لـذّة الـهـرب ! }{}{قراءة أدبية }{}{

الحمد لله وكفى
والصلاة والسلام على رسوله المصطفى
وعلى صحابته وآله ألي النصرة الوفا


أما بعد



النجاة ..
حياة تنبت من تربة الحتف
وميلاد ينمو بماء الهرب


وبين أيدينا نص يجسّد هذه الحقيقة على أرض الشعر




الحارث بن وعلة الجرمي


فارس من فرسان الجاهلية وشعرائها


كان حامل لواء جرم في يوم الكلاب الثاني
وهو اليوم الذي دارت رحى الحرب فيه بين
قبيلة تميم وأحلافها من الرباب
وبين مذحج وأحلافها من قبائل اليمن


وكانت الدائرة على مذحج وحلفائها
و كان شاعرنا أحد رجالهم


ففر مع من فر


ووصف لنا هذه الحالة المسعورة


وهو يرى السيوف تحصد رؤوس الأبطال
والرماح تخترق صدور الفرسان



وقد فدّى رجليه بأمه وخالته !
وشبه نفسه بالعقاب


ثم في أثناء هربه
سجل حدثاً عرض له
وهو سؤال أحد من قاتلوا تحت ظل رايته
أن يردفه
فما كان من الشاعر إلا أن يركل صرخات هذا الرجل
وكان من قبيلة نهد وعم وجرم قبيلة الشاعر أبناء عمومة


وكان تعليله أن لا نسب الآن
إنما هو الهرب!





فدىً لكما رِجْلَيَّ أمي وخالتي ... غداة الكلاب إذ تحزُّ الدوابرُ
نجوتُ نَجَاءً لم ير الناس مثله ... كأني عقابٌ عند تيمنَ كاسرُ
خداريّةٌ سفعاءُ لبَّد ريشَهَا ... من الطلِّ يومٌ ذو أهاضيب ماطرُ
كأنا وقد حالت حُذُنَّة دوننا ... نعامٌ تلاه فارسٌ متواترُ
فمن يك يرجو في تميم هوادةً ... فليس لجرم في تميم أواصرُ
ولما سمعت الخيل تدعو مقاعساً ...تطالعني من ثغرة النحر جائرُ
فإن أستطع لا تلتبس بي مقاعسٌ ... ولا يرني مباداهم والمحاضرُ
ولا تلك لي حدادة مُضَريَّةٌ ... إذا ما غدت قوت العيال تبادرُ
يقول لي النهديُّ: إنك مُرْدفي ... وكيف رداف الفَلّ، أمُّك عابرُ
يذكرني بالرحم بيني وبينه ...وقد كان في نهد وجرم تدابرُ
ولما رأيت الخيل تترى أثائجاً ... علمت بأن اليوم أحمس فاجرُ



وهنا تنقطع أنفاس الأبيات
ولعل تتابع أنفاس اللهث
قد قطعت خيط الإلهام
وكأني بالشاعر
وقد انقطعت به سبل الهرب إلى ملجأ حصين
وملاذ آمنٍ
ليتوقف أخيراً في التقاط أنفاسه المتمزقة
والتي كانت على وشك ألا تعود إليه !

يتبع>>