هموم خادمة

هموم خادمة
سيدتي: يا من منحك الله الغنى وكرمك بالعز والرفاهية, وأحوجني إليك, أنا امرأة مثلك ,كانت لدي أحلام وطموحات لأن أرزق ما رزقت , وأن أتزوج من رجل غني يجلب لي خادمة تخدمني وأعيش ملكة في بيت زوجي مثلك , لكن قدر الله لي ما شاء فتزوجت من رجل قليل ذات اليد , ضاقت به الحيل , ولا يملك من المال شيئاً يستطيع به الإنفاق علي وعلى أولادي, فبتنا نعاني مرارة الفقر والحاجة , حتى قررت أن أضحي بسعادتي وكرامتي من أجلهم, تركت قلبي في بلدي بين زوجي وأبنائي وأهلي, وجئت إليك وأنا لا أملك سوى جسداً فارغاً من كل معاني السعادة, جسداً يملؤه الخوف والقلق مما سيؤول إليه حالي عند مجيئي إليك , لأنني سمعت كثيراً عن سوء معاملتكم للخدم , وازدرائكم واحتقاركم لهم , ورغم ذلك جئت وكلّي أمل في أن يكون حظي أوفر وأسعد ممن سبقني في مجال خدمتكم .
سيدتي أتيت إليك وأنا أتجرع مرارة الغربة والوحشة , أتيت وقد نسيت الابتسامة الحقيقية, فلا تستغربي من وجومي وعدم ابتسامتي, ولا تتشائمي عند رؤيتي , فقد فقدت نضارتي يوم تركت أحبابي.
سيدتي ربما تستغربين أو تخافين مني إن وجدت معي بعض التعاويذ والطلاسم, لكني تعلمت من بعض الناس في بلدي أن مثل هذه الأمور يمكنها أن تمنحني الأمان وتحفظني من كل مكروه وخاصة أني مقبلة على مجهول, فترفقي بي ولا تسيئي الظن وأمهليني حتى أتعلم بين يديك ماهو حلال وحرام..
سيدتي عندما رأيتك لأول وهلة وجدت فيك نظرات الشك والاستعلاء والاشمئزاز, فزاد قلقي وحزني, بينما كنت أتمنى أن أجد نظرة رحمة تشعرني بشيء من الأمان في خضم أمواج الرعب والخوف المتلاطم , فزاد خوفي وعندها قررت الحذر منك, وزدت سيدتي في امتهاني وانتهاك خصوصيتي عندما استقبلَتيني بتفتيش أغراضي الخاصة , والتي قضيت أياماً في بلدي أجمعها , ودفعت الكثير من الأموال لأحصل عليها, وكأني مجرمة , وكان الأولى بك الترحيب بي وإكرامي, فأنا إنسانة مسلمة وأدخل بيتك لأول مرة, وأتحمل المسؤولية عنك, , ألم يكن من الأولى والأجدر بك أن تستقبليني استقبالاً حسناً , وخاصة أنك مسلمة ومن شرعنا إكرام الضيف والإحسان إلى الداخل للبيت ولو كان عدواً, أنسيت سيدتي أني امرأة مثلك حرة ولست مستعبدة, وأشعر بكل ما تشعرين به , وأتألم مما تتألمين منه, ويعتريني ما يعتريك من مشاعر الحب والحزن والغضب والرحمة.... بل وأكثر منك , لأنك تغضبين وتحزنين وتبكين ولا تتحملي أقل ضغط لتنفجري, وأنت في مملكتك, بين زوجك وأبنائك وأهلك وأحبابك, وفي بلدك, فكيف بي وقد حرمت حنان الأم وحب الزوج وبر الأبناء, أليس طبيعياً أن يبدر مني غضب أو تقصير في بعض الأعمال, وخاصة أنكم تطلبون مني تنفيذ عدة طلبات في وقت واحد وأنا بشر والبشر لا يمكن أن يكونوا ملائكيين.
سيدتي كنت آمل أن أمنح يوماً للراحة من عناء السفر فالسفر قطعة من العذاب, أتيت وبي من التعب والألم مالله به عليم , أتلمس الأرض أريد أن أنام, وكنت أحلم بغرفة مريحة مستقلة, آوي إليها بعد عناء الشغل المتواصل, ولكني فوجئت بتسليمي أعمال البيت فور وصولي, وتسليمي مكان نومي , فإذا بي أُخيَّر بين المطبخ أو غرفة الأطفال المزعجين,سيدتي كنت أتمنى أن أعيش بينكم كواحد من أفراد أسرتكم, أشارككم الأكل لأني لا أحب أن آكل لوحدي كالبعير الأجرب, ولكني فوجئت بمعاملة أقل من معاملة البهائم.
سيدتي كم كنت أتمنى أن أحظى باهتمامك بتعليمي أمور ديني كما تعلمين أبنائك, لكن نظرتكم لي كانت كآلة عمل وتنظيف, لا تستحق أي تعليم أو أي اهتمام.
اعذريني سيدتي فبسبب معاملتك القاسية- وعدم احترام أولادك لي وعدم تقديرهم لفارق السن بيني وبينهم , وإساءة أدبهم وتطاولهم علي, رغم أنهم في عمر أبنائي,وتحميلي فوق طاقتي- فكرت مراراً في الانتقام منك والهروب من بيتك....... انتهى

هذه هموم كل الخادمات وليست خادمة واحدة , وهكذا تعامل أكثر الخادمات إلا من رحم الله , ثم يكثر الكلام عن جرائمهن ومصائبهن.
أيها القارئ إن كثيراً من الناس لا يكاد يسمع سباً أو شتماً من أحد, ولو لمرة واحدة , ويتركه من دون انتقام , وإذا ضُرب من أحد, فإنه ينتقم فوراً , لأن لديه القدرة على ذلك , والخادمة بشر مثلكم يغضب وينتقم, ولكن لظروف عملها قد تؤجل الانتقام ولو لبعد حين.

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما استعبد الإنسان إحسان