فساد نصف كوم

فساد نصف كوم

حقيقة، إنّ كلمة فساد تُزعج الكثير من الناس، سواء على مستوى المسؤول الذي يتجنب هذه الكلمة خوفاً من وجودها في إدارته، أو خوفاً من انكشاف أمره أمام الآخرين لعشقه لها، أو على مستوى المواطن الذي ينشد العيش الكريم؛ فالفساد مصطلح واسع وكبير، أختصره في أنه عدم الالتزام بالنظام، سواء الاجتماعي أو المالي أو الإداري أو الثقافي أو السياسي وغيره، ولكني هنا لستُ باحثاً عن الشهرة أو التشهير بالمفسدين، وإنما للنقد والبحث والإصلاح والتقويم، وما سأقدمه ما هو إلا فيضٌ من غيضٍ نبع من قلب مواطن غيور على دينه ووطنه، فهذه المواضيع أصبحت حديث الكثير من المجالس، يتمنى فيها الكثير من الناس أن تصل أصواتهم؛ لما تجرعوه من الفساد وتبعاته؛ حيث يجد الكثير من المواطنين أنهم عاجزين أمام الترهل الإداري والروتين الممل والقرارات المزعجة التي لا يلبث أحدها إلا ويأتي آخر يبعده، وها أنا أكتب ونحن في عصر الفضاء الواسع والتكنولوجيا المتقدمة؛ فلم يعد شيء يغيب أو يخفى على أحد اليوم؛ فقد أصبح كثير ممن امتلك مهارة الكتابة والتصوير والإخراج وغيرها، من خلال الأجهزة الحديثة والشبكة العنكبوتية، قادراً على فضح هذا الفساد، وبخاصة أن هناك مَنْ ضرب بيد من حديد ضد الفساد، وجعل لنا فرصة النقد والبحث عن مصادر الفساد، من خلال تشخيص وتحديد المشكلة والعمل على علاجها بالمقترحات والاستفادة من تجارب الدول التي قطعت شوطاً كبيراً في القضاء على مظاهر الفساد، وذلك في ظل قيادة حكيمة رشيدة؛ فسيدي خادم الحرمين الشريفين قد تقدم بالمملكة إلى المراكز الأولى لمكافحة الفساد؛ فكثير مما يقع من مظاهر الفساد قد يكون بسبب أو بآخر، منها عدم الفهم بالأساس للأنظمة واللوائح أو عدم وجود تشريعات توضح كيفية التعامل والتطبيق، وكذلك الغموض الذي يصاحب اللوائح والأنظمة والتشريعات القديمة الموجودة، وضعف كثير من الأجهزة في تأهيل وتدريب موظفيها الذي كانت - وما زال - حجر العثرة في سبيل التقدم والتطور؛ فكثير من الأجهزة الحكومية تجد تشريعاتها لم تواكب الجديد، وكذلك عدم شمولها جوانب مهمة، وكثيرة لم تكن موجودة آنذاك حين أُقرّت؛ فأنت لا تجد سواء كنت موظفاً أو مواطناً اللوائح والأنظمة أو حتى مجرد معلومات مطبوعة في كتيب صغير يوزع على المواطن المراجع أو على مكتب الموظف المسؤول ولا حتى منشوراً؛ حيث نجد أن أغلب القرارات التي تتخذ بين حين وآخر ارتجالية ولم تعتمد المعايير والأسس الصحيحة في دراستها وتطبيقها؛ ما ينعكس بالسلب ليس فقط على ذلك الجهاز بل قد يفتك بأشياء أخرى سواء مادية أو بشرية؛ ومن هنا لا بد أن تُلزم المؤسسات الحكومية بأن تعمل على البدء في تطبيق استراتيجيات جديدة تعتمد بالدرجة الأولى على تأهيل وتدريب موظفيها كافة، والعمل على نشر وتطوير اللوائح والتشريعات للجوانب كافة المتعلقة بمصلحة الوطن والمواطن.

د. عبدالله بن فلاح الناهسي

صحيفة سبق الالكترونية

--------------------------------------------------------------------------------------

فساد نصف كوم (2)

أستكملُ ما بدأته في المقال الأول عن الفساد وبعض أسبابه؛ حيث تطرقت إلى غياب كثير من الأنظمة والتشريعات، وعدم وجود دليل إرشادي بين أيدي الموظفين يبيّن اللوائح التي توجّه الموظف والمواطن على حد سواء، وفي حال وجود بعض تلك اللوائح والأنظمة، إما من خلال الإنترنت أو بعض الكتب أو كما في موقع الخدمة المدنية، فإن هناك عدم التزام بالتطبيق أو عدم فَهْم لهذه التعليمات.

وسأتطرق اليوم إلى موضوع مهم، وقد أُشبع طرحاً ونقاشاً من خلال بعض البرامج التلفزيونية أو المنتديات والصحف، وذلك من خلال ما نشاهده من خروج لثروات وخيرات البلد بأيدي من لا يهمه مصلحة هذا الوطن، والشاهد على ذلك أننا لا نرى السيارات الفارهة والمنازل الجملية إلا معهم، في حين أن بعض المواطنين السعوديين ليس لديهم إلا أقل من قوت يومهم؛ فقد بيّنت بعض الدراسات أن ما نسبته 69% من سكان المملكة العربية السعودية مستأجرون لا يملكون حتى (صندقة) أو عشه، كما أن ما نسبته 26% من الشباب السعودي هم ممن قد انضم لسلك البطالة؛ فالأرقام مخيفة والأخبار مفجعة؛ فقد ثبت أن من ضمن هؤلاء عدد 600 يحمل درجة الدكتوراه و3000 ماجستير، وهم أكفأ وأولى من أولئك الوافدين العرب أو العجم، فمثلاً عندما يتم التعاقد مع أعضاء الهيئة التدريسية الوافدة فإن ذلك يتم من خلال الملحقية الثقافية السعودية في بلد ذلك الوافد من خلال معاينة أوراقه والمقابلة الشخصية، ويتم تعيينه براتب لا يقل عن 7500 في أسوأ الأحوال، ويُعطى بدل سكن 25000 ريال مباشرة، وبدل أثاث 17 ألف ريال، إضافة إلى تذاكر له ولأسرته، علماً بأنه قد يكون خريج إحدى الجامعات غير المعترف بها من قِبل وزارة التعليم العالي السعودية، أما إذا كان سعودياً فسيتم من خلال التقديم إلى رئاسة قسم تخصصه، وستُعقد له لجنة ثم عمادة تلك الكلية ثم وكالة الجامعة، ومن ثم على مستوى الجامعة من خلال رئاسة الجامعة، وقد يضطر للرفع للرياض لأخذ الموافقة؛ فقد يستمر ذلك نحو سنة، أما أخونا الفقير ذلك الوافد فلا يكلف من الجهد والوقت إلا أربعاً وعشرين ساعة، ولكم أن تسألوا الشؤون الثقافية في الملحقية الثقافية السعودية بعمان عندما طلبت منهم جامعة الأميرة نورة 409 أعضاء هيئة تدريس سواء معيدين أو محاضرين أو أساتذة مساعدين ومشاركين.. وما يزعج هنا أن من ضمن ذلك العدد تخصص الثقافة الإسلامية البالغ 65 وظيفة، ونحن نعلم جميعاً أن بنات الوطن بمراتب الشرف لهن أكثر من خمس سنوات لم يتم تعيينهن..

كل ما سبق ذكره مدروس دراسة لها أهدافها، إما من خلال الحرس القديم الذي يحارب الشاب السعودي خوفاً على كرسيه الذي يقبع تحته منذ سنوات طويلة؛ وذلك لأن الجيل الجديد يمتلك من القدرة القيادية والمهارات الحياتية ما لا يملكه أولئك؛ وذلك لما وهبه الله للجيل الجديد من معرفة وثقافة غزيرة.. فخلاصة هذه الجزئية أن هناك فرقاً كبيراً بين الحرس القديم والجيل الجديد، إضافة إلى الفجوة الكبيرة التي لا يمكن دفنها إلا بإحالة كل من وقف حجر عثرة أمام النهضة السعودية للتقاعد وإعطاء الجيل الجديد الفرصة للنهوض والتقدم بالوطن والمواطن.

وعليه فإن كل ما تقدم يولد فساداً مختلفاً ومن زوايا متعددة، تشترك فيها جهات حكومية ورجال أعمال وقيادات وزارية وإدارية، يكون للوافدين فيها حصة الأسد بشكل مباشر أو غير مباشر، وعليه لا بد من إيجاد حلول عاجلة لإحلال الشباب السعودي في الأعمال الوطنية ابتداءً بالمراتب العليا والمراكز القيادية، وليس سائقي تاكسي وموظفي وجبات سريعة؛ وذلك لكبح مظاهر الفساد الكثيرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د. عبدالله بن فلاح الناهسي

صحيفة سبق الالكترونية

طرح راقي ومفيد

شكرا وصل الله العالي

وصل الله العالي

يعطيك الف عاافية طرح قيم

يدل على احساسك بالمسؤولية اتجاه وطنك

لك كل التقدير