أشكال السرديات في الموروث العربي

أشكال السرديات في الموروث العربي
يعرّف بعض النقاد السرد بأنه: دراسة القصص العربي القديم، واستنباط الأسس التي يقوم عليها، وما يتعلق بذلك من أساليب تحكم إنتاجه وتلقيه. أو هو العلم الذي يعني بمظاهر الخطاب السردي أسلوبًا وبناءً ودلالةً، ويشمل الأخبار والحكايات، والقصص، والأساطير، وغيرها.
ويتجلى مفهوم السرديات في ثلاثة عناصر: الراوي، والحكاية، والمتلقي، وتقوم هذه السرديات على المشافهة.
أشكال الفنون السردية في الموروث العربي:
1 ـ القصة: ارتبط القصص في البداية بالقرآن الكريم، الذي امتازت قصصه بالصدق، والحقّ، واليقين، والاعتبار، والتدبّر.
ويتمثل موقف الرسول الكريم من القصّ في قوله:" لا يقص على الناس إلاّ أمير أو مأمور أو محتال". فالأمير والمأمور يوظف القصة في خدمة الدين؛ لذا أقرّ الرسول الكريم تميم الدارمي في قصصه؛ لأنها توافق الحق، وأعرض عن قصص النضر بن الحارث لما فيها من تكذيب للدين.
وقد بدأت القصص في عهد الرسول الكريم، غير أنها أصحبت مهنة لبعض الناس في عهد الخلفاء الراشدين، وكانت مهمة هؤلاء القصاصين مهمة دينة، فكانوا ذا مكانة مرموقة في المجتمع، ثم خرج بعض القصاصين عن مهمتهم الدينية، فتراجعت مكانتهم.
2 ـ الحكاية الخرافية: يتبين من معناها اللغوي أنها ترتبط بالقصص الكاذبة الناجمة عن فساد العقل، وهي تراجع إلى عصور قديمة عندما حاول الإنسان أن يجد تفسيرًا للظواهر الكونية من حوله.
ويظهر في بنية الخرافة اتصالها بعالم الجن، والغيبيات، والسحر، والتحول الذي يحدث في الشخصيات بحيث تتغير طبيعتها. وقد أذن الرسول لدخول الخرافة من خلال رواية الأحاديث حول جساس وغيره، ثم اتخذها بعض الخلفاء وسيلة للتسلية. وفي القرن الثاني لجأ إليها الكتاب والشعراء، كما فعل ابن المقفع الذي ترجم ألف ليلة وليلة، التي اختلفوا على أصلها أعربية هي أم هندية أم فارسية، كما اختلفوا على مؤلفها أهو شعبي مجهول، أم عمل جماعي أسهم فيه كثيرون.
وفيما يتصل بالبنية السردية للحكاية الخرافية فهي تتسم ببساطة التركيب، وتعدد مستويات الرواية، وتشتمل على مرويّ، وراوٍ، ومرويّ له. وقد تعددت الحكايات ويكون الراوي واحدًا كما هو في حكايات السندباد.
3 ـ السيرة: تتصل السيرة في الموروث الديني بالترجمة لحياة الرسول الكريم، كما اقترنت بالمغازي الدالة على مناقب الغُزاة. غير أن ثمة فرقًا بين السيرة، والترجمة، فالأخيرة، عبارة عن خُلاصات موجزة للتعريف بأعلام الحديث، والفقة، والأدب.
وقد تعددت أنواع السيرة، بالإضافة إلى السيرة النبوية، السيرة الشعبية، الدالة على مجموعة الأعمال الروائية الطويلة، فضلاً عن السيرة الذاتية، والسيرة الموضوعية. والفرق بين الأخيرتين أن الأولى يقوم فيها الكاتب بكشف تكوينه الفكري، في حين أن الثانية يحاول فيها أن يصور حياة غيره من الشخصيات الدينية، والتاريخية، والأدبية... وأما السيرة الشعبية فتنتمي على مرويات العامة، كسيرة عنترة، والسيرة الهلالية. ولعل من صفات السيرة الشعبية الإنشاد الذي يدوم عدة أشهر، والمتون الضخمة، إضافة على حاجات المتلقي فما يفرض على الراوي أن يحذف أو يضيف بعض الأحداث.
4 ـ المقامة: هي نوع من القصص القصيرة تقتضي بطلاً، وراويًا، ولعل أول هذا المقامات مقامات بديع الزمان الهمذاني، الذي جعل بطلها أبا الفتح الإسكندري، وراويها عيسى بن هشام، ثم نسج على منواله الحريري مقاماته، التي جعل بطلها أبو زيد السروجي، وراويها الحارث بن همّام.
وتهدف هذه المقامات إلى الكدية، أو الشحاذة الأدبية، فضلاً عن الأهداف الأخرى، قد تكون لغاية تعليمية، أو نقدية.
5 ـ الخبر: يرتبط الخبر بالتاريخ والأنساب، وقد عدّه الجاحظ جنسًا من أجناس الأدب العربي، إلى جانب الأشعار والأمثال.
ويستند مستوى الخطاب في الخبر إلى استعادة قول الراوي، فمهمة الراوي الأخير إبلاغ السامع حديث الأول، وحتى لا يتغير الخبر اهتم العلماء بالإسناد.
6 ـ الأسطورة: تهدف الأسطورة إلى التعبيرعن الشعور الجمعي إزاء الكون، وهي ترتبط بحكايات الآلهة، والحكايات الخرافية، التي تقع في الكون، وتحاول تفسيرها. وهي ترتبط أيضًا بتاريخ الأجناس البشرية، وتعتمد على الرواية الشفوية، وتوظف الرمز، والتمثيل.
ولها أنواع منها الأسطورة الكونية، والأسطورة التعليلية، والأسطورة الحضارية، والأسطورة الرمزية. وثمة عدد من النظريات، التي حاولت تفسير نشوء الأسطورة ؛ كالتفسير الحضاري، ونظرية السحر، وغيرها.
وأخيرًا فإن أشكال السرديات ـ وإن تعدد مفهوم كل منها، ومايسعى إليه ـ فإنها تشترك في كونها رسالة ينشئها مرسلٌ لتصل إلى المتلقي.

\7

\7

جزاك الله خيرا دكتور سليم السلمي على هذا التلخيص الشامل