رضي الله عنهما، قال: إن إلهي يقول: نوري هداي. واختار الطبري هذا القول في المراد من (النور) في هذه الآية.

بمعنى (الهدى) من ذلك قوله سبحانه: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه} (الزمر:22)، قال السدي: النور: الهدى. وفسر بعضهم قوله عز وجل: {ويجعل لكم نورا تمشون به} أن (النور) في الآية هنا هو: الهدى.

بمعنى (النبي) صلى الله عليه وسلم، من ذلك قوله تعالى: {قد جاءكم من الله نور} (المائدة:15)، قال الطبري: يعني بـ (النور) محمداً صلى الله عليه وسلم، الذي أنار الله به الحق.

بمعنى (ضوء النهار) من ذلك قوله سبحانه: {وجعل الظلمات والنور} (الأنعام:1)، قال السدي: {النور} نور النهار.

بمعنى (ضوء القمر) من ذلك قوله عز وجل: {وجعل القمر فيهن نورا} (نوح:16)، أي: جعل القمر منيراً في ظلمات الليل. ونظيره قوله سبحانه: {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا} (يونس:5)، يعني: مضيئاً لأهل الأرض.

بمعنى (ضوء يُعطاه المؤمن يوم القيامة على الصراط) من ذلك قوله سبحانه: {يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم} (الحديد:12)، قال ابن مسعود رضي الله عنه: على قدر أعمالهم يمرون على الصراط، منهم من نوره مثل الجبل، ومنهم من نوره مثل النخلة، ومنهم من نوره مثل الرجل القائم، وأدناهم نوراً من نوره في إبهامه، يتقد مرة، ويطفأ مرة. ونحو ذلك قوله تعالى: {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم} (الحديد:13)، قال الطبري: نستصبح من نوركم. وقد روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: بينما الناس في ظلمة، إذ بعث الله نوراً، فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه، وكان النور دليلاً من الله إلى الجنة؛ فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا، تبعوهم، فأظلم الله على المنافقين، فقالوا حينئذ: {انظرونا نقتبس من نوركم}، فإنا كنا معكم في الدنيا، قال المؤمنون: ارجعوا من حيث جئتم من الظلمة، فالتمسوا هنالك النور).

بمعنى (بيان الحلال من الحرام في التوراة)، من ذلك قوله عز وجل: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور} (المائدة:44)، قال الطبري: {ونور}، يقول: فيها جلاء ما أظلم عليهم، وضياء ما التبس من الحكم. نظيره قوله سبحانه: {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس} (الأنعام:91)، يعني: جلاءً وضياءً من ظلمة الضلالة. وقال ابن كثير: "ليُستضاء بها في كشف المشكلات، ويُهتدى بها من ظُلَمِ الشبهات".

بمعنى (بيان الحلال والحرام في القرآن) من ذلك قوله تعالى: {ولكن جعلناه نورا} (الشورى:53)، قال الطبري: يعني ضياء للناس، يستضيئون بضوئه الذي بين الله فيه، وهو بيانه الذي بين فيه، مما لهم فيه في العمل به الرشاد، ومن النار النجاة.

بمعنى (العدل)، من ذلك قوله سبحانه: {وأشرقت الأرض بنور ربها} (الزمر:69)، قال الحسن والسدي: بعدل ربها، وأراد بالأرض عَرَصات القيامة. وقال ابن كثير: أي: أضاءت يوم القيامة، إذا تجلى الحق، تبارك وتعالى، للخلائق لفصل القضاء.

وعلى الجملة، فقد ورد لفظ (النور) في القرآن الكريم على عدة معان، يدور أغلبها على معان معنوية، كـ (الهدى)، و(الإيمان)، و(القرآن)، وورد بدرجة أقل بمعنى النور المادي.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-22-2013, 04:44 AM
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: اليمن
المشاركات: 500
افتراضي رد: ألفاظ قرآنية

لفظ (العبادة) في القرآن


العبادة هي الغاية التي خلق الله لأجلها الخلق أجمعين، بل إن المخلوقين أنفسهم سموا عباداً؛ لأن الغاية من وجودهم عبادة خالقهم ومعبودهم، وجميع شرائع الإسلام وأحكامه تسمى عبادة؛ لأن العباد يتقربون بها إلى الله سبحانه، وهي المنجاة لهم يوم يقوم الناس لرب العالمين. والناس كلهم عباد الله، بل الأشياء كلها، بعضها بالتسخير، وبعضها بالتسخير والاختيار.

وبالعودة إلى معاجم العربية، نجد أن الجذر (عبد) يدل على أصلين صحيحين متضادين، أحدهما: يدل على لين وذل، والآخر: يدل على شدة وغلظة.

فمن الأصل الأول: العبد، وهو المملوك، ويُجمع على عبيد. قال الخليل: أجمعوا على التفرقة بين عباد الله، والعبيد المملوكين، فقالوا: هذا عبد بيِّنُ العبودة، ولم يشتقوا منه فعلاً. ولا يقال: (عبد) يعبد عبادة إلا لمن يعبد الله تعالى. فالمتعبد: المتفرد بالعبادة. واستعبدت فلاناً: اتخذته عبداً. ولا يقال: (عبد) بمعنى خدم مولاه. ويقال: تعبد فلان فلاناً، إذا صيره كالعبد له، وإن كان حراً، ويقال أيضاً: أعبد فلان فلاناً، أي: جعله عبداً. ويقال للمشركين: عبدة الطاغوت والأوثان، وللمسلمين: عباد يعبدون الله تعالى.

ومن هذا الباب قولهم: طريق معبد، أي: سهل مذلل.

والأصل الآخر لهذا الجذر: العَبَدة، وهي القوة والصلابة؛ يقال: هذا ثوب له عبدة، إذا كان سميكاً قوياً. وناقة عبدة: قوية.

و(العبادة) في الاصطلاح الشرعي هي: اسم لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.

ولفظ (عبد) ومشتقاته تواتر بكثرة في القرآن، وبلغ مجموع تواتره أربعاً وسبعين ومائتين موضع، جاء في اثنين وخمسين ومائة موضع بصيغة الاسم، من ذلك قوله تعالى: {والله رءوف بالعباد} (البقرة:207). وجاء في اثنين وعشرين ومائة موضع بصيغة الفعل، من ذلك قوله سبحانه: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} (البقرة:21).

ولفظ (عبد) ومشتقاته جاء في القرآن على عدة معان، نذكر منها ما يأتي:

أولاً: بمعنى المؤمنين والكافرين، من ذلك قوله تعالى: {والله بصير بالعباد} (آل عمران:15)، أي: إنه سبحانه عليم بمن آمن به من عباده، ومن كفر به. ومن ذلك قوله عز وجل: {وهو القاهر فوق عباده} (الأنعام:18).

ثانياً: بمعنى المؤمنين من عباده خاصة، من ذلك قوله تعالى: {والله رءوف بالعباد} (البقرة:207)، قال الطبري: والله ذو رحمة واسعة بعباده المؤمنين في عاجلهم وآجل معادهم، فينجز لهم الثواب على ما أبلوا في طاعته في الدنيا، ويسكنهم جناته على ما عملوا فيها من مرضاته.

ثالثاً: بمعنى الكافرين والعاصين من عباده خاصة، من ذلك قوله سبحانه: {يا حسرة على العباد} (يس:30)، أي: يا حسرة على الكافرين بأنعم الله، والمكذبين لرسله وندامتهم يوم القيامة، إذا عاينوا العذاب، كيف كذبوا رسل الله، وخالفوا أمر الله. ومن هذا القبيل قوله عز من قائل: {وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا} (الإسراء:17).

رابعاً: بمعنى المصطفين والمجتبين من الناس، كالأنبياء وغيرهم، من ذلك قوله تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} (فاطر:32)، أي: اخترنا الخُلَّص من الناس. وعلى هذا النحو قوله عز وجل: {وسلام على عباده الذين اصطفى} (النمل:59).

خامساً: بمعنى سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، من ذلك قوله سبحانه: {وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا} (الجن:19)، أي: لما قام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله، تجمع ضده المشركون، وكادوا له كيداً. ومن هذا القبيل قوله سبحانه: {فأوحى إلى عبده ما أوحى} (النجم:10).

سادساً: بمعنى التوحيد، من ذلك قوله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} (النساء:36)، أي: ذلُّوا لله بالطاعة، واخضعوا له بها، وأفردوه بالربوبية، وأخلصوا له بالانتهاء إلى أمره، والانزجار عن نهيه. وعلى هذا النحو قوله عز من قائل: {أن اعبدوا الله ربي وربكم} (المائدة:117).

سابعاً: بمعنى الطاعة، من ذلك قوله سبحانه: {فإياي فاعبدون} (العنكبوت:56)، قال الطبري: فأخلصوا لي عبادتكم وطاعتكم، ولا تطيعوا في معصيتي أحداً من خلقي. ونحو ذلك قوله تعالى: {أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون} (سبأ:40). ومجيء لفظ (العبادة) بمعنى (الطاعة) كثير في القرآن.

ومن المفيد أن نشير ختاماً إلى أن لفظ (عبد) وما اشتق منه من ألفاظ في القرآن، يحدده أولاً المعنى الشرعي لهذا اللفظ، ثم يحدده ثانياً السياق الذي ورد فيه، والمعنى اللغوي حاضر عند التدقيق والتأمل. ومن ثم فإن المتأمل، في جميع موارد الجذر (عبد) وما اشتق منه من ألفاظ في القرآن الكريم يلحظ أنه تضمن معناه اللغوي الأوسع، الذي هو الخضوع والذلة، كما تضمن معناه الشرعي بمعنى إفراد الله بالطاعة والعبودية، ثم أخيراً تحدد معناه الأضيق من خلال السياق الذي ورد فيه.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-22-2013, 04:45 AM
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: اليمن
المشاركات: 500
افتراضي رد: ألفاظ قرآنية

لفظ (التقوى) في القرآن



يروى عن بعض طلبة العلم أنه قال لشيخه: أوصني، قال: أوصيك بما أوصى الله تعالى الأولين والآخرين، وهو قوله: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله} (النساء:131). فالتقوى كنز عزيز، إذا ظفر به المرء، وجد فيه خيراً كثيراً، ورزقاً كريماً. فهي الخصلة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة. والمتأمل مواقعها في القرآن الكريم يجد كم رتب عليها من خير، وكم وعد عليها من ثواب، وكم أضيف إليها من سعادة.

ولفظ (التقوى) من حيث اللغة يدل على دفع شيء عن شيء بغيره. تقول: وقيته أقيه وقياً. والوقاية: حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره. واتق الله: توقه، أي: اجعل بينك وبينه كالوقاية.

ولفظ (التقوى) توارد في القرآن الكريم في ثمانية وخمسين ومائتي موضع، جاء في اثنين وثمانين ومائة موضع بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى: {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة} (البقرة:24)، وجاء بصيغة الاسم في ستة وسبعين موضعاً، من ذلك قوله سبحانه: { فإن خير الزاد التقوى} (البقرة:197).

ولفظ (التقوى) ورد في القرآن الكريم علن خمسة معان، هي:

بمعنى التوحيد والإيمان، من ذلك قوله سبحانه: {وألزمهم كلمة التقوى} (الفتح:26)، قال الطبري: هي لا إله إلا الله محمد رسول الله. وقال مجاهد: {كلمة التقوى} الإخلاص. ونحو هذا، قوله سبحانه: {أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى} (الحجرات:3)، أي: أخلص قلوبهم لتوحيده.

بمعنى الإخلاص، من ذلك قوله تعالى: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} (الحج:32)، أي: من يقدر شعائر الله التي شرعها حق قدرها، ويؤديها حق الأداء، فإن ذلك دليل على الإخلاص، وسلامة القصد.

بمعنى العبادة والطاعة، من ذلك قوله عز وجل: {إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون} (الشعراء:106)، قال الشوكاني: ألا يخافون عقاب الله سبحانه، فيصرفون عن أنفسهم عقوبة الله بطاعته. ومن هذا القبيل، قوله سبحانه: {أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون} (النحل:2).

بمعنى الخشية، من ذلك قوله تعالى: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله } (النساء:131)، قال الطبري: احذروا الله أن تعصوه وتخالفوا أمره ونهيه. ونحو ذلك، قوله سبحانه: {وإياي فاتقون} (البقرة:41)، أي: فاخشوني.

بمعنى ترك المعصية، من ذلك قوله عز من قائل: {وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله} (البقرة:189)، أي: البر من اتقى الله فخافه وتجنب محارمه، وأطاعه بأداء فرائضه التي أمره بها. ونحو هذا، قوله تعالى: {واتقون يا أولي الألباب} (البقرة:197)، قال الطبري: خافوا عقابي باجتناب محارمي التي حرمتها عليكم، تنجوا بذلك مما تخافون من غضبي عليكم وعقابي، وتدركوا ما تطلبون من الفوز بجناتي. وأكثر ما ورد لفظ (التقوى) في القرآن الكريم على هذا المعنى.

قال بعض أهل العلم: حقيقة (التقوى) تنزيه القلب والجوارح عن الذنوب، ألا ترى إلى قوله تعالى: {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} (النور:52)، ذكر (الطاعة) و(الخشية) ثم ذكر (التقوى)، فعُلم بهذا أن حقيقة (التقوى) بمعنى غير (الطاعة) و(الخشية)، وهي الابتعاد عن المعاصي.

وقد ذكر الرازي أن لفظ (التقوى) يأتي أيضاً بمعنى (التوبة)، ومثَّل له بقوله تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم} (الأعراف:96)، أي: تابوا. ولم نجد غير الرازي من المفسرين من ذكر هذا المعنى للفظ (التقوى).

بقي أن نقول: إن ما ذكرناه من معاني لفظ (التقوى) في القرآن، وما سقناه من آيات تدل على هذا المعنى أو ذاك، لا يمنع أن يكون للفظ (التقوى) معنى آخر، فتعيين المفسر لمعنى ما أمر عائد لما يرجحه من دليل، وقد يرجح غيره معنى آخر لدليل يراه، ولا حرج في ذلك، ما دام اللفظ يحتمل هذه المعاني. ويبقى في المحصلة أن معاني لفظ (التقوى) في القرآن تندرج في تلك المعاني الخمسة التي ذكرناها.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-22-2013, 04:47 AM
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: اليمن
المشاركات: 500
افتراضي رد: ألفاظ قرآنية

لفظ (الحسن) في القرآن

لفظ (الحسن) ومشتقاته من الألفاظ المحورية في القرآن الكريم؛ فمن الأسماء المشتقة من هذا اللفظ: (الحسنة)، و(الحسنى)، و(الإحسان)، و(المحسنون)، و(المحسنات)، و(الحِسان)، و(الحُسْن)، و(الحَسَن). وهناك من الأفعال: (أحْسَن)، و(أحْسِن)، و(أحسنتم)، و(أحسِنوا)، و(حَسُن)، و(تُحْسِنوا)، و(يحسنون)، و(حَسُنت). ناهيك عن صيغة التفضيل (أحْسَنُ) التي وردت بكثرة في القرآن الكريم.

وتفيد معاجم العربية أن لفظ (الحسن)، هو عبارة عن كل مبهج مرغوب فيه، عقلاً، أو حساً، أو هوى. ولا يقال: رجل أحسن، وإنما يقال: هو الأحسن، على إرادة التفضيل. و(الحسنة) يعبر عنها عن كل ما يَسُرُّ من نعمة تنال الإنسان في نفسه وبدنه وأحواله، و(السيئة) ضدها. وهو من الألفاظ المشتركة، كالحيوان، الواقع على أنواع مختلفة، كالفرس والإنسان وغيرهما. والمحاسن من الإنسان وغيره: ضد المساوئ. و(الإحسان) على وزن (إفعال) مأخوذ من (الحسن). ومنه قول علي رضي الله عنه: الناس أبناء ما يحسنون، أي: منسوبون إلى ما يعلمونه، ويعملونه من الأفعال الحسنة. والإحسان أعم من الإنعام.

وقالوا: (الحَسَن) أكثر ما يقال في المستحسن بالبصر. وأكثر ما جاء في القرآن من (الحسن)، فللمستحسن من جهة البصيرة.

ولفظ (الحسن) بمشتقاته جاء في القرآن الكريم في أربعة وتسعين ومائة موضع (194)، جاء في أربعة وعشرين منها بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى: {وأحسن كما أحسن الله إليك} (القصص:77)، وجاء في باقي مواضعه بصيغة الاسم، من ذلك قوله تعالى: {وبالوالدين إحسانا} (البقرة:83). ويُلحظ بخصوص هذا اللفظ أمور:

أولها: أن أكثر ما جاء في القرآن من هذا اللفظ بصيغة (أفعل) التفضيل، حيث جاء في أربعة وثلاثين موضعاً، من ذلك قوله سبحانه: {ومن أحسن من الله صبغة} (البقرة:138).

ثانيها: جاء هذا اللفظ بصيغة جمع المذكر السالم في أربعة وثلاثين موضعاً، من ذلك قوله عز وجل: {وسنزيد المحسنين} (البقرة:58).

ثالثها: جاء لفظ (الحسنة) مفرداً في ثمانية وعشرين موضعاً، من ذلك قوله سبحانه: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة} (البقرة:201)، وجاء بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع، منها قوله تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات} (هود:114).

رابعها: جاء لفظ {الحسنى} على وزن (فعلى) في القرآن في سبعة عشر موضعاً، من ذلك قوله عز وجل: {وكلا وعد الله الحسنى} (النساء:95).

خامسها: اقترن لفظ (الحسنة) بمقابله، وهو لفظ (السيئة) في مواضع عديدة من القرآن، كقوله تعالى: {ويدرءون بالحسنة السيئة} (الرعد:22).

ولفظ (الحسن) ومشتقاته ورد في القرآن الكريم على عدة معان، منها:

أولاً: بمعنى التوحيد والإيمان، من ذلك قوله تعالى: {فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين} (:85)، قال البغوي: يعني: الموحدين المؤمنين. وبحسب هذا المعنى فُسر قوله سبحانه: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} (الأنعام:160)، وقوله عز وجل: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة} (فصلت:34).

ثانياً: بمعنى الإخلاص، من ذلك قوله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} (الأنعام:160)، روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: {من جاء بالحسنة}، قال: من جاء بلا إله إلا الله. ونحو هذا قوله سبحانه: {للذين أحسنوا الحسنى} (يونس:26)، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {للذين أحسنوا الحسنى}: للذين شهدوا أن لا إله إلا الله.

ثالثاً: بمعنى جماع الخير، من ذلك قوله تعالى: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة}، فالـ {حسنة} الأولى في الآية بمعنى جماع الخير، من الصحة والرزق والعلم وغير ذلك، والـ {حسنة} الثانية بمعنى: الجنة. ونحو هذا قوله سبحانه: {ما أصابك من حسنة فمن الله} (النساء:79)، قال ابن كثير: ما جاءك من خصب ورزق من ثمار وزروع وأولاد.

رابعاً: بمعنى الجنة، وعلى هذا المعنى قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى} (يونس:26)، قال ابن زيد: {الحسنى}: الجنة، وكذا قال الطبري في معناها. وقد تقدم أنها جاءت بمعنى لا إله إلا الله. ونحو هذا قوله سبحانه: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} (الرحمن:60). فلفظ {الإحسان} الثاني في الآية، فُسر بأنه: الجنة.

رابعاً: بمعنى العفو، جاء على هذا المعنى قوله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} (النحل:90)، قال البغوي: {الإحسان}: العفو عن الناس. ونحو ذلك قوله سبحانه: {والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} (آل عمران:134).

خامساً: بمعنى الإنفاق في وجوه الخير، من ذلك قوله تعالى: {وأحسن كما أحسن الله إليك} (القصص:77)، قال الطبري: وأحسن في الدنيا إنفاق مالك الذي آتاكه الله، في وجوهه وسبله، كما أحسن الله إليك، فوسع عليك منه، وبسط لك فيها. ونحو ذلك قوله سبحانه: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} (البقرة:159).

سادساً: بمعنى الطاعة والتزام أوامر الله ومن ثم ثوابه وجزائه، من ذلك قوله تعالى: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} (الإسراء:7)، فـ {أحسنتم} الأولى، بمعنى الطاعة والتزام أوامر الله سبحانه، أما {أحسنتم} الثانية، فهي هنا بمعنى الجزاء والثواب. ونحو هذا قوله سبحانه: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}، قال الطبري في معنى الآية: هل ثواب خوف مقام الله عز وجل لمن خافه، فأحسن في الدنيا عمله، وأطاع ربه، إلا أن يحسن إليه في الآخرة ربه، بأن يجازيه على إحسانه ذلك في الدنيا.

سابعاً: بمعنى النصر والفوز، من ذلك قوله تعالى: {إن تمسسكم حسنة تسؤهم} (آل عمران:120)، فـ {حسنة} في هذه الآية ونحوها: النصر على الأعداء. ونحو هذا قوله سبحانه مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: {إن تصبك حسنة تسؤهم} (التوبة:50).

ثامناً: بمعنى الرخاء والسعة في المعيشة، من ذلك قوله عز وجل: {ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة} (الأعراف:95)، قال ابن كثير: حوَّلنا الحال من شدة إلى رخاء، ومن مرض وسقم إلى صحة وعافية، ومن فقر إلى غنى. ونحو هذا قوله تعالى: {وبلوناهم بالحسنات} (الأعراف:168)، قال الطبري: واختبرناهم بالرخاء في العيش، والخفض في الدنيا والدعة، والسعة في الرزق. وقل مثل ذلك في قوله سبحانه: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا} (الأعراف:131).

تاسعاً: بمعنى العمل الصالح، من ذلك قوله سبحانه: {واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة} (الأعراف:156)، أي: الصالح من الأعمال. ومن هذا القبيل قوله جلَّ وعلا: {ويدرءون بالحسنة السيئة} (الرعد:22)، قال القرطبي: يدفعون بالعمل الصالح السيئ من الأعمال.

عاشراً: الذكر الطيب والثناء الجميل، ومن ذلك قوله تعالى في حق إبراهيم عليه السلام: {وآتيناه في الدنيا حسنة} (النحل:122)، قال الطبري: آتينا إبراهيم في هذه الدنيا ذكراً حسناً، وثناء جميلاً باقيا على الأيام.

حادي عشر: بمعنى الرحمة، من ذلك قوله سبحانه: {لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة} (النمل:46)، أي: لم تدعون بحضور العذاب، ولا تطلبون من الله رحمته. وفسَّر بعضهم قوله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} (الأنبياء:101) بحسب هذا المعنى.

وعلى الجملة، فإن معنى (الحسن) في القرآن الكريم يدور على المعاني التالية: الإيمان، جماع الخير، العمل الصالح، الطاعة، الجزاء في الآخرة، النصر في الدنيا، الجنة، الرخاء والسعة والرزق، الرحمة. وهي معان عند التأمل متداخلة ومتلازمة، يأخذ بعضها برقاب بعض.

ولا بد أن نشير أخيراً إلى أن السياق الذي يرد فيه لفظ (الحسن) ومشتقاته، هو المعتبَر الأول في تحديد دلالة هذا اللفظ، وبيان المراد منه.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-22-2013, 04:48 AM
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: اليمن
المشاركات: 500
افتراضي رد: ألفاظ قرآنية

لفظ (الفقر) في القرآن




تحدث القرآن الكريم عن (الفقر) و(الفقراء)، وجعل سبحانه الناس جميعاً (فقراء) إليه، وجعل (الفقراء) من الناس أول الأصناف الذين يستحقون الزكاة، وذم سبحانه اليهود الذين وصفوه سبحانه بأنه (فقير) تعالى سبحانه عن ذلك علوًّا كبيراً..

فما هو دلالة لفظ (الفقر) في القرآن الكريم؟ نتعرف على ذلك بعد الوقوف على المعنى اللغوي للفظ (الفقر).

جاء في معاجم اللغة أن لفظ (الفقر) لغة يدل على انفراج في شيء، من عضو أو غير ذلك. من ذلك: الفِقار للظهر، الواحدة فقارة، سميت للحزوز والفصول التي بينها. والفقير: المكسور فقار الظهر، قال أهل اللغة: منه اشتق اسم الفقير، وكأنه مكسور فقار الظهر، من ذلته ومسكنته. فـ (الفقر) مشتق من فقار الظهر، فأصله مصدر فَقَره، إذا كسر ظهره، جعلوا العاجز بمنزلة من لا يستطيع أدنى حركة؛ لأن الظَّهر هو مجمع الحركات، ومن هذا تسميتهم المصيبة فاقرة، كأنها كاسرة لفقار الظهر. ويقال: فَقْر، وفَقَر، وفُقْر، وفُقُر، بفتح فسكون، وبفتحتين، وبضم فسكون، وبضمتين، ويقال رجل فقير، ويقال رجل فَقْر، وصفاً بالمصدر. وقولهم: أفقرك الصيد، معناه: أنه أمكنك من فقاره حتى ترميه. ويقال: فقرت البعير، إذا حززت خطمه، ثم جعلت على موضع الحز الجرير لتذله وتروضه. وأفقرتك ناقتي: أعرتك فِقارها لتركبها. وقولهم: سد الله مفاقره، أي: أغناه وسد وجوه فقره، قال الشاعر:

وإن الذي ساق الغنى لابن عامر لربي الذي أرجو لسدِّ مفاقري

ولفظ (الفقر) في القرآن الكريم ورد في أربعة عشر موضعاً، ورد في جميعها بصيغة الاسم، ولم يرد بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى: {الشيطان يعدكم الفقر} (البقرة:268).

ولفظ (الفقر) جاء في القرآن الكريم على معنيين رئيسين، ومعنيين فرعيين، هي وفق التالي:

الأول: (الفقر) بمعنى الافتقار إلى الله تعالى، وذلك عام للبشر جميعاً باختلاف أجناسهم وأحوالهم، بل عام للموجودات كلها، وعلى هذا قوله تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله} (فاطر:15)، فأخبر تعالى بغنائه عما سواه، وبافتقار المخلوقات كلها إليه، وتذللها بين يديه، قال ابن كثير في معنى الآية: "هم محتاجون إليه في جميع الحركات والسكنات، وهو الغني عنهم بالذات". ومنه قوله عز وجل: {والله الغني وأنتم الفقراء} (محمد:38)، أي: تحتاجون إليه في جميع أوقاتكم، لجميع أموركم. وإلى هذا المعنى من (الفقر) أشار سبحانه بقوله في وصف الإنسان: {وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام} (الأنبياء:8).

الثاني: (الفقر) بمعنى الفقراء من عامة المسلمين، وهو المراد غالباً من هذا اللفظ في القرآن الكريم، من ذلك قوله تعالى مخاطباً أولياء النساء: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} (النور:32)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أمر الله سبحانه بالنكاح، ورغبهم فيه، وأمرهم أن يزوجوا أحرارهم وعبيدهم، ووعدهم في ذلك الغنى". وعلى هذا المعنى أيضاً قوله عز وجل: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} (التوبة:60)، قال ابن عباس رضي الله عنهما في المراد بـ (الفقراء) في الآية: هم فقراء المسلمين.

الثالث: (الفقر) بمعنى الفقراء من المهاجرين خاصة، من ذلك قوله سبحانه: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله} (البقرة:273)، قال ابن كثير: "يعني: المهاجرين الذين قد انقطعوا إلى الله وإلى رسوله، وسكنوا المدينة، وليس لهم سبب يردون به على أنفسهم ما يغنيهم. ومنه أيضاً قوله تعالى: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم} (الحشر:8).

الرابع: (الفقر) بمعنى الطعام، وعليه قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام: {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} (القصص:24)، روي عن مجاهد وغيره أن موسى عليه السلام "ما سأل ربه إلا الطعام".

أما قوله تعالى: {تظن أن يفعل بها فاقرة } (القيامة:25)، فقد قال مجاهد: داهية. وقال قتادة: شر. وقال السدي: تستيقن أنها هالكة. وقال ابن زيد: تظن أن ستدخل النار.

والحاصل: أن لفظ (الفقر) أكثر ما ورد في القرآن الكريم بمعنى الفقر المادي، وهو المقابل للفظ (الغنى)، وورد أقل من ذلك بمعنى الفقر المادي والمعنوي معاً، أي الافتقار إليه سبحانه والحاجة إليه، وورد بمعنى فقراء المهاجرين خاصة، وجاء مرة واحدة بمعنى الطعام.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 09-22-2013, 04:49 AM
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: اليمن
المشاركات: 500
افتراضي رد: ألفاظ قرآنية

لفظ (الفقر) في القرآن





تحدث القرآن الكريم عن (الفقر) و(الفقراء)، وجعل سبحانه الناس جميعاً (فقراء) إليه، وجعل (الفقراء) من الناس أول الأصناف الذين يستحقون الزكاة، وذم سبحانه اليهود الذين وصفوه سبحانه بأنه (فقير) تعالى سبحانه عن ذلك علوًّا كبيراً..

فما هو دلالة لفظ (الفقر) في القرآن الكريم؟ نتعرف على ذلك بعد الوقوف على المعنى اللغوي للفظ (الفقر).

جاء في معاجم اللغة أن لفظ (الفقر) لغة يدل على انفراج في شيء، من عضو أو غير ذلك. من ذلك: الفِقار للظهر، الواحدة فقارة، سميت للحزوز والفصول التي بينها. والفقير: المكسور فقار الظهر، قال أهل اللغة: منه اشتق اسم الفقير، وكأنه مكسور فقار الظهر، من ذلته ومسكنته. فـ (الفقر) مشتق من فقار الظهر، فأصله مصدر فَقَره، إذا كسر ظهره، جعلوا العاجز بمنزلة من لا يستطيع أدنى حركة؛ لأن الظَّهر هو مجمع الحركات، ومن هذا تسميتهم المصيبة فاقرة، كأنها كاسرة لفقار الظهر. ويقال: فَقْر، وفَقَر، وفُقْر، وفُقُر، بفتح فسكون، وبفتحتين، وبضم فسكون، وبضمتين، ويقال رجل فقير، ويقال رجل فَقْر، وصفاً بالمصدر. وقولهم: أفقرك الصيد، معناه: أنه أمكنك من فقاره حتى ترميه. ويقال: فقرت البعير، إذا حززت خطمه، ثم جعلت على موضع الحز الجرير لتذله وتروضه. وأفقرتك ناقتي: أعرتك فِقارها لتركبها. وقولهم: سد الله مفاقره، أي: أغناه وسد وجوه فقره، قال الشاعر:

وإن الذي ساق الغنى لابن عامر لربي الذي أرجو لسدِّ مفاقري

ولفظ (الفقر) في القرآن الكريم ورد في أربعة عشر موضعاً، ورد في جميعها بصيغة الاسم، ولم يرد بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى: {الشيطان يعدكم الفقر} (البقرة:268).

ولفظ (الفقر) جاء في القرآن الكريم على معنيين رئيسين، ومعنيين فرعيين، هي وفق التالي:

الأول: (الفقر) بمعنى الافتقار إلى الله تعالى، وذلك عام للبشر جميعاً باختلاف أجناسهم وأحوالهم، بل عام للموجودات كلها، وعلى هذا قوله تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله} (فاطر:15)، فأخبر تعالى بغنائه عما سواه، وبافتقار المخلوقات كلها إليه، وتذللها بين يديه، قال ابن كثير في معنى الآية: "هم محتاجون إليه في جميع الحركات والسكنات، وهو الغني عنهم بالذات". ومنه قوله عز وجل: {والله الغني وأنتم الفقراء} (محمد:38)، أي: تحتاجون إليه في جميع أوقاتكم، لجميع أموركم. وإلى هذا المعنى من (الفقر) أشار سبحانه بقوله في وصف الإنسان: {وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام} (الأنبياء:8).

الثاني: (الفقر) بمعنى الفقراء من عامة المسلمين، وهو المراد غالباً من هذا اللفظ في القرآن الكريم، من ذلك قوله تعالى مخاطباً أولياء النساء: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} (النور:32)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أمر الله سبحانه بالنكاح، ورغبهم فيه، وأمرهم أن يزوجوا أحرارهم وعبيدهم، ووعدهم في ذلك الغنى". وعلى هذا المعنى أيضاً قوله عز وجل: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} (التوبة:60)، قال ابن عباس رضي الله عنهما في المراد بـ (الفقراء) في الآية: هم فقراء المسلمين.

الثالث: (الفقر) بمعنى الفقراء من المهاجرين خاصة، من ذلك قوله سبحانه: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله} (البقرة:273)، قال ابن كثير: "يعني: المهاجرين الذين قد انقطعوا إلى الله وإلى رسوله، وسكنوا المدينة، وليس لهم سبب يردون به على أنفسهم ما يغنيهم. ومنه أيضاً قوله تعالى: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم} (الحشر:8).

الرابع: (الفقر) بمعنى الطعام، وعليه قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام: {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} (القصص:24)، روي عن مجاهد وغيره أن موسى عليه السلام "ما سأل ربه إلا الطعام".

أما قوله تعالى: {تظن أن يفعل بها فاقرة } (القيامة:25)، فقد قال مجاهد: داهية. وقال قتادة: شر. وقال السدي: تستيقن أنها هالكة. وقال ابن زيد: تظن أن ستدخل النار.

والحاصل: أن لفظ (الفقر) أكثر ما ورد في القرآن الكريم بمعنى الفقر المادي، وهو المقابل للفظ (الغنى)، وورد أقل من ذلك بمعنى الفقر المادي والمعنوي معاً، أي الافتقار إليه سبحانه والحاجة إليه، وورد بمعنى فقراء المهاجرين خاصة، وجاء مرة واحدة بمعنى الطعام.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 09-22-2013, 05:00 AM
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: اليمن
المشاركات: 500
افتراضي رد: ألفاظ قرآنية

لفظ (الحرج) في القرآن




من الألفاظ القرآنية التي جاءت في سياق تيسير وتخفيف التكاليف الشرعية على العباد، لفظ (الحرج). فما هو الحرج لغة، وما هي دلالته في السياق القرآني؟

تذكر كتب اللغة أن أصل الحرج والحراج مجتمع الشيئين. والحرج: الضيق والشدة، والحرجة: البقعة من الشجر الملتف المتضايق، والجمع حرج. وقال الزجاج: الحرج في اللغة: أضيق الضيق.

وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قرأ قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} (الأنعام:125)، قال: هل ههنا أحد من بني بكر؟ قال رجل: نعم. قال: ما الحرجة فيكم. قال: الوادي الكثير الشجر المشتبك الذي لا طريق فيه. فأصل الكلمة ورد في المحسوسات، ثم توسعوا في استعماله، ليشمل المعنويات، فقالوا: وقع فلان في حرج، أي: في مأزق وورطة.

ولفظ (الحرج) ورد في القرآن في خمسة عشر موضعاً، جاء في جميع تلك المواضع اسماً، ولم يأت بصيغة الفعل في القرآن، ومن الأمثلة عليه قوله سبحانه: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} (المائدة:6).

ولفظ (الحرج) جاء في القرآن على ثلاثة معان، هي:

الأول: بمعنى (الضيق)، من ذلك قوله تعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} (المائدة:6)، قال مجاهد وعكرمة وغيرهما: أي: من ضيق. فيكون معنى الآية: ما يريد الله بأمركم بالطهارة بالماء أو بالتراب التضييق عليكم في الدين. ونحو ذلك قوله سبحانه: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} (الحج:78).

الثاني: بمعنى (الشك)، من ذلك قوله سبحانه: {فلا يكن في صدرك حرج منه} (الأعراف:2). قال مجاهد وقتادة والسدي: شك. وقال بعض أهل العلم: المراد بـ (الحرج) هنا: الشك. ويكون معنى الآية على ما ذكر الشوكاني: لا يكن في صدرك ضيق منه، من إبلاغه إلى الناس مخافة أن يكذبوك ويؤذوك، فإن الله حافظك وناصرك. ونحو ذلك قوله تعالى: {ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت} (النساء:15).

الثالث: بمعنى (الإثم)، من ذلك قوله تعالى: {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج} (التوبة:92)، أي: ليس على المتخلفين عن الجهاد بسبب ضعفهم أو مرضهم أو قلة مالهم إثم في ذلك، فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها. ومن هذا القبيل قوله سبحانه: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} (النور:61)، (الفتح: 17).

وقوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا}، ورد فيه لفظ (الضيق)، ولفظ (الحرج)؛ إذ لما لم يكن لفظ (الضيق) وافياً في بيان المقصود، جاء بلفظ (الحرج)؛ لأن في (الحرج) من معنى شدة الضيق، ما ليس في الضيق. والمعنى: يجعل صدره غير متسع لقبول الإسلام.

وقد ذكروا في الفرق بين لفظ (الضيق)، و(الحرج) أن الحرج ضيق لا منفذ فيه، مأخوذ من الحرجة وهي الشجر الملتف حتى لا يمكن الدخول فيه ولا الخروج منه، أما (الضيق) فهو المكان الضيق، وليس بالضرورة أن يكون بلا منفذ.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 09-22-2013, 05:00 AM
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: اليمن
المشاركات: 500
افتراضي رد: ألفاظ قرآنية

لفظ (صلح) في القرآن الكريم



تواتر ورود مادة (صلح) في القرآن الكريم، ما يدل على مركزية هذه المادة وأهميتها في الخطاب القرآني. ولا غرابة في ذلك، فالقرآن في الأساس هو دعوة إلى الصلاح والإصلاح، صلاح العالَم وإصلاح الناس، وهو بالمقابل حرب على الفساد والإفساد.

وتفيد معاجم اللغة أن مادة (صلح) تدل على خلاف مادة (فسد). يقال: صلَُح -بفتح اللام وضمها- الشيء يصلُح صلاحاً وصُلُوحاً: زال عنه الفساد. وأصلح في عمله أو أمره: أتى بما بما هو صالح ونافع. وأصلح بينهما: أزال ما بينهما من عداوة وشقاق. ويختص (الصلاح) بالأفعال غالباً. وقوبل في القرآن تارة بالفساد، وتارة بالسيئة، قال تعالى: {خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} (التوبة:102). وقال سبحانه: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} (الأعراف:56). و(صلاح) اسم من أسماء مكة. و(صالح) اسم النبي المرسل إلى قوم ثمود، قال تعالى: {وإلى ثمود أخاهم صالحا} (الأعراف:73).

وقد ورد لفظ (صلح) ومشتقاته في القرآن الكريم في ثمانين ومائة موضع، جاء في صيغة الفعل في ثلاثين موضعاً، من ذلك قوله تعالى: {وأصلحوا ذات بينكم} (الأنفال:1). في حين ورد في صيغة الاسم في خمسين ومائة موضع، من ذلك قوله تعالى: {والصلح خير} (النساء:128). وقرن القرآن الكريم بين الإيمان والعمل الصالح في واحد وخمسين موضعاً، من ذلك قوله سبحانه: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات} (البقرة:25).

ولفظ (صلح) ومشتقاته ورد في القرآن على معان، نذكر منها:

بمعنى (الإيمان)، من ذلك قوله تعالى: {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم} (الرعد:23)، قال الطبري: و"صلاحهم": إيمانهم بالله واتباعهم أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم. ونحو ذلك قوله سبحانه: {فأصدق وأكن من الصالحين} (المنافقون:10). أي: أكن من المؤمنين.

بمعنى (حُسن المنزلة)، من ذلك قوله تعالى في حق إبراهيم الخليل عليه السلام: {وإنه في الآخرة لمن الصالحين} (البقرة:130)، أي: إن إبراهيم في الدار الآخرة يوم القيامة لممن صلح أمره وشأنه عند الله، وحَسُنت فيها منزلته وكرامته. قال بعض أهل العلم: كل ما أخبر عنه القرآن عن إبراهيم عليه السلام أنه {في الآخرة لمن الصالحين}: يعني في المنزلة عند الله، نحو قوله سبحانه: {وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين} (النحل:122).

بمعنى (الرفق)، من ذلك قوله تعالى: {اخلفني في قومي وأصلح} (الأعراف:142)، قال البغوي: أي: ارفق بهم.

بمعنى (التزام شرع الله)، من ذلك قوله تعالى: {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت} (هود:88)، أي: ليس لي هدف من ورائي دعوتكم إلا أن تلتزموا شرع الله، فتأتمروا بأمره، وتنتهوا بنهيه. ونحو هذا قوله سبحانه: {إلا الذين تابوا وأصلحوا} (البقرة:160)، أي: تابوا عن المعاصي، والتزموا شرع الله. ولفظ (صلح) وما اشتق منه كثيراً ما يأتي في القرآن بحسب هذا المعنى؛ وذلك أن إصلاح العلاقة بين العبد وخالقه لا تكون إلا بالتزام شرعه أمراً ونهياً.

بمعنى (الطاعة)، من ذلك قوله تعالى: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} (الأعراف:56)، أي: بعد قيام الطاعة فيها لله تعالى. ومن هذا القبيل قوله سبحانه: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات} (البقرة:25)، أي: آمنوا بالله وأطاعوه. وهذا كثير في القرآن.

بمعنى (بر الوالدين)، من ذلك قوله تعالى: {ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين} (الإسراء:25)، أي: أن تكونوا أبراراً مطيعين قائمين بما لزمكم من حق الوالدين.

بمعنى (الوفاء وحسن الصحبة)، من ذلك قوله تعالى: {ستجدني إن شاء الله من الصالحين} (القصص:27). قال عمر رضي الله عنه: يعني: في حسن الصحبة والوفاء بما قلت.

بمعنى (المرسلين)، من ذلك قوله تعالى: {رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين} (الشعراء:83)، أي: اجعلني رسولاً إلى خلقك. ونحو هذا قوله عز وجل على لسان يوسف عليه السلام: {توفني مسلما وألحقني بالصالحين} (يوسف:101).

بمعنى (الحج)، وذلك قوله تعالى: {فأصدق وأكن من الصالحين} (المنافقون:10)، أي: أحج، وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما. وهو قول في المراد من (الصلاح) في الآية.

بمعنى (تسوية الخَلْق)، من ذلك قوله تعالى: {لئن آتيتنا صالحا} (الأعراف:89)، أي: دعَوا الله ربهما أن يكون المولود بشرًا سويًّا. وهذا قول في المراد من الآية. وعليه أيضاً قوله سبحانه: {فلما آتاهما صالحا} (الأعراف:190). وقد قال الطبري هنا: الصواب من القول أن يقال: إن الله أخبر عن آدم وحواء أنهما دعَوا الله ربهما بحمل حواء، وأقسما لئن أعطاهما ما في بطن حواء، صالحاً ليكونان لله من الشاكرين. و(الصلاح) قد يشمل معاني كثيرة: منها (الصلاح) في استواء الخلق، ومنها (الصلاح) في الدين، و(الصلاح) في العقل والتدبير. وإذ كان ذلك كذلك، ولا خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم يوجب الحجة بأن ذلك على بعض معاني (الصلاح) دون بعض، ولا فيه من العقل دليل، وجب أن يُعَمَّ كما عمَّه الله، فيقال: إنهما قالا: {لئن آتيتنا صالحا } بجميع معاني (الصلاح).

هذه أهم المعاني التي ورد عليها لفظ (صلح) ومشتقاته في القرآن، وهي معان مستفادة من السياقات التي وردت فيها، أو من الآثار التي رويت بشأنها، وهي في جملتها تفيد معنى (الصلاح) بمعناه العام، الذي هو خلاف الفساد، وبمعناه الشرعي، الذي هو طاعة الله والتزام أحكامه.
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 09-22-2013, 05:01 AM
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: اليمن
المشاركات: 500
افتراضي رد: ألفاظ قرآنية

لفظ (القرية) في القرآن





لفظ (القرية) في العرف المعاصر هو اللفظ المقابل للفظ (المدينة)، ولكل منهما دلالة تغاير الآخر قليلاً أو كثيراً، فإذا كان أولهما يشير إلى الفقر والتخلف من حيث الجملة، فإن الثاني يدل على الغنى والتحضر من حيث الجملة أيضاً. بيد أن لفظ (القرية) في القرآن الكريم له من الدلالة غير الدلالة المستعملة في عُرفنا المعاصر، نقف عليها بعد أن نستجلي معنى (القرية) في لغة العرب.

تذكر معاجم العربية أن لفظ (قري) يدل على جمع واجتماع، من ذلك (القرية) ، سميت قرية لاجتماع الناس فيها. وكما أن لفظ (القرية) هو اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس، فهو أيضاً اسم للناس جميعاً، ويستعمل في كل واحد منهما. ويقولون: قريتُ الماء في المقراة: جمعته، وذلك الماء المجموع قري. وجمع (القرية): قرى. والمقراة: الجفنة (وعاء الطعام)، سميت لاجتماع الضيف عليها، أو لما جمُع فيها من طعام. وقرى الضيف يقريه: ضيَّفه.

ولفظ (القرية) ورد في القرآن الكريم في ستة وخمسين موضعاً، جاء في جميعها بصيغة الاسم، ولم يأتِ بصيغة الفعل. وجاء هذا الاسم في أكثر مواضعه بصيغة المفرد، نحو قوله تعالى: {ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها} (النساء:75)، وجاء في مواضع أقل بصيغة الجمع، من ذلك قوله سبحانه: {ولتنذر أم القرى ومن حولها} (الأنعام:92).

ولفظ (القرية) ورد في القرآن الكريم على عدة معان، نسوقها على النحو التالي:


(القرية) ويراد بها مجتمع الناس في أي موضع، من ذلك قوله تعالى: {وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة} (الإسراء:58)، قال مجاهد: كل قرية في الأرض سيصيبها بعض هذا. ومن هذا القبيل قوله سبحانه: {وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها} (الحج:48).

(القرية) ويراد بها (مكة المكرمة)، من ذلك قوله تعالى: {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة} (النحل:112). ونحو هذا قوله سبحانه: {وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك} (محمد:3). وقوله تعالى: {الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها} (النساء:75)، فالمراد بـ {القرية} في هذه الآيات ونحوها مكة المكرمة.

(القرية) ويراد بها (مكة والطائف)، من ذلك قوله تعالى: {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} (الزخرف:31)، فقد قال المشركون بالله من قريش لما جاءهم القرآن من عند الله: هذا سحر، فإن كان حقاً، فهلا نزل على رجل عظيم من إحدى هاتين القريتين مكة أو الطائف. وليس في القرآن لفظ (القرية) على هذا المعنى غير هذه الآية.

(القرية) ويراد بها (أنطاكية)، وذلك قوله تعالى: {واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون} (يس:13)، روى الطبري عن قتادة ، قال: ذُكر لنا أن عيسى ابن مريم بعث رجلين من الحواريين إلى أنطاكية -مدينة بالروم، لعلها اليوم في تركيا- فكذبوهما.

(القرية) ويراد بها (بيت المقدس)، من ذلك قوله تعالى: {وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية} (البقرة:58)، روى عن قتادة وغيره، قال: بيت المقدس. وعلى هذا قوله سبحانه: {وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية} (الأعراف:161)، قال الطبري: هي قرية بيت المقدس.

(القرية) ويراد بها (سدوم)، مدينة من مدائن قوم لوط، وذلك قوله تعالى: {إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء} (العنكبوت:34)، ذكر الطبري أن المراد بـ (القرية) هنا قرية (سدوم)، وهي من قرى فلسطين اليوم.

(القرية) ويراد بها (نينوى)، وذلك قوله تعالى: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس} (يونس:98)، قال قتادة: ذُكِرَ لنا أن قوم يونس كانوا بـ (نينوى) أرض الموصل.

(القرية) ويراد بها (الأيلة)، من ذلك قوله تعالى: {حتى إذا أتيا أهل قرية} (الكهف:77)، روى الطبري عن ابن سيرين أنها الأيلة. ونحو ذلك قوله سبحانه: {واسألهم عن القرية} (الأعراف:163)، روى عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: هي قرية يقال لها: أيلة (تقع في أقصى جنوب فلسطين)، بين مدين والطور. وهذا قول في المراد بـ (القرية) في هذه الآية.

(القرية) ويراد بها (مصر)، من ذلك قوله تعالى: {واسأل القرية التي كنا فيها} (يوسف:82)، قال الطبري: هي مصر.

وعلى ضوء ما تقدم، يمكن القول: إن لفظ {القرية} أكثر ما ورد في القرآن الكريم على المكان الذي يجتمع فيه الناس، وهذا ما يدل عليه المعنى اللغوي أساساً، أما المعاني الأخرى التي حُمل عليها معنى {القرية} في القرآن، فقد أرشدت إليها آثار عن السلف، عينت المراد منها.
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 09-22-2013, 05:02 AM
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: اليمن
المشاركات: 500
افتراضي رد: ألفاظ قرآنية

لفظ (الحساب) في القرآن




لفظ (الحساب) حاضر في القرآن الكريم بقوة، يكفينا في هذا أنه سبحانه جعل من أسماء يوم القيامة (يوم الحساب). فما هي دلالة هذا اللفظ المحوري في القرآن الكريم؟ وقبل ذلك، ما هي دلالته في لغة العرب؟

تفيد معاجم اللغة أن مادة (حسب) تدل على معان أربعة رئيسة، هي وفق التالي:

أولاً: العدُّ. تقول: حسبت المال أحسبه حسباً وحسباناً، أي: أعده. ويدخل في هذا المعنى: الحسبان بمعنى الظن؛ لأنه إذا قال: حسبته كذا، فكأنه قال: هو في الذي أعده من الأمور الكائنة. ويدخل فيه أيضاً: الحَسَب، وهو ما يُعدُّ من مآثر الإنسان. ويدخل فيه أيضاً، قولهم: احتسب فلان ابنه، إذا مات كبيراً؛ وذلك أن يعده في الأشياء المذخورة له عند الله تعالى. ويدخل فيه أيضاً: الحسبة بمعنى حسن تدبير الأمر، يقال: فلان حسن الحسبة بالأمر، إذا كان حسن التدبير؛ لأنه إذا كان حسن التدبير للأمر، كان عالماً بعِداد كل شيء وموضعه من الرأي والصواب. ويدخل فيه أيضاً: الحسبة: بمعنى احتسابك الأجر.

ثانياً: الكفاية. تقول: شيء حساب، أي: كاف. ويقال: أحسبت فلاناً، إذا أعطيته ما يرضيه؛ وكذلك حسبته.

ثالثاً: الحسبان، جمع حِسبانة، وهي: الوسادة الصغيرة. وقد حسبت الرجل أحسبه، إذا أجلسته عليها، ووسدته إياها.

رابعاً: الأحسب: الذي ابيضت جلدته من داء، ففسدت شعرته، كأنه أبرص. قال ابن فارس بعد أن ساق هذه المعاني الأربعة للفظ (الحساب) في اللغة: "وقد يتفق في أصول الأبواب هذا التفاوت الذي تراه في هذه الأصول الأربعة"، يريد أنه لا يُستغرب في كلام العرب أن تدل الكلمة على معان متفاوتة.

وقد ورد لفظ (الحساب) في القرآن في ثمانية ومائة موضع، جاء في خمسين منها بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة} (البقرة:214). وجاء في ثمانية وأربعين منها بصيغة الاسم، من ذلك قوله سبحانه: {والله سريع الحساب} (البقرة:202). وجاء على صيغة اسم فعل في عشرة مواضع، من ذلك قوله عز وجل: {فإن حسبك الله} (الأنفال:62).

ولفظ (الحساب) ورد في القرآن الكريم على عدة معان، منها:

بمعنى الكثرة، من ذلك قوله سبحانه: {جزاء من ربك عطاء حسابا} (النبأ:36)، قال قتادة: عطاء كثيراً، فجزاهم بالعمل اليسير الخير الجسيم، الذي لا انقطاع له. على نحو قوله سبحانه: {عطاء غير مجذوذ} (هود:108).

بمعنى الثواب والجزاء، من ذلك قوله تعالى: {إن حسابهم إلا على ربي} (الشعراء:113)، أي: أجرهم. قال ابن عاشور: (الحساب) يطلق على الوفاء بالحق، يقال: حاسبه، أي: كافأه، أو دفع إليه حقه، ومنه سمي يوم (القيامة) يوم (الحساب)؛ لأن فيه يكون الجزاء على العمل. ونحو هذا قوله عز من قائل: {إنهم كانوا لا يرجون حسابا} (النبأ:27). أي: لم يكونوا يعتقدون، أن ثمة داراً يجازون فيها، ويحاسبون.

بمعنى الكفاية والشهادة، من ذلك قوله سبحانه: {وكفى بالله حسيبا} (النساء:6)، قال السدي: {حسيبا}: شهيداً. وقال ابن كثير: وكفى بالله محاسباً وشهيداً ورقيباً. ومن هذا القبيل، قوله عز وجل: {كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} (الإسراء:14)، قال الطبري: حسبك اليوم نفسك عليك حاسباً، يحسب عليك أعمالك، فيحصيها عليك، لا نبتغي عليك شاهداً غيرها.

بمعنى المحاسبة والعرض يوم القيامة، من ذلك قوله تعالى: {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} (إبراهيم:41)، قال الشوكاني: يوم يثبت حساب المكلفين في المحشر. ونحوه قوله عز من قائل: {فسوف يحاسب حسابا يسيرا} (الانشقاق:8)، قال المفسرون: هو أن تعرض عليه سيئاته، ثم يغفرها الله، فهو الحساب اليسير.

بمعنى العدد، من ذلك قوله سبحانه: {لتعلموا عدد السنين والحساب} (يونس:5)، أي: عدد أوقات السنين، والشهور، والأيام، والساعات.

بمعنى التقتير والمِنَّة، من ذلك قوله عز وجل: {والله يرزق من يشاء بغير حساب} (البقرة:212)، أي: أنه سبحانه يعطي من يشاء من خلقه، فيجود عليه، بغير محاسبة منه، ولا مِنَّة. ومن هذا القبيل قوله تعالى: {وترزق من تشاء بغير حساب} (آل عمران:27). وعلى هذا المعنى كثير من آيات القرآن.

بمعنى حساب منازل الأفلاك، من ذلك قوله سبحانه: {الشمس والقمر بحسبان} (الرحمن:5)، قال الطبري : جعل الشمس والقمر يجريان بحساب وعددٍ لبلوغ أمرهما، ونهاية آجالهما، ويدوران لمصالح الخلق التي جُعِلا لها. ومنه قوله تعالى: {والشمس والقمر حسبانا} (الأنعام:96). وليس غير هاتين الآيتين في القرآن على هذا المعنى. أما قوله تعالى: {ويرسل عليها حسبانا} (الكهف:40)، أي: عذاباً من السماء، ترمي به رمياً، وتقذف. و(الحسبان): جمع حُسْبانة، وهي المرامي. وهذا مروي عن قتادة وغيره.

بمعنى الظن، من ذلك قوله عز وجل: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا} (آل عمران:169). أي: ولا تظنن. ومنه قوله سبحانه: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} (البقرة:273). وعلى هذا المعنى كثير من آيات القرآن.

وقد ذكر أصحاب الفروق اللغوية، أن الظن درجة فوق الحسبان، فالظن أقرب إلى العلم، والحسبان دون درجة الظن، فأنت تقول: أظن زيداً قد سافر، وذلك لرجحان علمك بسفره، وتقول: أحسبه قد سافر، وذلك في حال عدم حصول العلم لديك بسفره. ثم توسعوا باستعمال (الحسبان)، فأصبح يطلق بمعنى (الظن). وفرقوا بين الفعل والمصدر منهما، فقالوا في (الظن): حَسِب -بكسر السين- حِسباناً: ظن. وقالوا في (الحساب): حَسَب -بفتح السين- حِساباً وحُسباناً: عدَّ وأحصى.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:38 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
كل الآراء المنشورة ( مواضيع ومشاركات ) تمثل رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن رأي القائمين على الموقع


دعم وتطوير استضافة تعاون