تسجيل دخول

العودة   منتدى سليم > المنتدى الــعـــام > منتدى قبيلة سليم الإسلامي > منتدى الشـريعة والحيــاة
منتدى الشـريعة والحيــاة منتدى مخصص للمواضيع الاسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-20-2012, 10:17 PM
الصورة الرمزية الزهراء
الزهراء غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
الدولة: الدنيا الفانية
المشاركات: 4,297
افتراضي سيرة الإمام الشافعي [متجدد]

[table1="width:100%;background-image:url('http://www.solaim.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/48.gif');ba
ckground-color:white;border:3px groove deeppink;"][cell="filter:;"]



أقدم لكم سيرة أحد أئمة الحديث وهو الإمام الشافعي رحمه الله.
للتعرف على سيرته إبقوا بالقرب من هنا



******



مرض الشافعي ووفاته

أصيب الشافعي في آخر حياته بمرض البواسير و كان يظن أنَّ هذه العلة إنما نشأت بسبب استعماله اللُّبان - وكان يستعمله للحفظ - وبسبب هذه العلة ما انقطع عنه النزيف وربما ركب فسال الدم من عقبيه.
وكان لا يبرح الطست تحته وفيه لبدة محشوة، وما لقي أحد من السقم ما لقي, وعن مرضه يحدثنا يونس بن عبد الأعلى قال ما رأيت أحدا لقي من السقم ما لقي الشافعي فدخلت عليه فقال اقرأ ما بعد العشرين والمئة من آل عمران فقرأت فلما قمت قال لا تغفل عني فإني مكروب.
ويحدثنا المزني عن آخر لحظات من حياة الشافعي فيقول : قال دخلت على الشافعي في موته الذي مات فيه فقلت يا أبا عبد الله كيف أصبحت فرفع رأسه وقال أصبحت من الدنيا راحلاً ولإخواني مفارقاً ولسوء عملي ملاقياً وعلى الله وارداً ما أدري روحي تصير إلى جنة فأوهنيها أو إلى نار فأعزيها ثم بكى, وأنشأ يقول :

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي *** جعلت رجائي دون عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنتــه *** بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب *** لم تزل تجود وتعفو منه وتكرما
فإن تنتقم مني فلست بآيس *** ولو دخلت نفسي بجرمي جهنما
ولولاك لم يغوي بإبليس عابد *** فكيف وقد أغوى صفيك آدما
وإنّي لآتي الذنب أعرف قدره *** وأعلم أن الله يعفو ترحما 1. انتهى



قال أبو العباس الأصم حدثنا الربيع بن سليمان دخلت على الشافعي وهو مريض فسألني عن أصحابنا فقلت إنّهم يتكلمون فقال ما ناظرت أحدا قط على الغلبة وبودي أن جميع الخلق تعلموا هذا الكتاب يعني كتبه على أن لا ينسب إلي منه شيء قال هذا يوم الأحد ومات يوم الخميس, ودُفِنَ الشافعي رحمة الله تعالى عليه في القاهرة في أول شعبان، يوم الجمعة سنة مائتان وأربع هجري, مات وعمره أربعة وخمسون سنة , وكان له ولدان ذكران وبنت واحدة و قد تزوج من امرأة واحدة رحمه الله وأسكنه فسيح جنّاته وجزاه الله عن الإسلام أحسن الجزاء.


1- قال الذهبي إسناد هذه الأبيات ثابت



\7





يتبع





[/cell][/table1]
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-20-2012, 10:22 PM
الصورة الرمزية الزهراء
الزهراء غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
الدولة: الدنيا الفانية
المشاركات: 4,297
افتراضي رد: سيرة الإمام الشافعي [متجدد]

[table1="width:100%;background-image:url('http://www.solaim.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/48.gif');ba
ckground-color:white;border:3px groove deeppink;"][cell="filter:;"]





أدب الشافعي مع مخالفيه


إن وجد الشافعي -رضي الله عنه- نفسه يخالف(1) في بعض آرائه الإمامَ مالك، فإنه لم يكن يعرِّض لذلك، ولم يكن يناقشه، ولم يكن يتحدث حتى لا يضع نفسه من أستاذه موضع الرّادِّ على رأيه, إلى أن بلغه أنَّ في المغرب أناسًا وصل بهم التقديس الأعمى للإمام مالك, فصاغ الشافعي هنا في هذا الوقت المتأخر من حياته كتاب بعنوان "خلاف مالك" أي المسائل التي أختلف فيها مع الإمام مالك، وقال: إنَّ الإمام مالك بَشَر يصيب ويُخطِئ، وهو -أي الشافعي- بشر يصيب ويخطئ، وبدأ يناقش مسائل يرى خلافًا فيها مع مالك.
وفي كثير من الأحيان ذهب كثير من الأئمة العظام ضحية عصبية تلامذتهم، وهذا في التاريخ كثير, فقد يكون الإمام عظيمًا لكن له تلامذة يتعصبون ويتشنَّجون.

وكان الشافعي يدعو إلى عدم التعصب في أمر من الأمور؛ لأن الشيطان دائمًا يتربص بالمسلمين على الأطراف التي تشكل الإفراط أو التفريط، فكلما ابتعد الإنسان عن القصد في الطريق تخطَّفه الشيطان، وإنه لا يستطيع أن يتخطَّفه إلا إذا خرج عن الجادة الوسطى، كما قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام : 153].

وكان الشافعي يطبق ما يقوله عمليًّا فكان يناقش الرجل في موضوع ما، أو يناظره أو يخالفه الرأي، وبعد ذلك لا يكون شيء بينهما، ويروي يونس الصدفِي -أحد هذه الأمثلة- ويقول(2): ما رأيت أعقل من الشافعي ناظرته يومًا في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانًا، وإن لم نتفق في مسألة, قال الذهبي : هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون(3).
رضي الله عن الإمام الشافعي وعن سائر أئمة المسلمين

***

(1) الموسوعة الإسلامية المعاصرة 1998- 1999.
(2) سير أعلام النبلاء للذهبي ج10.
(3) المصدر السابق.



\7





يتبع



الأكاديمية الإسلامية




[/cell][/table1]
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10-02-2012, 02:59 AM
الصورة الرمزية عوض البقيلي
عوض البقيلي غير متواجد حالياً
نائب المدير العام للمنتديات
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: جـــدهـ _ الرياض
المشاركات: 8,104
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى عوض البقيلي
افتراضي رد: سيرة الإمام الشافعي [متجدد]

متصفح شامخ بشموخ من يتحدث عنه , الى الأمام متابعين ..

شكراً ولاتفي ..
__________________
...............
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10-03-2012, 02:31 PM
الصورة الرمزية الزهراء
الزهراء غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
الدولة: الدنيا الفانية
المشاركات: 4,297
افتراضي رد: سيرة الإمام الشافعي [متجدد]

جزاكم الله خيرا وزادكم الله علما نافعا
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10-03-2012, 02:35 PM
الصورة الرمزية الزهراء
الزهراء غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
الدولة: الدنيا الفانية
المشاركات: 4,297
افتراضي رد: سيرة الإمام الشافعي [متجدد]

[table1="width:100%;background-image:url('http://www.solaim.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/48.gif');ba
ckground-color:white;border:3px groove deeppink;"][cell="filter:;"]




الشافعي المؤمن السخي الكرِيم



كان الإمام الشافعي من أكثر الناس سخاء , وأكثرهم إنفاقًا جمع بين العلم ومكارم الأخلاق وفي هذا المقام لابدّ لنا من رواية بعض القصص التي تبين سخاء هذا الإمام لعلّنا نتعلم منه دروسًا عملية في الإنفاق من هذه القصص ما رواه الإمام الذهبي في الجزء العاشر في كتابه الشهير سير أعلام النبلاء:

أ‌- فالْمُزَنِيّ يقول: كنت مع الشافعي يومًا فخرجنا الأكوام، فمر بهدف، فإذا برجل يرمي بقوس عربية، فوقف عليه الشافعي ينظر، وكان حسنَ الرمي فأصاب بأسهم، فقال الشافعي: أحسنت، وبرّك عليه، ثم قال: أعطه ثلاثة دنانير، واعذرنِي عنده.

ب‌- وقال الربيع كان الشافعي مارا بالحذائين فسقط سوطه، فوثب غلام ومسحه بكمه وناوله فأعطاه سبعة دنانير.

ت‌- وقال الربيع أيضًا: تزوجت فسألنِي الشافعي كم أصدقتَهَا؟ قلت: ثلاثين دينارا عجلت منها ستة، فأعطاني أربعة وعشرين دينارًا.

حدث الزبير بن سليمان القرشي عن الشافعي قال: خرج هرثمة فأقرأني سلام أمير المؤمنين هارون، وقال: قد أمر لك بخمسة آلاف دينار، قال فحمل إليه المال، فدعا بحجام(1) فأخذ شعره فأعطاه خمسين دينارًا، ثم أخذ رقاعًا فصر صررًا, وفرّقها في القرشيين الذين هم بالحضرة ومن بمكة حتى ما رجع إلى بيته إلا بأقل من مئة دينار.





(1) الشخص الذي يقوم بالحجامة يدعى حجّام ولعلها هنا جاءت بمعنى حلاق.



\7





يتبع



الأكاديمية الإسلامية




[/cell][/table1]
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10-03-2012, 02:39 PM
الصورة الرمزية الزهراء
الزهراء غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
الدولة: الدنيا الفانية
المشاركات: 4,297
افتراضي رد: سيرة الإمام الشافعي [متجدد]

[table1="width:100%;background-image:url('http://www.solaim.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/48.gif');ba
ckground-color:white;border:3px groove deeppink;"][cell="filter:;"]




من سيرة الإمام الشافعي


إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.

الإمام الشافعي احد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه نسبة الشافعية كافة. وهو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي.

وكان أبوه قد هاجر من مكة إلى غزة بفلسطين بحثا عن الرزق، لكنه مات بعد ولادة محمد بمدة قصيرة، فنشأ محمد يتيما فقيرا.

وشافع بن السائب هو الذي ينتسب إليه الشافعي، لقي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأسر ابوه السائب يوم بدر في جملة من أسر وفدى نفسه ثم أسلم. ويلتقي نسبه مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عبد مناف.

أما أمه؛ فهي يمانية من الأزد، وقيل: من قبيلة الأسد، وهي قبيلة عربية لكنها ليست قرشية، قيل: إن ولادة الشافعي كانت في عسقلان، وقيل: بمنى. لكن الأصح أن ولادته كانت في غزة عام خمسين ومئة، وهو نفس العام الذي توفي فيه أبو حنيفة.

ولما بلغ سنتين قررت أمه العودة وابنها إلى مكة لأسباب عديدة؛ منها: حتى لا يضيع نسبه، ولكي ينشأ على ما ينشأ عليه أقرانه، فأتم حفظ القرآن وعمره سبع سنين.

وعرف الشافعي بشجو صوته في القراءة، قال ابن نصر: كنا إذا أردنا أن نبكي قال بعضنا لبعض: قوموا إلى هذا الفتى المطلبي يقرأ القرآن، فإذا أتيناه يصلي في الحرم استفتح القرآن حتى يتساقط الناس ويكثر عجيجهم بالبكاء من حسن صوته. فإذا رأى ذلك؛ أمسك من القراءة.

ولحق بقبيلة هذيل العربية لتعلم اللغة والفصاحة. وكانت هذيل أفصح العرب، ولقد كانت لهذه الملازمة أثر في فصاحته وبلاغة ما يكتب، وقد لفتت هذه البراعة أنصار معاصريه من العلماء بعد أن شب وكبر، حتى الأصمعي وهو من أئمة اللغة المعدودين يقول: صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له: محمد بن إدريس. وبلغ من اجتهاده في طلب العلم أن أجازه شيخه مسلم بن خالد الزنجي بالفتيا وهو لا يزال صغيرا.

حفظ الشافعي وهو ابن ثلاث عشرة سنة تقريبا كتاب الموطأ للإمام مالك، ورحلت به أمه إلى المدينة ليتلقى العلم عند الإمام مالك. ولازم الشافعي الإمام مالكا ست عشرة سنة، حتى توفي الإمام مالك عام تسعة وسبعين ومئة، وبنفس الوقت تعلم على يد إبراهيم بن سعد الأنصاري، ومحمد بن سعيد بن فديك وغيرهم.

وبعد وفاة الإمام مالك عام تسعة وسبعين ومئة سافر الشافعي إلى نجران واليا عليها، ورغم عدالته فقد وشى البعض به إلى الخليفة هارون الرشيد فتم استدعاؤه إلى دار الخلافة سنة أربع وثمانين ومئة، وهناك دافع عن موقفه بحجة دامغة، وظهر للخليفة براءة الشافعي مما نسب إليه وأطلق سراحه.

وأثناء وجوده في بغداد اتصل بمحمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة وقرأ كتبه وتعرف على علم أهل الرأي ثم عاد بعدها إلى مكة، وأقام فيها نحوا من تسع سنوات لينشر مذهبه من خلال حلقات العلم التي يزدحم فيها طلبة العلم في الحرم المكي، ومن خلال لقائه بالعلماء أثناء مواسم الحج. وتتلمذ عليه في هذه الفترة الإمام أحمد بن حنبل.

ثم عاد مرة أخرى إلى بغداد سنة خمس وتسعين ومئة، وكان له بها مجلس علم يحضره العلماء ويقصده الطلاب من كل مكان.

مكث الشافعي سنتين في بغداد ألف خلالها كتابه الرسالة، ونشر فيها مذهبه القديم، ولازمه خلال هذه الفترة أربعة من كبار أصحابه؛ وهم: أحمد بن حنبل، وأبو ثور، والزعفراني، والكرابيسي. ثم عاد الإمام الشافعي إلى مكة ومكث بها فترة قصيرة غادرها بعد ذلك إلى بغداد سنة ثمان وتسعين ومئة، وأقام في بغداد فترة قصيرة ثم غادر بغداد إلى مصر.

قدم مصر سنة تسع وتسعين ومئة تسبقه شهرته، وكان في صحبته تلاميذه: الربيع بن سليمان المرادي، وعبد الله بن الزبير الحميدي، فنزل بالفسطاط ضيفا على عبد الله بن عبد الحكم وكان من أصحاب مالك.

ثم بدأ بإلقاء دروسه في جامع عمرو بن العاص فمال إليه الناس وجذبت فصاحته وعلمه كثيرا من أتباع الإمامين أبي حنيفة ومالك. وبقي في مصر خمس سنوات قضاها كلها في التأليف والتدريس والمناظرة والرد على الخصوم.

وفي مصر وضع الشافعي مذهبه الجديد وهو الأحكام والفتاوى التي استنبطها بمصر وخالف في بعضها فقهه الذي وضعه في العراق، وصنف في مصر كتبه الخالدة التي رواها عنه تلاميذه.

وتطرق أحمد تمام في كتابه "الشافعي ملامح وآثار" كيفية ظهور شخصية الشافعي ومنهجه في الفقه. هذا المنهج الذي هو مزيج من فقه الحجاز وفقه العراق، هذا المنهج الذي أنضجه عقل متوهج، عالم بالقرآن والسنة، بصير بالعربية وآدابها، خبير بأحوال الناس وقضاياهم، قوي الرأي والقياس.

فلو عدنا إلى القرن الثاني الميلادي؛ لوجدنا أنه ظهر في هذا القرن مدرستان أساسيتان في الفقه الإسلامي؛ هما: مدرسة الرأي، ومدرسة الحديث، نشأت المدرسة الأولى في العراق وهي امتداد لفقه عبد الله بن مسعود الذي أقام هناك، وحمل أصحابه علمه وقاموا بنشره. وكان ابن مسعود متأثرا بمنهج عمر بن الخطاب في الأخذ بالرأي والبحث في علل الأحكام حين لا يوجد نص من كتاب الله أو سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

ومن أشهر تلامذة ابن مسعود الذين أخذوا عنه: علقمة بن قيس النخعي، والأسود بن يزيد النخعي، ومسروق بن الأجدع الهمداني، وشريح القاضي، وهؤلاء كانوا من أبرز فقهاء القرن الأول الهجري.

ثم تزعم مدرسة الرأي بعدهم إبراهيم بن يزيد النخعي فقيه العراق بلا منازع، وعلى يديه تتلمذ حماد بن سليمان، وخلفه في درسه، وكان إماما مجتهدا وكانت له بالكوفة حلقة عظيمة يؤمها طلاب العلم، وكان بينهم أبو حنيفة النعمان الذي فاق أقرانه وانتهت إليه رئاسة الفقه، وتقلد زعامة مدرسة الرأي من بعد شيخه، والتف حوله الراغبون في تعلم الفقه وبرز منهم تلاميذ بررة على رأسهم أبو يوسف القاضي، ومحمد بن الحسن، وزفر، والحسن بن زياد وغيرهم، وعلى يد هؤلاء تبلورت طريقة مدرسة الرأي واستقر أمرها ووضح منهجها.

وأما مدرسة الحديث؛ فقد نشأت بالحجاز وهي امتداد لمدرسة عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعائشة وغيرهم من فقهاء الصحابة الذين أقاموا بمكة والمدينة، وكان يمثلها عددكبير من كبار الأئمة؛ منهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وابن شهاب الزهري، والليث بن سعد، ومالك بن أنس. وتمتاز تلك المدرسة بالوقوف عند نصوص الكتاب والسنة، فإن لم تجد؛ التمست آثار الصحابة، ولم تلجئهم مستجدات الحوادث التي كانت قليلة في الحجاز إلى التوسع في الاستنباط بخلاف ما كان عليه الحال في العراق.

وجاء الشافعي والجدل مشتعل بين المدرستين، فأخذ موقفا وسطا، وحسم الجدل الفقهي القائم بينهما بما تيسر له من الجمع بين المدرستين بعد أن تلقى العلم وتتلمذ على كبار أعلامهما؛ مثل مالك بن أنس من مدرسة الحديث ومحمد بن الحسن الشيباني من مدرسة الرأي.

دون الشافعي الأصول التي اعتمد عليها في فقهه، والقواعد التي التزمها في اجتهاده في رسالته الأصولية الرسالة، وطبق هذه الأصول في فقهه، وكانت أصولا عملية لا نظرية، ويظهر هذا واضحا في كتابه الأم الذي يذكر فيه الشافعي الحكم مع دليله، ثم يبين وجه الاستدلال بالدليل وقواعد الاجتهاد وأصول الاستنباط التي اتبعت في استنباطه، فهو يرجع أولا إلى القرآن وما ظهر له منه، إلا إذا قام دليل على وجوب صرفه عن ظاهره، ثم إلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى الخبر الواحد الذي ينفرد راو واحد بروايته، وهو ثقة في دينه، معروف بالصدق، مشهور بالضبظ.

وهو يعد السنة مع القرآن في منزلة واحدة، فلا يمكن النظر في القرآن دون النظر في السنة التي تشرحه وتبينه، فالقرآن يأتي بالأحكام العامة والقواعد الكلية، والسنة هي التي تفسر ذلك، فهي التي تخصص عموم القرآن أو تقيد مطلقه، أو تبين مجمله.

ولم يشترط الشافعي في الاحتجاج بالسنة غير اتصال سند الحديث وصحته، فإذا كان كذلك؛ صح عنده وكان حجة عنده، ولم يشترط في قبول الحديث عدم مخالفته لعمل أهل المدينة مثلما اشترط الإمام مالك، أو أن يكون الحديث مشهورا ولم يعمل راويه بخلافه.

ووقف الشافعي حياته على الدفاع عن السنة، واقامة الدليل على صحة الاحتجاج بالخبر الواحد، وكان هذا الدفاع سببا في علو قدر الشافعي عند أهل الحديث حتى سموه (ناصر السنة). ولعل الذي جعل الشافعي يأخذ بالحديث أكثر من أبي حنيفة، حتى إنه يقبل خبر الواحد متى توافرت فيه الشروط، وكان حافظا للحديث بصيرا بعلله، لا يقبل منه إلا ما ثبت عنده، وربما صح عنده من الأحاديث ما لم يصح عند أبي حنيفة وأصحابه.

وبعد الرجوع إلى القرآن والسنة يأتي الإجماع إن لم يعلم له مخالفا، ثم القياس شريطة أن يكون له أصل من الكتاب والسنة، ولم يتوسع فيه مثلما توسع الإمام أبو حنيفة.

ولنتطرق الآن إلى بعض من أقوال الشافعي التي تبين عقيدته:

في جزء الاعتقاد المنسوب للشافعي من رواية أبي طالب العشاري ما نصه قال: وقد سئل عن صفات الله -عز وجل- وما ينبغي أن يؤمن به فقال: لله -تبارك وتعالى- أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه -صلى الله عليه وسلم- أمته، لا يسع أحدا من خلق الله -عز وجل- قامت لديه الحجة أن القرآن نزل به، وصحيح عنده قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما روى عنه العدل خلافُه. فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه؛ فهو كافر بالله -عز وجل-. فأما قبل ثبوت الحجة عليه من جهة الخبر؛ فمعذور بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالدراية والفكر، ونحو ذلك أخبار الله -عز وجل- أنه سميع، وأن له يدين، بقوله -عز وجل-: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾، وأن له يمينا بقوله -عز وجل-: ﴿وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ﴾، وأن له وجها بقوله -عز وجل-: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾، وقوله: ﴿وَيبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾، وأن له قدما بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (حتى يضع الرب -عز وجل- فيها قدمه)؛ يعني جهنم. وقوله -صلى الله عليه وسلم- للذي قتل في سبيل الله -عز وجل- أنه: (لقي الله -عز وجل- وهو يضحك إليه)، وأنه -سبحانه-: (يهبط كل ليلة إلى السماء الدني) بخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك، وأنه ليس بأعور؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ ذكر الدجال، فقال: (إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور)، وأن المؤمنين (يرون ربهم -عز وجل- يوم القيامة بأبصارهم كما يرون القمر ليلة البدر)، وأن له أصبعا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من قلب إلا هو بين أصبعين من أصايع الرحمن -عز وجل-)، وأن هذه المعاني التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله -صلى الله عليه وسلم- لا يدرك حقه ذلك بالذكر والدراية ويكفر بجهلها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه، وإن كان الوارد بذلك خبرا يقوم في الفهم مقام المشاهدة في السماع وجبت الدينونة على سامعه بحقيقته والشهادة عليه؛ كمن عاين وسمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن نثبت هذه الصفات وننفي التشبيه كما نفى ذلك عن نفسه -تعالى ذكره- فقال: ﴿كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.

وأخرج اللالكائي عن الربيع بن سليمان قال الشافعي: من قال القرآن مخلوق فهو كافر.

وأورد البيهقي في مناقب الشافعي أن الشافعي قال: "إن مشيئة العباد هي إلى الله -تعالى- ولا يشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين؛ فإن الناس لم يخلقوا أعمالهم وهي خلْق من خلْق الله -تعالى-. وإن القدر خيره وشره من الله -عز وجل-، وإن عذاب القبر حق، ومساءلة أهل القبور حق، والبعث حق، والحساب حق، والجنة والنار حق، ومما جاءت به السنن.

وأخرج ابن عبد البر عن الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل واعتقاد بالقلب. ألا ترى قول الله -عز وجل-: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾؛ يعني صلاتكم إلى بيت المقدس، فسمى الصلاة إيمانا، وهي قول وعمل وعقد.

وأخرج البيهقي عن أبي محمد الزبيري قال: قال رجل للشافعي: أي الأعمال عند الله أفضل؟ قال الشافعي: ما لا يُقبل عملٌ إلا به. قال: وما ذاك؟ قال: الإيمان بالله الذي لا إله إلا هو أعلى الأعمال درجة، وأشرفها منزلة، وأسناها حظا. قال الرجل: ألا تخبرني عن الإيمان قول وعمل أو قول بلا عمل؟ قال الشافعي: الإيمان عمل لله والقول بعض ذلك العمل. قال الرجل: صف لي ذلك حتى أفهمه. قال الشافعي: إن للإيمان حالات ودرجات وطبقات، فمنها التام المنتهي تمامه، والناقص البين نقصانه، والراجح الزائد رجحانه. قال الرجل: وإن الإيمان يتم وينقص ويزيد؟ قال الشافعي: نعم. قال الرجل: وما الدليل على ذلك؟ قال الشافعي: إن الله -جل ذكره- فرض الإيمان على جوارح بني آدم، فقسمه فيها وفرقه عليها، فليس من جوارحه جارحة إلا وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها بفرض من الله -تعالى-؛ فمنها: قلبه الذي يعقل به ويفقه ويفهم، وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلا عن رأيه وأمره، ومنها: عيناه اللتان ينظر بهما، وأذناه اللتان يسمع بهما، ويداه اللتان يبطش بهما، ورجلاه اللتان يمشي بهما، ولسانه الذي ينطق به، ورأسه الذي فيه وجهه. فرض على القلب غير ما فرض على اللسان، وفرض على السمع غير ما فرض على العينين، وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه.

فأما فرض الله على القلب من الإيمان؛ فالإقرار والمعرفة والعقد والرضى والتسليم بأن الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له، لم يتخذ صاجبة ولا ولدا، وأن محمدا -صلى الله عليه وسلم- عبده ورسوله، والإقرار بما جاء من عند الله من نبي أو كتاب، فذلك ما فرض الله -جل ثناؤه- على القلب وهو عمله؛ ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمان وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا﴾، وقال: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، وقال: ﴿مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ﴾، وقال: ﴿وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ﴾. فذلك ما فرض الله على القلب من إيمان وهو عمله وهو رأس الإيمان. وفرض الله على اللسان القول والتعبير عن القلب بما عقد وأقر به، فقال في ذلك: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ﴾، وقال: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾. فذلك ما فرض الله على اللسان من القول والتعبير عن القلب، وهو عمله والفرض عليه من الإيمان.

وفرض الله على السمع أن يَتَنَزَّهَ عن الاستماع إلى ما حرم الله وأن يغض عما نهى الله عنه، فقال في ذلك: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ﴾، ثم استثنى موضع النسيان، فقال -جل وعز-: ﴿وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ﴾؛ أى: فقعدت معهم؛ ﴿فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، وقال: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِي * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، وقال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ إلى قوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾، وقال: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ﴾، وقال: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾. فذلك ما فرض الله -جل ذكره- على السمع من التنزيه عما لا يحل له وهو عمله وهو من الإيمان.

وفرض على العينين أن لا ينظر بهما ما حرم الله، وأن يغضهما عما نهاه عنه، فقال -تبارك وتعالى- في ذلك: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ..﴾ الآيتين؛ أن ينظر أحدهم إلى فرج أخيه، ويحفظ فرجه من أن ينظراليه. وقال: كل شيْء من حفظ الفرج في كتاب الله؛ فهو من الزنا إلا هذه الآية؛ فإنها من النظر. فذلك ما فرض الله على العينين من غض البصر وهو عملهما وهو من الإيمان.

ثم أخبر عما فرض على القلب والسمع والبصر في آية واحدة، فقال -سبحانه وتعالى- في ذلك: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾.

قال: يعني وفرض على الفرج: أن لا يهتكه بما حرم الله عليه: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾، وقال: ﴿وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ ولَا أَبْصَارُكُمْ ولَا جُلُودُكُمْ..﴾ الآية؛ يعني بالجلود: الفرج والأفخاذ، فذلك ما فرض الله على الفروج من حفظهما عما لا يحل له وهو عملهما.

وفرض على اليدين أن لا يبطش بهما إلى ما حرم الله -تعالى- وأن يبطش بهما إلى ما أمر الله؛ من الصدقة، وصلة الرحم، والجهاد في سبيل الله والطهور للصلوات، فقال في ذلك: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ إلى آخر الآية، وقال: ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾؛ لأن الضرب والحرب وصلة الرحم والصدقة من علاجها.

وفرض على الرجلين أن لا يمشي بهما إلى ما حرم الله -جل ذكره- فقال فى ذلك: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾.

وفرض على الوجه السجود لله بالليل والنهار ومواقيت الصلاة، فقال في ذلك: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، وقال: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾؛ يعني المساجد: ما يسجد عليه ابن آدم في صلاته من الجبهة وغيرها.

قال: فذلك ما فرض الله على هذه الجوارح وسمى الطهور والصلوات إيمانا في كتابه، وذلك حين صرف الله -تعالى- وجه نبيه -صلى الله عليه وسلم- من الصلاة إلى بيت المقدس، وأمره بالصلاة إلى الكعبة، وكان المسلمون قد صلوا إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا، فقالوا يا رسول الله! أرأيت صلاتنا التي كنا نصليها إلى بيت المقدس ما حالها وحالنا؟ فأنزل الله -تعالى-: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾، فسمى الصلاة إيمانا، فمن لقي الله حافظا لصلواته حافظا لجوارحه مؤديا بكل جارحة من جوارحه ما أمر الله به وفرض عليها - لقي الله مستكملَ الإيمان من أهل الجنة، ومن كان لشيء منها تاركا متعمدا مما أمر الله به؛ لقي الله ناقص الإيمان.

قال: عرفت نقصانه وتمامه فمن أين جاءت زيادته؟ قال الشافعي: قال الله -جل ذكره-: ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾، وقال: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾.

قال الشافعي: ولو كان هذا الإيمان كله واحدا لا نقصان فيه ولا زيادة؛ لم يكن لأحد فيه فضل، واستوى الناس وبطل التفضيل، ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله في الجنة، وبالنقصان من الإيمان دخل المفرطون النار.

قال الشافعي: إن الله -جل وعز- سابق بين عباده كما سوبق بين الخيل يوم الرهان، ثم إنهم على درجاتهم من سبق عليه فجعل كل امرئ على درجة سبقه لا ينقصه فيه حقه ولا يقدم مسبوق على سابق، ولا مفضول على فاضل، وبذلك فضل أول هذه الأمة على آخرها، ولو لم يكن لمن سبق إلى الإيمان فضل على من أبطأ عنه للحق آخر هذه الأمة بأولها.

بعد هذا العرض الموجز لأصول مذهب الإمام الشافعي وعقيدته، نتطرق إلى شعره. فقد عرف الإمام الشافعي كإمام من أئمة الفقه الأربعة، لكن الكثيرين لا يعرفون أنه كان شاعرا.

لقد كان الشافعي فصيح اللسان بليغا حجة في لغة العرب، عاش فترة من صباه في بني هذيل، فكان لذلك أثر واضح على فصاحته وتضلعه في اللغة والأدب والنحو، إضافة إلى دراسته المتواصلة واطلاعه الواسع، حتى أصبح يرجع إليه في اللغة والنحو. فكما مر بنا سابقا فقد قال الأصمعي: صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له: محمد بن إدريس. وقال أحمد بن حنبل: كان الشافعي من أفصح الناس، وكان مالك تعجبه قراءته لأنه كان فصيحا. وقال أحمد بن حنبل: ما مس أحد محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في عنقه منة. وقال أيوب بن سويد: خذوا عن الشافعي اللغة.

ويعتبر معظم شعر الإمام الشافعي في شعر التأمل، والسمات الغالبة على هذا الشعر هي التجريد والتعميم وضغط التعبير، وهي سمات كلاسيكية؛ إذ إن مادتها فكرية في المقام الأول، وتجلياتها الفنية هي المقابلات والمفارقات التي تجعل من الكلام ما يشبه الأمثال السائرة أو الحكم التي يتداولها الناس، ومن ذلك:

ما حك جلدك مثل ظفرك***فتول أنت جميع أمرك

ما طار طير وارتفع***إلا كما طار وقع

نعيب زماننا والعيب فينا***وما لزماننا عيب سوان

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها***فرجت وكنت أظنها لا تفرج


وقال أيضا:

إذا رمت أن تحيا سليما من الردى***ودينك موفور وعرضك صيِّن

فلا ينطق منك اللسان بسوأة***فكلك سوآت وللناس ألسن

وعيناك إن أبدت إليك معائبا***فدعها وقل: يا عين! للناس أعين

وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى***ودافع ولكن بالتي هي أحسن


وقال أيضا:

الدهر يومان ذا أمن وذا خطر***والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر

أما ترى البحر تعلو فوقه جيف***وتستقر بأقـصى قـاعه الدرر

وفي السماء نجوم لا عداد لها***وليس يكسف إلا الشمس والقمر


واذا كان شعر التأمل ينزع إلى التجريد والتعميم، فليس معنى ذلك أنه خال تماما من الصور والتشبيهات الكلاسيكية، ولكنها تشبيهات عامة لا تنم عن تجربة شعرية خاصة، فشعر التأمل ينفر من الصور الشعرية ذات الدلالة الفردية، ويفضل الصور التي يستجيب لها الجميع. فالشافعي يقدم لنا أقوالا نصفها اليوم بأنها تقريرية.

في أدناه صور من أشعار الإمام الشافعي:

ولمَّا قَسَا قلبِي وضَاقَتْ مَذَاهِبِي***جَعَلْتُ رجَائِي دُونَ عَفْوِكَ سُلَّمَ

تَعَاظَمَنِي ذَنْبِي فلمَّا قَرَنْتُهُ***بِعَفْوِكَ -ربِّي!- كانَ عفْوُكَ أعْظَمَ

فمَا زِلْتَ ذَا عَفْوٍ عنِ الذَّنْبِ لمْ تَزَلْ***تَجُودُ وتَعْفُو مِنَّةً وتَكَرُّمَ


أما قوله في الزهد قوله:

عليك بتقوى الله إن كنت غافلا***يأتيك بالأرزاق من حيث لا تدري

فكيف تخاف الفقر والله رازق***فقد رزق الطير والحوت في البحر

ومن ظن أن الرزق يأتي بقوة***مـا أكـل الـعصفـور مـن النسـر

نزول عـن الدنـيا فـإنك لا تدري***إذا جن ليل هل تعش إلى الفجر

فكم من صحيح مات من غير علة***وكم من سقيم عاش حينا من الدهر


وعن مكارم الاخلاق قوله:

لما عفوت ولم أحقد على أحد***أرحت نفسي من هم العداوات

اني أحيي عدوي عند رؤيتـه***لأدفع الشــر عـني بـالتحيــات

وأظهر البشر للإنسان أبغضه***كما إن قد حشى قلبي محبات

الناس داء وداء الناس قربهم***وفي اعتـزالـهم قطـع المـودات


ومن مناجاته رحمة الله قوله:

بموقف ذلي دون عزتك العظمى***بمخفيِّ سـرٍّ لا أحيط به علم

بإطراق رأسـي باعترافي بذِلتي***بمد يدي استمطر الجود والرحمى

بأسمائك الحسنى التي بعض وصفها***لعزتها يستغرق النثر والنظم

أذقنا شراب الأنس يا من إذا سقى***محبا شرابا لا يُضام ولا يظم


وفي ختام هذه الوقفات من سيرة الإمام الشافعي نتطرق إلى تواضعه وورعه وعبادته فان الشافعي مشهورا بتواضعه وخضوعه للحق وتشهد له بذلك دروسه ومعاشرته لأقرانه وتلاميذه وللناس. كما أن العلماء من أهل الفقه والأصول والحديث واللغة اتفقوا على أمانة الشافعي وعدالته وزهده وورعه وتقواه وعلو قدره، وكان مع جلالته في العلم مناظرا حسن المناظرة، أمينا لها طالبا للحق لا يبغي صيتا وشهرة حتى أثِرَتْ عنه هذه الكلمة: "ما ناظرت أحدا إلا ولم أبالِ يبين الله الحق على لسانه أو لساني.

وبلغ من إكبار أحمد بن حنبل لشيخه الشافعي أنه قال حين سأله ابنه عبد الله: أي رجل كان الشافعي؟ فإني رأيتك تكثر الدعاء له؟ قال: كان الشافعي كالشمس للنهار وكالعافية للناس؛ فانظر هل لهذين من خلف او عنهما من عوض؟!

وكان الشافعي -رحمه الله- فقيه النفس، موفور العقل، صحيح النظر والتفكر، عابدا ذاكرا، وكان -رحمه الله- محبا للعلم؛ حتى إنه قال: طلب العلم أفضل من صلاة التطوع، ومع ذلك روى عنه الربيع بن سليمان تلميذه أنه كان يحي الليل صلاة إلى أن مات رحمه الله، وكان يختم في كل ليلة ختمة.

وروى الذهبي في السير عن الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي قد جزأ الليل، فثلثه الأول يكتب، والثاني يصلي، والثالث ينام.

وقال الذهبي: أفعاله الثلاثة عبادة بالنية.

والحق ما قاله الذهبي؛ فإن النيات صَنعة العلماء، والعلم إذا أثمر العمل؛ وضع صاحبه على طريق النجاة، وما أحوج أمتنا اليوم إلى العلماء العاملين الصادقين العابدين الذين تفزع اليهم الأمة في الأزمات وما أكثرها ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وظل الإمام الشافعي في مصر ولم يغادرها يلقي دروسه ويحيط به تلامذته حتى لقي ربه في الثلاثين من رجب عام أربعة ومئتين، ومن أروع ما رُثي به من الشعر قصيدة لمحمد بن دريد يقول في مطلعها:

ألم تر آثار ابن إدريس بعده***دلائلها في المشـكلات لوامع

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على أشرف الخلق سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.




المراجع:

أحمد تمام، الشافعي ملامح وآثار في ذكرى وفاته.

د.محمد عبد الرحمن الخميس، اعتقاد أئمة السلف أهل الحديث.

محمد خميس، الإمام الشافعي شاعرا.

موسوعة المورد الحديثة.

الهيئة المصرية للكتاب، ديوان الإمام الشافعي.

طريق الاسلام، قيام الشافعي.





\7





يتبع



الأكاديمية الإسلامية




[/cell][/table1]
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10-03-2012, 02:48 PM
الصورة الرمزية الزهراء
الزهراء غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
الدولة: الدنيا الفانية
المشاركات: 4,297
افتراضي رد: سيرة الإمام الشافعي [متجدد]

[table1="width:100%;background-image:url('http://www.solaim.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/48.gif');ba
ckground-color:white;border:3px groove deeppink;"][cell="filter:;"]





لمحات من حياة الشافعي



من المعلوم أن إمام المذهب الشافعي ومؤسسه هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الشافعي، وينتهي نسبه إلى عبد مناف جد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وشافع بن السائب هو الذي يُنسب إليه الشافعي.

ولد بغزة وقيل بعسقلان، وقيل: بمنى، وقيل: باليمن سنة خمسين ومئة للهجرة، وهي السنة التي تُوفي فيها الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت، وقيل: في اليوم الذي مات فيه.

حُمِل إلى مكة وهو ابن سنتين، ونشأ بها وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وحفظ "الموطأ" وهو ابن عشر، وتتلمذ على جماعة من أهل العلم؛ منهم: مسلم بن خالد الزنجي المكي، وأجازه بالإفتاء وعمره خمسة عشر عامًا، ثم رحل إلى الإمام مالك بالمدينة ولازمه مدة، ثم قدم بغداد سنة خمس وتسعين ومئة للهجرة فأقام بها سنتين، واجتمع عليه علماؤها، ورجع كثيرون منهم عن مذاهب كانوا عليها إلى مذهبه، وصنف بها كتبه القديمة، ثم عاد إلى مكة فأقام بها مدة، ثم عاد إلى بغداد سنة ثمان وتسعين ومئة للهجرة، فأقام بها شهرًا، ثم خرج إلى مصر، فلم يزل بها ناشرًا للعلم ملازمًا للاشتغال بجامعها العتيق إلى أن أصابته ضربة شديدة فمرض بسببها أيامًا، وقيل: مات بسبب البواسير، ثم انتقل إلى رحمة الله -تعالى- يوم الجمعة آخر رجب من عام أربعة ومئتين للهجرة، ودفن بالقرافة بعد العصر من يومه.

وقد تميزت شخصية الإمام بعدة مميزات، وتحلى بمجموعة من المواهب والذكاء الفطري مما ساهم في تأهيله للمرتبة التي وصل إليها، وأشير هنا إلى شذرات من جوانب شخصيته الفذة:

أ‌- قامع البدعة:

لقد اشتهر الشافعي بفقهه وذكائه الوقاد ونصرته للكتاب والسنة؛ ولذلك ارتعدت فرائص أهل البدع منه، وتذكر لنا كتب التاريخ والتراجم بعضًا من مناظراته، والتي لم يُسبق إليها مع بعض المبتدعة منذ أن كان يافعًا يطلب العلم بمكة، ومما تذكره كتب التراجم: أنه حج بشر المريسي فرجع، فقال لأصحابه: رأيت شابًّا من قريش بمكة ما أخاف على مذهبي إلا منه!.

وناظر إبراهيم بن علية -والذي كان من كبار الجهمية كما يقول الذهبي- وحفصا الفرد في مسألة خلق القرآن وزيادة الإيمان ونقصانه، فقد كان -رضي الله عنه- مناظرًا من الطراز الأول، ويظهر هذا في كتبه، خاصة كتاب الرسالة.

كما كان -رضي الله عنه- كغيره من الأئمة شديد التحذير من البدع والأهواء، ومن عباراته الشهيرة: لأن يلقى الله المرء بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء.

ولأن علم الكلام كان سببًا رئيسًا وطريقًا سهلة للبدعة وأهلها؛ فقد حذر منه أشد التحذير، فكان يقول: ما شيء أبغض إليَّ من الكلام وأهله. ولهذا لقب الإمام حينما قدم بغداد بناصر السنة؛ لأنه نصر السنة في معركتها ضد البدعة والذي شهد عصره انتشارًا واسعًا لها في بعض الأقاليم خاصة العراق، والتي كانت تعُج بالكثير الكثير من الأهواء والبدع المفارقة للإسلام وهديه، كما أنه نصر السنة في مواجهة الرأي المناقض والرافض للسنة أو لبعضها، والذي جعل لنفسِه منهجًا جانب الصواب في بعض قواعده ومفرداته في تعامله مع السنة؛ إذ إن بعض فقهاء العراق رد بعض السنة بحجة مخالفتها إما للقرآن أو لِمَا اجتمع لديه من أصول، أو لسنة أخرى رأى تقديمها، أو لكونها مما ينبغي أن تنقل تواترًا لكون مضمونها مما تعم به البلوى، أو غيره من وجهات النظر التي لم ترض المحدثين، فشنوا حملة على أصحاب الرأي، إلا أن غالبهم لم يكن لديه من الحجج القوية التي يستطيع من خلالها دحض هذا الاتجاه، حتى جاء الشافعي فأصلح بين الفريقين؛ بحيث إنه هدأ ثورة غضب الجميع، ووضح لكل فريق وجهة نظره، كما أنه بيَّن الحق ونصر السنة على الرأي الذي يخالفها ويناقضها، فرجع كثيرون عن مذاهبهم المخالفة للسنة والمبنية على تقديم الرأي إلى مذهب الشافعي، والذي كان مرتكزه تقديم السنة على كافة أشكال الرأي.

ولهذا: لا عَجَبَ أن نجد الكثير من المحدثين الشافعية؛ كابن خزيمة والدراقطني والمزي والذهبي وابن حجر وغيرهم.

ب‌- الشخصية الجذابة:

لقد تمتع الشافعي بشخصية جذابة، فاستطاع أن يؤثر في قطاعات واسعة ومتنوعة من الفقهاء والمحدثين وطلبة العلم والعامة، فاستطاع أن يجذب إلى حلقته جماعة من جهابذة عصره؛ أمثال الإمام أحمد وأبي ثور وغيرهما، وقد تأثر التلاميذ بشخصيته تأثرًا بالغًا وأحبوا شيخهم حبًّا عظيمًا، وحملوا له في نفوسهم كل التقدير والاحترام.

وكنموذج لهذا نذكر أن أبا ثور سئل: أيهما أفقه الشافعي أو محمد بن الحسن؟ فأجاب: الشافعي أفقه من محمد وأبي يوسف وأبي حنيفة وحماد -شيخ أبي حنيفة-، وإبراهيم -شيخ حماد-، وعلقمة -شيخ إبراهيم-، والأسود -شيخ علقمة-.

هذا: رغم أن أبا ثور كان على مذهب أهل الرأي قبل قدوم الشافعي العراق، وهذا يُرينا مقدار تأثير الشافعي في نفوس الناس وخاصة طلابه الذين انبهروا به انبهارًا عظيمًا، ومع هذا لم يخل الحال من معارضين لإمامة الشافعي وأناس لم يقدروه قدره؛ فهذا ابن مَعين يعتب على الإمام أحمد كيف أن الشافعي راكب وهو آخذ بركابه؟! فيجيب أحمد قائلاً: إن أراد التفقه فليأت وليمسك بركابه من الجانب الآخر!

ولهذا: كان الأمام أحمد كثيرًا ما يدعو للشافعي، مما دفع ابنه عبد الله لسؤاله عن سبب دعائه له، فأجابه: لقد كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن؛ فانظر هل لهذين من خلف؟!

وقد رزق الله سبحانه الإمام قبولاً واسعًا قلَّ نظيره؛ ولهذا عندما ذهب إلى العراق ثم مصر استطاع أن يكوِّن له أتباعًا، واستطاع أن يجذب الكثيرين مما أغضب بعض المتعصبة؛ لأنهم رأوا أن كثيرًا من أتباعهم يتركونهم شيئًا فشيئًا ملتحقين بحلقة الشافعي ودروسه، فنقم عليه بعض المتعصبة وحاولوا الكيد له فلم يفلحوا، وكان بعض المالكية يدعو على الإمام في سجوده بالموت من شدة غيظه وكرهه له، لا لشيء إلا مخالفة المذهب!

فيُحكَى أن أشهب -وهو من أئمة المالكية في مصر- كان يدعو في سجوده: اللهم أمت الشافعي، وإلا؛ ذهب علم مالك!! فبلغ ذلك الشافعيَّ فأنشد متمثلاً:

تمنّى رجالٌ أن أموت وإن أمُتْ***فتلك سبيلٌ لستُ فيها بأوْحدِ

فقُلْ للذي يبغي خلافَ الذي مضى***تزوَّدْ لأخرى غيرها فكأنْ قدِ


قال محمد بن عبد الحكم: فمات الشافعي فاشترى أشهب من تركته عبدًا، ثم مات أشهب فاشتريت أنا ذلك العبد من تركة أشهب، وكانت وفاة أشهب في شهر رجب سنة أربع ومائتين بعد الشافعي بثمانية عشر يومًا، وقيل: بشهر واحد، بل يحكى أن الإمام الشافعي دفع حياته ثمنًا لانتشار مذهبه وقبول الناس له.

ج- التصنيف:

أتى عهد الشافعي وقد بدأت بوادر التصنيف والتأليف، وخاصة في مجال الحديث. أما الفقه؛ فقد كان التصنيف فيه قليلاً، والمصنفات الفقهية السابقة على الشافعي كانت تُعد بالأصابع، بله أصول الفقه الذي لم يصنف فيه أحد حتى جاء الشافعي وصنف الرسالة وغيرها.

فالإمام مالك صنف الموطأ وهو كتاب فقهي حديثي، وأبو يوسف ألف مجموعةً من الكتب فُقد الكثير منها، والإمام أحمد صنف مجموعة من الكتب، حتى جاء الإمام الشافعي ووضع كتابه الحجة في مذهبه القديم، ولكنه أبدع في كتبه الجديدة وخاصة الأم، والذي ألفه وهو بمصر، وقد اشتمل على معظم أبواب الفقه. ولهذا قيل: إن كتاب الأم هو أول كتاب يصنف في الفقه، ولم يقتصر الأمر على هذا، بل كان للإمام السبق في تأليف وتبويب كتب لم تعرف قبله مثل: كتاب المسابقة والمناضلة.

كما أن الإمام جاء والعلماء يتجادلون ويتناظرون، ولم تكن هناك قواعد أو قوانين مدونة يتحاكمون إليها ويدرسونها لتلاميذهم كي يجعلوها قواعدَ وضوابطَ يَقيسون بها استنباطاتهم واجتهاداتهم، فصنف الإمام كتاب الرسالة في علم أصول الفقه، فكان أول واضع لهذا العلم ومرتبا ومبوبا ومخرجا له إلى النور، فلم يسبق لأحد أن كتب في هذا العلم قبل الشافعي، فالإمام أحمد يقول: ما كنا ندري ما العام ولا الخاص ولا الناسخ من المنسوخ حتى جاء الشافعي.

أقول: هذا لأن بعض الأحناف زعم أن أبا يوسف قد سبق غيره وصنف كتابًا في أصول الفقه، فإذا ما طُولِبُوا به؛ أجابوا بضياعه، والحق ما قدمناه؛ لأنه لو كان كما قيل؛ لاشتهر الأمر أولاً، وثانيًا: لم يكن أحمد أن يقول مقالته السابقة.

هذا: ويعتبر كتاب الرسالة خطوة جيدة في مجال التأليف عامة في العصر الإسلامي، وفي مجال علم أصول الفقه خاصة؛ إذ من المعلوم أن التأليف في الحديث لا يستدعي سوى استحضار الحديث بسنده، أضف إلى أنه مرَّ بمراحل حتى انتهى إلى ما انتهى إليه، لكن الرسالة لم تُبْنَ على كتابات سابقة، ولم تجمع فيها المادة كيفما اتفق.

وأصل كتاب الرسالة أن عبد الرحمن بن مهدي كتب إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتابًا فيه معاني القرآن، ويجمع فنون الأخبار فيه، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة، فوضع له كتاب الرسالة، قال عبد الرحمن بن مهدي: ما أصلي صلاة إلا وأنا أدعو للشافعي فيها.

ونفهم من هذه القصة أن كتاب الرسالة من كتب الشافعي القديمة، وأنه كتاب واحد استمر في تنقيحه وتهذيبه طوال مسيرته العلمية، فليس للشافعي رسالتان قديمة وجديدة كما ظن البعض، بدليل أن القديمة مفقودة، وكون بعضهم نقل جملاً منها لا يعني بقاؤها واستقلالها، بل نقول: إن ما نقل منها وهو غير موجود في الجديدة مما تراجع عنه الشافعي وغيَّر رأيه فيه.

د- الشافعي واللغة:

لقد كان لاختلاط الشافعي بالهذليين وحفظه لقصائدهم ودواوينهم أثر فعال في نمو ملكة ومعرفة الشافعي اللغوية، فألم بلغة العرب نحوًا وصرفًا، وكان عالمًا بلهجات العرب وتصاريف كلامها؛ ولهذا لم يعثر له على خطإ نحوي أو لغوي كما عثر لغيره، وما كان يظن أنه خطأ فهو من قلة معرفة الناقد أو تحامله.

وبديهي أن يكون الشافعي إمامًا وحجة في اللغة، كما قال أحمد وابن هشام -صاحب السيرة-: الشافعي حجة في اللغة.

لأن من شروط المجتهد المطلق أن يكون كذلك، وإن خالف في هذا بعض الأصوليين كالشاطبي وغيره، بيد أن هذا الشرط قد تحقق في الشافعي، ولهذا فاعتراض بعضهم على بعض أقوال وتفسيرات الشافعي غير صحيحة، ونضرب مثالين على ذلك:

الأول: مسألة حرف الجر، أيفيد التبعيض أو لا؟ فنُقِل عن الشافعي أنه يفيد التبعيض، فشنع عليه بعض الأحناف والمالكية وغيرهم، وقالوا: إن هذا المعنى مما لا تعرفه العرب في حرف الباء، بدليل أن علماء اللغة لم يذكروه من معانيه، بل ادعوا إجماع النحاة على ذلك، وهذا ما أخذ به ابن مالك في الألفية كما يظهر منها؛ إذ لم يعد في ألفيته هذا المعنى.

والجواب على ذلك أن يقال: إن كون النحاة لم يثبتوا هذا المعنى للباء مقابل بإثبات الشافعي له وهو حجة في اللغة، والمثبت مقدم على النافي كما هو معلوم، وكون الشافعي إمامًا في الفقه لا يعنى جهله باللغة، بل معرفة اللغة من شروط الاجتهاد، فالاحتجاج بقول الفقيه النحوي مقدم على قول النحوي فقط؛ لأن للفقهاء تدقيقات لا يدركها النحاة، وهذه لفتة مهمة ينبغي التنبه لها، ولهذا نجد تقسيمات وتدقيقات من الأصوليين في مسائل نحوية لم يذكرها النحاة، والسبب -كما قال الزركشي في مقدمة كتابه الممتع البحر المحيط-: فإن الأصوليين دققوا النظر في فهم أشياء من كلام العرب لم تصل إليها النحاة ولا اللغويون، فإن كلام العرب متسع، والنظر فيه متشعب، فكتب اللغة تضبط الألفاظ ومعانيها الظاهرة دون المعاني الدقيقة التي تحتاج إلى نظر الأصولي باستقراء زائد على استقراء اللغوي.

وأنبه هنا إلى نقطة مهمة وهي أن كون الرجل يشتهر بعلم ما لا يعني هذا بالضرورة جهله ببقية العلوم، بل قد يكون إمامًا فيها أيضًا مساويًا أو متفوقًا على الأئمة المتخصصين فيها، ولكنه -بفضل من الله- أشد معرفة وعمقًا في بعضها، فلا يعني هذا أن نلغي معرفته وإمامته في جوانب وعلوم لشهرته في علم معين، فإن هذا لمن الغمط البيِّن.

وكمثال آخر لهذا أن الإمام أحمد اشتهر عند القاصي والداني أنه محدث إمام في الحديث وعلله ورجاله.. إلخ، فظن البعض جهله بالفقه والاستنباط، وهذه جناية على الإمام أحمد، فكونه إمامًا في الحديث لا يعني أن يكون جاهلاً في غيره، وهذه كتبه وفتاواه تشهد بغزارة علمه وفقهه.

وهكذا بدلاً من أن يُصبح التبحر في علم ما منقبة أصبع على يد هؤلاء مذمة ولو بوجه من الوجوه!

ونقول أيضًا: إن الزعم بأن الباء لا تأتي للتبعيض لغة بإجماع النحاة منقوض بإثبات الأصمعي ونحاة الكوفة له.

المثال الثاني: فسر الشافعي العول في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3]، بكثرة العيال، هكذا فسره الإمام الشافعي المتفق على إمامته واجتهاده اجتهادًا مطلقًا، فجاء ابن العربي المقلد لمذهب مالك وشنع على الشافعي وتهكم به وبكبار أتباعه، واحتج بأن (عال) لا تأتي إلا لسبعة معانٍ فقط وليس منها ما قاله الشافعي، وأنه لم يقل أحد بقول الشافعي، والصحيح أن حصْره للمعاني السبعة غير سديد، بل ذكر العلماء لها معاني أخر، وكون الشافعي لم يسبق بهذا التفسير فيجاب بأن الشافعي إمام في اللغة، وعدم الذكر لا يدل على عدم الوجود، والمثبت مقدم على النافي، إضافة إلى أنه قد سبق الشافعي إلى القول به زيد بن أسلم وجابر بن زيد، وهما إمامان من أئمة المسلمين لا يفسران القرآن -ومعهما الإمام الشافعي- بما لا وجه له في العربية، وقد أخرج ذلك عنهما الدراقطني في سننه، وقد حكاه القرطبي عن الكسائي وأبي عمر الدوري وابن الأعرابي، وقال أبو حاتم: كان الشافعي أعلم بلغة العرب منا ولعله لغة، وقال الثعلبي: قال أستاذنا أبو القاسم ابن حبيب: سألت أبا عمر الدوري عن هذا -وكان إمامًا في اللغة غير مدافع- فقال: هي لغة حمير.

ولست أدري لماذا يتعجل البعض في الإنكار على أولي العلم ممن هم أعلى منه عصرًا ورتبة دون أن يتروى ويتأمل فيما يقوله ويبحث في المسألة من جوانبها، ويرجع إلى أهل الاختصاص؟! فالتعجل قد يُودِي بصاحبه خاصة إذا كان من العلماء، ثم أين حفظ أقدار علماء الأمة ومجتهديها؟!

إذن: لا بد من احترام أقوالهم وإن كان الصواب في غيرها من وجهة نظر الناقد، ولا يعني هذا التشنيع على الإمام وإطلاق العبارات الموهمة والتي تفهم اتهامه له بالجهل ونحوه.

ثم إن ابن العربي وأمثاله بالنسبة للشافعي بمثابة طلبة علم، بل لا يرتقون لمرتبة تلاميذه، وطالب العلم ليس له إلا أن يستفتي أولي العلم ويقلدهم أو يبحث في المسألة بنفسه حتى يترجح له شيء، مع حفظ مقام المجتهدين، وكونه رجح قولاً ما لا يعني هذا بلوغه مرتبة الاجتهاد، فلا يظنن أحد بنفسه ذلك إلا إن بلغها حقًّا وتوفرت شروطها.

إننا عندما نطالب العامي باحترام العالم وتوقيره لا نقصد العالم لذاته، وإنما للعلم الذي يحمله، فحري بأهل العلم أن يتمثلوا هذا الأدب قبل غيرهم.

لقد كان لبروز الشافعي في اللغة واختلاطه بالعرب الأقحاح أن تفتقت قريحته الشعرية فأثر عنه بعض الأبيات التي تميزت بالحكمة والوعظ والزهد، فكانت أشعار عالم يريد أن يوجه همم الناس لما هو أرقى وأنفع لهم في دينه ودنياهم، ولم يعر باله موضوعات الشعر الأخرى، أضف إلى أنه لم يكن يعتني بسبك الشعر على منوال الشعراء الذين يهتمون بوجوه البلاغة، وهذا وإن كان طيبًا إلا أن الشافعي بصفته فقيهًا لم يكن يولي هذا جانبًا كبيرًا في شعره، بل كان أكثر ما يهمه هو إيصال الفكرة وتجليتها بأوضح عبارة، بحيث لا تحتاج إلى تأمل فيصعب فهمها على من ليس له اهتمام شعري، وهذا ما عليه غالب العامة.

ولهذا: سارت بعض أبياته مسار الأمثال التي يحفظها الكثيرون، وكانت كلماته الشعرية الجامعات مثار إعجاب وتأثير في نفوس الناس، رغم أن من القصائد العربية ما تفوق شعر الشافعي -صناعةً- بمفاوز، ولكنها لم تحظَ بما حظيت به أبيات هذا الإمام.

وهذه نماذج من شعره:

أمتُّ مطامعي فأرحت نفسي***فإن النفس ما طمعت تهون

وأحييت القنوع وكان ميتًا***ففي إحيائها عرضي مصون

إذا طمع يحل بقلب عبد***علته مهانة وعلاه هون


وقال:

أخي لن تنال العلم إلا بستة***سأنبيك عن تفصيلها ببيان

ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة***وصحبة أستاذ وطول زمان


ومن حِكَمِه الشعرية:

لا خير في حشو الكلا***م إذا اهتديت إلى عيونه

والصمت أجمل بالفتى***من منطق في غير حينه

وعلى الفتى بطباعه***سمة تلوح على جبينه


ولم يكن الشافعي يكثر من قول الشعر، بل هي أبيات قليلة يقولها في مناسبة ما أو موقف ما، وقد قال عن نفسه وإقلاله من الشعر:

ولولا الشعر بالعلماء يزري***لكنت اليوم أشعر من لبيد

ولا يعني هذا كراهة الشعر مطلقًا، وأنه يزري بالعلماء مطلقًا، فهذا لا يقوله مثل الشافعي، خاصة وأنه قد قال الشعر وأنشده، وهو يعلم أن الشعر ديوان العرب، وبه كان حسان يدافع عن رسول الله، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (إن من الشعر لحكمة)، وإنما يريد -كما قال العلماء- مَن صرف همته إلى الشعر بحيث صار شأنه وديدنه، وهو المعني بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لأن يملأ أحدكم جوفه قيحًا يريه -أي يصيب رئتيه- خير من أن يملأه شعرً)؛ أي: أراد صرف همته إليه حتى يملأ جوفه منه، فالمراد أن يكون الشعر غالبًا عليه مستوليًا، بحيث يشغله عن القرآن والعلوم الشرعية وذكر الله.

ولكون الشافعي كان مقلا من الشعر، فقد كان كثيرًا ما يتمثل بقول غيره، وهذا ما أوقع البعض في الظن بأنها من قصائده في حين أنها لآخرين.

جدول الشافعي اليومي:

تميز كل إمام بطريقة معينة في التدريس؛ فكان أبو حنيفة يلقي الأسئلة الفقهية على تلاميذه ويناقشهم، وكان مالك يحب أسلوب العرض ويفضله على غيره فكان تلاميذه يقرؤون عليه الموطأ، كما غلب على أبي حنيفة تدريس الفقه وغلب على مالك الحديث.

أما الإمام الشافعي؛ فكان إمامًا موسوعيًّا، ورجالاً في رجل، وكان جدوله اليومي أن يصلي الفجر في المسجد، ثم يبدأ حلقته بأهل القرآن تفسيرًا وبيانًا حتى تطلع الشمس، ثم يجيئه المحدثون ثم أهل العربية، حتى ينصرف النهار ثم ينصرف.

وكان -رضي الله عنه- صبورًا على التعليم والإفتاء، وإضافة لعلوم الشرع التي ألمَّ بها كان آية في علوم ومعارفَ أخر؛ كمعرفته بأيام الناس –أي: تاريخ العرب- في الجاهلية من حروب وملاحمَ وغيرها، كما أخذ من علم الأنساب بحظ وافر، وتعرف على علم الطب عن كثب، واعتنى به وحضَّ على تعلمه.






\7





يتبع



الأكاديمية الإسلامية




[/cell][/table1]
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10-03-2012, 02:59 PM
الصورة الرمزية الزهراء
الزهراء غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
الدولة: الدنيا الفانية
المشاركات: 4,297
افتراضي رد: سيرة الإمام الشافعي [متجدد]

[table1="width:100%;background-image:url('http://www.solaim.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/48.gif');ba
ckground-color:white;border:3px groove deeppink;"][cell="filter:;"]



ترجمة الإمام الشافعي



محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، الإمام، عالم العصر، ناصر الحديث، فقيه المِلَّة أبو عبد الله القرشي ثم المطلبي الشافعي المكي، الغزي المولد، نسيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن عمه، فالمطلب هو أخو هاشم والد عبد المطلب.

اتفق مولد الإمام بغزة، ومات أبوه إدريس شابا، فنشأ محمد يتيما في حجر أمه، فخافت عليه الضيعة، فتحولت به إلى مَحْتِده وهو ابن عامين، فنشأ بمكة، وأقبل على الرمي، حتى فاق فيه الأقران، وصار يُصيب من عشرة أسهم تسعة، ثم أقبل على العربية والشعر، فبرع في ذلك وتقدم. ثم حُبِّبَ إليه الفقه، فساد أهل زمانه.

وأخذ العلم ببلده عن: مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة، وداود بن عبد الرحمن العطار، وعمه محمد بن علي بن شافع؛ فهو ابن عم العباس جد الشافعي، وسفيان بن عيينة، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي، وسعيد بن سالم، وفُضيل بن عِياض، وعدة. ولم أَرَ له شيئا عن نافع بن عمر الجمحي ونحوه، وكان معه بمكة.

وارتحل -وهو ابن نيِّف وعشرين سنة وقد أفتى وتأهل للإمامة- إلى المدينة، فحمل عن مالك بن أنس "الموطأ" عرضه من حفظه، -وقيل: من حفظه لأكثره-. وحمل عن: إبراهيم بن أبي يحيى فأكثر، وعبد العزيز الدراوردي، وعطاف بن خالد، وإسماعيل بن جعفر، وإبراهيم بن سعد وطبقتهم.

وأخذ باليمن عن: مطرف بن مازن، وهشام بن يوسف القاضي، وطائفة، وببغداد عن: محمد بن الحسن، فقيه العراق، ولازمه، وحمل عنه وقر بعير، وعن إسماعيل ابن علية، وعبد الوهاب الثقفي وخلق.

وصنف التصانيف، ودوَّن العلم، ورد على الأئمة متبعا الأثر، وصنف في أصول الفقه وفروعه، وبَعُدَ صيته، وتكاثر عليه الطلبة.

حدث عنه: الحميدي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأحمد بن حنبل، وسليمان بن داود الهاشمي، وأبو يعقوب يوسف البويطي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وحرملة بن يحيى، وموسى بن أبي الجارود المكي، وعبد العزيز المكي صاحب "الحيدة" وحسين بن علي الكرابيسي، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، والحسن بن محمد الزعفراني، وأحمد بن محمد الأزرقي، وأحمد بن سعيد الهمداني، وأحمد بن أبي شريح الرازي، وأحمد بن يحيى بن وزير المصري، وأحمد بن عبد الرحمن الوهبي، وابن عمه إبراهيم بن محمد الشافعي، وإسحاق بن راهويه، وإسحاق بن بهلول، وأبو عبد الرحمن أحمد بن يحيى الشافعي المتكلم، والحارث بن سريج النقال، وحامد بن يحيى البلخي، وسليمان بن داود المهري، وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص، وعلي بن معبد الرقي، وعلي بن سلمة اللبقي، وعمرو بن سواد، وأبو حنيفة قحزم بن عبد الله الأسواني، ومحمد بن يحيى العدني، ومسعود بن سهل المصري، وهارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن سنان القطان، وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح، ويونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وبحر بن نصر الخولاني، وخلق سواهم.

وقد أفرد الدارقطني كتاب "من له رواية عن الشافعي" في جزأين، وصنف الكبار في مناقب هذا الإمام قديما وحديثا، ونال بعض الناس منه غضا، فما زاده ذلك إلا رفعة وجلالة، ولاح للمنصفين أن كلام أقرانه فيه بهوى، وقلَّ مَن برَّز في الإمامة، ورد على من خالفه؛ إلا وعُودِيَ، نعوذ بالله من الهوى، وهذه الأوراق تضيق عن مناقب هذا السيد.

فأما جدهم السائب المطلبي؛ فكان من كبراء من حضر بدرا مع الجاهلية، فأسر يومئذ، وكان يشبَّه بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.

ووالدته هي الشِّفاء بنت أرقم بن نضلة، ونضلة هو أخو عبد المطلب جد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيقال: إنه بعد أن فدى نفسه، أسلم.

وابنه شافع له رؤية، وهو معدود في صغار الصحابة.

وولده عثمان تابعي، لا أعلم له كبير رواية.

وكان أخوال الشافعي من الأزد.

عن ابن عبد الحكم قال: لما حملت والدة الشافعي به؛ رأت كأن المشتري خرج من فرجها، حتى انقض بمصر، ثم وقع في كل بلدة منه شظية، فتأوله المعبرون أنها تلد عالما، يخص علمه أهل مصر، ثم يتفرق في البلدان.

هذه رواية منقطعة.

وعن أبي عبد الله الشافعي فيما نقله ابن أبي حاتم، عن ابن أخي ابن وهب عنه، قال: ولدت باليمن -يعني القبيلة؛ فإن أمه أزدية- قال: فخافت أمي عليّ الضيعة، وقالت: الْحَقْ بأهلك، فتكون مثلهم؛ فإني أخاف عليك أن تُغلب على نسبك، فجهزتني إلى مكة، فقدمتها يومئذ وأنا ابن عشر سنين، فصرت إلى نسيب لي، وجعلت أطلب العلم، فيقول لي: لا تشتغل بهذا، وأقبل على ما ينفعك، فجعلت لذتي في العلم.

قال ابن أبي حاتم: سمعت عمرو بن سواد: قال لي الشافعي: ولدت بعسقلان، فلما أتى عليَّ سنتان، حملتني أمي إلى مكة.

وقال ابن عبد الحكم: قال لي الشافعي: ولدت بغزة سنة خمسين ومئة وحُملت إلى مكة ابن سنتين.

قال المزني: ما رأيت أحسن وجها من الشافعي -رحمه الله- وكان ربما قبض على لحيته فلا يفضل عن قبضته.

قال الربيع المؤذن: سمعت الشافعي يقول: كنت ألزم الرمي حتى كان الطبيب يقول لي: أخاف أن يصيبك السل من كثرة وقوفك في الحر، قال: وكنت أصيب من العشرة تسعة.

قال الحميدي: سمعت الشافعي يقول: كنت يتيما في حجر أمي، ولم يكن لها ما تعطيني للمعلم، وكان المعلم قد رضي مني أن أقوم على الصبيان إذا غاب، وأخفف عنه.

وعن الشافعي قال: كنت أكتب في الأكتاف والعظام، وكنت أذهب إلى الديوان، فأستوهب الظهور، فأكتب فيها.

قال عمرو بن سواد: قال لي الشافعي: كانت نهمتي في الرمي وطلب العلم، فنلت من الرمي حتى كنت أصيب من عشرة عشرة، وسكت عن العلم، فقلت: أنت -والله- في العلم أكبر منك في الرَّمْي.

قال أحمد بن إبراهيم الطائي الأقطع: حدثنا المزني، سمع الشافعي يقول: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت "الموطأ" وأنا ابن عشر.

الأقطع مجهول.

وفي "مناقب الشافعي" للآبري سمعت الزبير بن عبد الواحد الهمذاني، أخبرنا علي بن محمد بن عيسى، سمعت الربيع بن سليمان يقول: ولد الشافعي يوم مات أبو حنيفة -رحمهما الله تعالى-.

وعن الشافعي قال: أتيت مالكا وأنا ابن ثلاث عشرة سنة -كذا قال، والظاهر أنه كان ابن ثلاث وعشرين سنة- قال: فأتيت ابن عم لي والي المدينة، فكلم مالكا، فقال: اطلب من يقرأ لك. قلت: أنا أقرأ، فقرأت عليه، فكان ربما قال لي لشيء قد مر: أعده، فأعيده حفظا، فكأنه أعجبه، ثم سألته عن مسألة، فأجابني، ثم أخرى، فقال: أنت تحب أن تكون قاضيا.

ويروى عن الشافعي: أقمت في بطون العرب عشرين سنة، آخذ أشعارها ولغاتها، وحفظت القرآن، فما علمت أنه مر بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه والمراد، ما خلا حرفين، أحدهما: دَسَّاهَا.

إسنادها فيه مجهول.

قال ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: قرأت القرآن على إسماعيل بن قسطنطين، وقال: قرأت على شبل، وأخبر شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير، وقرأ على مجاهد، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس. قال الشافعي: وكان إسماعيل يقول: القرآن اسم ليس بمهموز، ولم يؤخذ من: "قرأتُ" ولو أُخذ من "قرأتُ" كان كل ما قرئ قرآنًا، ولكنه اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل.

الأصم وابن أبي حاتم: حدثنا الربيع: سمعت الشافعي يقول: قدمت على مالك، وقد حفظت "الموطأ" ظاهرا، فقلت: أريد سماعه، قال: اطلب من يقرأ لك. فقلت: لا عليك أن تسمع قراءتي، فإن سهل عليك قرأت لنفسي.

أحمد بن الحسن الحماني: حدثنا أبو عبيد، قال: رأيت الشافعي عند محمد بن الحسن، وقد دفع إليه خمسين دينارا، وقد كان قبل ذلك دفع إليه خمسين درهما، وقال: إن اشتهيت العلم؛ فالزم. قال أبو عبيد: فسمعت الشافعي يقول: كتبتُ عن محمد وقر بعير، ولما أعطاه محمد، قال له: لا تحتشم. قال: لو كنت عندي ممن أحشمك ما قبلت بِرَّك.

ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: حملت عن محمد بن الحسن حمل بختي ليس عليه إلا سماعي.

قال أحمد بن أبي سريج: سمعت الشافعي يقول: قد أنفقت على كتب محمد ستين دينارا، ثم تدبرتها، فوضعت إلى جنب كل مسألة حديثا -يعني: رد عليه.

قال هارون بن سعيد: قال لي الشافعي: أخذت اللُّبَانَ سنة للحفظ، فأعقبني صب الدم سنة.

قال أبو عبيد: ما رأيت أحدا أعقل من الشافعي، وكذا قال يونس بن عبد الأعلى، حتى إنه قال: لو جُمعت أمّةٌ؛ لوسعهم عقله.

قلت: هذا على سبيل المبالغة، فإن الكامل العقل لو نقص من عقله نحو الربع، لبَانَ عليه نقص ما، ولبقي له نظراء، فلو ذهب نصف ذلك العقل منه، لظهر عليه النقص، فكيف به لو ذهب ثلثا عقله! فلو أنك أخذت عقول ثلاثة أنفس مثلا، وصيرتها عقلَ واحدٍ؛ لجاء منه كامل العقل وزيادة.

جماعة: حدثنا الربيع، سمعت الحميدي، سمعت مسلم بن خالد الزَّنجي يقول للشافعي: أفْتِ يا أبا عبد الله؛ فقد -والله- آن لك أن تفتي -وهو ابن خمس عشرة سنة-. وقد رواها محمد بن بشر الزنبري، وأبو نعيم الإِسْتِرَاباذي، عن الربيع، عن الحميدي قال: قال الزنجى. وهذا أشبه؛ فإن الحميدي يصغر عن السماع من مسلم، وما رأينا له في "مسنده" عنه رواية.

جماعة: حدثنا الربيع، قال الشافعي: لأن يلقى الله العبدُ بكل ذنب إلا الشِّرك خير من أن يلقاه بشيء من الأهواء.

الزبير الإِسْتِرَاباذي: حدثني محمد بن يحيى بن آدم بمصر، حدثنا ابن عبد الحكم، سمعت الشافعي يقول: لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء؛ لفروا منه كما يفرون من الأسد.

قال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي؛ ناظرته يوما في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى! ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة.

قلت: هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام، وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون.

أبو جعفر الترمذي: حدثني أبو الفضل الوَاشْجِرْدِيّ، سمعت أبا عبد الله الصاغاني قال: سألت يحيى بن أكثم عن أبي عبيد والشافعي، أيهما أعلم؟ قال: أبو عبيد كان يأتينا ها هنا كثيرا، وكان رجلا إذا ساعدته الكتب؛ كان حسن التصنيف من الكتب، وكان يرتبها بحسن ألفاظه لاقتداره على العربية. وأما الشافعي؛ فقد كنا عند محمد بن الحسن كثيرا في المناظرة، وكان رجلا قرشي العقل والفهم والذهن، صافي العقل والفهم والدماغ، سريع الإصابة -أو كلمة نحوها- ولو كان أكثر سماعا للحديث؛ لاستغنى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- به عن غيره من الفقهاء.

قال معمر بن شبيب: سمعت المأمون يقول: قد امتحنت محمد بن إدريس في كل شيء، فوجدته كاملا.

قال أحمد بن محمد بن بنت الشافعي: سمعت أبي وعمي يقولان: كان سفيان ابن عُيَيْنَة إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا؛ التفت إلى الشافعي، فيقول: سلوا هذا.

وقال تميم بن عبد الله: سمعت سويد بن سعيد يقول: كنت عند سفيان، فجاء الشافعي فسلم وجلس، فروى ابن عيينة حديثا رقيقا، فغشي على الشافعي، فقيل: يا أبا محمد، مات محمد بن إدريس. فقال ابن عيينة: إن كان مات؛ فقد مات أفضل أهل زمانه.

الحاكم: سمعت أبا سعيد بن أبي عثمان، سمعت الحسن ابن صاحب الشاشي، سمعت الربيع، سمعت الشافعي وسئل عن القرآن؟ فقال: أف أف، القرآن كلام الله، من قال: مخلوق، فقد كفر.

هذا إسناد صحيح.

أبو داود وأبو حاتم، عن أبي ثور سمعت الشافعي يقول: ما ارتدى أحد بالكلام، فأفلح.

محمد بن يحيى بن آدم: حدثنا ابن عبد الحكم، سمعت الشافعي يقول: لو علم الناس ما في الكلام والأهواء؛ لفروا منه كما يفرون من الأسد.

الزبير بن عبد الواحد: أخبرني علي بن محمد بمصر، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: كان الشافعي بعد أن ناظر حفصًا الفرد يكره الكلام، وكان يقول: والله لأن يفتي العالم، فيقال: أخطأ العالم خير له من أن يتكلم فيقال: زنديق، وما شيء أبغض إليَّ من الكلام وأهله.

قلت: هذا دال على أن مذهب أبي عبد الله أن الخطأ في الأصول ليس كالخطأ في الاجتهاد في الفروع.

الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: من حلف باسم من أسماء الله فحنث، فعليه الكفارة؛ لأن اسم الله غير مخلوق، ومن حلف بالكعبة، وبالصفا والمروة، فليس عليه كفارة، لأنه مخلوق، وذاك غير مخلوق.

وقال أبو حاتم: حدثنا حرملة، سمعت الشافعي يقول: الحلفاء خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمر بن عبد العزيز.

قال الحارث بن سريج: سمعت يحيى القطان يقول: أنا أدعو الله للشافعي، أخصه به.

وقال أبو بكر بن خلاد: أنا أدعو الله في دبر صلاتي للشافعي.

الحسين بن علي الكرابيسي قال: قال الشافعي: كل متكلم على الكتاب والسنة فهو الجد، وما سواه، فهو هذيان.

ابن خزيمة، وجماعة قالوا: حدثنا يونس بن عبد الأعلى: قال الشافعي: لا يقال: لم للأصل، ولا كيف.

‎وعن يونس، سمع الشافعي يقول: الأصل: القرآن، والسنة، وقياس عليهما، والإجماع أكبر من الحديث المنفرد.

ابن أبي حاتم: سمعت يونس يقول: قال الشافعي: الأصل قرآن أو سنة، فإن لم يكن فقياس عليهما، وإذا صح الحديث؛ فهو سنة، والإجماع أكبر من الحديث المنفرد، والحديث على ظاهره، وإذا احتمل الحديث معاني فما أشبه ظاهره، وليس المنقطع بشيء ما عدا منقطع ابن المسيَّب، وكُلاًّ رأيته استعمل الحديث المنفرد، استعمل أهل المدينة في التفليس قوله -عليه السلام-: (إذا أدْرَكَ الرَّجُلُ مَالَهُ بعيْنِه؛ فهُوَ أحقُّ به)، واستعمل أهل العراق حديث العُمْرَى.

ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع، سمعت الشافعي يقول: قراءة الحديث خير من صلاة التطوع، وقال: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.

ابن أبي حاتم: حدثنا يونس، قلت للشافعي: صاحبنا الليث يقول: لو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء؛ ما قبلته. قال: قَصَّرَ، لو رأيته يمشي في الهواء؛ لما قبلته.

قال الربيع: سمعت الشافعي قال لبعض أصحاب الحديث: أنتم الصيادلة، ونحن الأطباء.

زكريا الساجي: حدثني أحمد بن مردك الرازي، سمعت عبد الله بن صالح صاحب الليث يقول: كنا عند الشافعي في مجلسه، فجعل يتكلم في تثبيت خبر الواحد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكتبناه، وذهبنا به إلى إبراهيم بن علية، وكان من غلمان أبي بكر الأصم وكان في مجلسه عند باب الصوفي، فلما قرأنا عليه جعل يحتج بإبطاله، فكتبنا ما قال، وذهبنا به إلى الشافعي، فنقضه، وتكلم بإبطاله، ثم كتبناه، وجئنا به إلى ابن علية، فنقضه، ثم جئنا به إلى الشافعي، فقال: إن ابن علية ضال، قد جلس بباب الضَّوالِّ يضل الناس.

قلت: كان إبراهيم من كبار الجهمية، وأبوه إسماعيل شيخ المحدثين إمام.

المزني: سمعت الشافعي يقول: من تعلم القرآن؛ عظمت قيمته، ومن تكلم في الفقه نما قدره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في اللغة؛ رَقَّ طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه، لم ينفعه علمه.

إبراهيم بن مَتُّويه الأصبهاني: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال الشافعي: كل حديث جاء من العراق وليس له أصل في الحجاز؛ فلا تقبله، وإن كان صحيحا، ما أريد إلا نصيحتك.

قلت: ثم إن الشافعي رجع عن هذا، وصحح ما ثبت إسناده لهم.

ويروى عنه: إذا لم يوجد للحديث أصل في الحجاز؛ ضُعِّفَ، أو قال: ذهب نُخَاعُه.

أخبرنا إبراهيم بن علي العابد في كتابه، أخبرنا زكريا العلبي وجماعة، قالوا: أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي، قال: أفادني يعقوب، وكتبته من خطه، أخبرنا أبو علي الخالدي، سمعت محمد بن الحسين الزعفراني، سمعت عثمان بن سعيد بن بشار الأنماطي، سمعت المزني يقول: كنت أنظر في الكلام قبل أن يقدم الشافعي، فلما قدم أتيته، فسألته عن مسألة من الكلام، فقال لي: تدري أين أنت؟ قلت: نعم، في مسجد الفسطاط. قال لي: أنت في تاران -قال عثمان: وتاران موضع في بحر القُلْزُم، لا تكاد تسلم منه سفينة- ثم ألقى عليَّ مسألة في الفقه، فأجبت، فأدخل شيئا أفسد جوابي، فأجبت بغير ذلك، فأدخل شيئا أفسد جوابي، فجعلت كلما أجبت بشيء، أفسده، ثم قال لي: هذا الفقه الذي فيه الكتاب والسنة وأقاويل الناس، يدخله مثل هذا، فكيف الكلام في رب العالمين، الذي فيه الزلل كثير؟! فتركت الكلام، وأقبلت على الفقه.

عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت محمد بن داود يقول: لم يحفظ في دهر الشافعي كله أنه تكلم في شيء من الأهواء، ولا نُسب إليه، ولا عُرف به، مع بغضه لأهل الكلام والبدع.

وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، قال: كان الشافعي إذا ثبت عنده الخبر، قلده، وخير خصلة كانت فيه لم يكن يشتهي الكلام، إنما همته الفقه.

وقال أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت عبد الرحمن بن محمد بن حامد السلمي، سمعت محمد بن عقيل بن الأزهر يقول: جاء رجل إلى المزني يسأله عن شيء من الكلام، فقال: إني أكره هذا، بل أنهى عنه كما نهى عنه الشافعي، لقد سمعت الشافعي يقول: سئل مالك عن الكلام والتوحيد، فقال: مُحال أن نظن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه علَّم أمَّته الاستنجاء، ولم يعلمهم التوحيد، والتوحيد ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقُولُوا: لا إلَه إلاَّ اللهَ)، فما عُصِمَ به الدَّمُ والمَالُ حقيقةُ التوحيد.

زكريا الساجي: سمعت محمد بن إسماعيل، سمعت حسين بن علي الكرابيسي يقول: شهدت الشافعي، ودخل عليه بشر الْمَرِيسِي، فقال لبشر: أخبرني عما تدعو إليه، أكِتَابٌ ناطِقٌ، وفرْض مفتَرِض، وسُنَّةٌ قائمة، ووجدت عن السلف البحث فيه والسؤال؟ فقال بشر: لا، إلا أنه لا يسعنا خلافه، فقال الشافعي: أقررت بنفسك على الخطأ، فأين أنت عن الكلام في الفقه والأخبار، يواليك الناس وتترك هذا؟ قال: لنا نهمة فيه. فلما خرج بشر، قال الشافعي: لا يفلح.

أبو ثور والربيع سمعا الشافعي يقول: ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح.

قال الحسين بن إسماعيل المحاملي: قال المزني: سألت الشافعي عن مسألة من الكلام، فقال: سلني عن شيء، إذا أخطأت فيه، قلت: أخطأتُ، ولا تسألني عن شيء إذا أخطأت فيه، قلت: كفرت.

زكريا الساجي: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: قال لي الشافعي: يا محمد! إن سألك رجل عن شيء من الكلام، فلا تجبه، فإنه إن سألك عن دِيَة، فقلت: درهما، أو دانقا، قال لك: أخطأت، وإن سألك عن شيء من الكلام، فزللت، قال لك: كفرت.

قال الربيع: سمعت الشافعي يقول: المِرَاءُ في الدِّينِ يُقَسِّي القلب، ويورث الضغائن.

وقال صالح جزرة: سمعت الربيع يقول: قال الشافعي: يا ربيع! اقْبَلْ منِّي ثلاثةً: لا تَخُوضَنَّ في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن خصمك النبي -صلى الله عليه وسلم- غدًا، ولا تشتغل بالكلام؛ فإني قد اطلعت من أهل الكلام على التعطيل. وزاد المزني: ولا تشتغل بالنجوم.

وعن حسين الكرابيسي قال: سئل الشافعي عن شيء من الكلام، فغضب، وقال: سل عن هذا حفصا الفرد وأصحابه أخزاهم الله.

الأصم: سمعت الربيع، سمعت الشافعي يقول: وددت أن الناس تعلموا هذا العلم -يعني كتبه- على أن لا ينسب إليَّ منه شيء.

وعن الشافعي: حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صَبِيغ.

الزعفراني وغيره: سمعنا الشافعي يقول: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد، ويحملوا على الإبل، ويطاف بهم في العشائر، يُنادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على الكلام.

وقال أبو عبد الرحمن الأشعري صاحب الشافعي: قال الشافعي: مذهبي في أهل الكلام تقنيع رؤوسهم بالسياط، وتشريدهم في البلاد.

قلت: لعل هذا متواتر عن الإمام.

الربيع: سمعت الشافعي يقول: ما ناظَرْتُ أحدًا على الغَلَبَة إلا على الحق عندي.

والزعفراني عنه: ما ناظرت أحدا إلا على النصيحة.

زكريا الساجي: حدثنا أحمد بن العباس النسائي، سمعت الزعفراني، سمعت الشافعي يقول: ما ناظرت أحدا في الكلام إلا مرَّةً، وأنا أستغفر الله من ذلك.

سعيد بن أحمد اللخمي: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، سمعت الشافعي يقول: إذا سمعت الرجل يقول: الاسم غير المُسَمَّى، والشيء غير المُشِيء، فاشهد عليه بالزندقة.

سعيد مصري لا أعرفه.

ويروى عن الربيع: سمعت الشافعي يقول في كتاب "الوصايا": لو أن رجلا أوصى بكتبه من العلم لآخر، وكان فيها كتب الكلام، لم تدخل في الوصية، لأنه ليس من العلم.

وعن أبي ثور: قلت للشافعي: ضع في الإرجاء كتابا، فقال: دع هذا. فكأنه ذم الكلام.

محمد بن إسحاق بن خزيمة: سمعت الربيع يقول: لما كلم الشافعيَّ حفصٌ الفرد، فقال حفص: القرآن مخلوق. فقال له الشافعي: كفرتَ بالله العظيم.

قال المزني: كان الشافعي ينهى عن الخوض في الكلام. أبو حاتم الرازي: حدثنا يونس، سمعت الشافعي يقول: قالت لي أم المريسي: كلم بشرا أن يكف عن الكلام، فكلمته، فدعاني إلى الكلام.

الساجي: حدثنا إبراهيم بن زياد الأُبُلِيّ، سمعت البويطي يقول: سألت الشافعي: أصلي خلف الرافضي؟ قال: لا تصل خلف الرافضي، ولا القَدَرِيِّ، ولا المُرْجِئ. قلت: صفهم لنا. قال: من قال: الإيمان قَوْلٌ، فهو مُرْجِئ، ومن قال: إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامين، فهو رافضي، ومن جعل المشيئة إلى نفسه، فهو قَدَرِيُّ.

ابن أبي حاتم: سمعت الربيع، قال لي الشافعي: لو أردت أن أضع على كل مخالف كتابا لفعلت، ولكن ليس الكلام من شأني، ولا أحب أن ينسب إلي منه شيء.

قلت: هذا النفس الزكي متواتر عن الشافعي.

قال علي بن محمد بن أبان القاضي: حدثنا أبو يحيى زكريا الساجي، حدثنا المزني، قال: قلت: إن كان أحد يخرج ما في ضميري، وما تعلق به خاطري من أمر التوحيد فالشافعي، فصرت إليه، وهو في مسجد مصر، فلما جثوت بين يديه، قلت: هجس في ضميري مسألة في التوحيد، فعلمت أن أحدا لا يعلم علمك، فما الذي عندك؟ فغضب، ثم قال: أتدري أين أنت؟ قلت: نعم، قال: هذا الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون. أبلغك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بالسؤال عن ذلك؟ قلت: لا، قال: هل تكلم فيه الصحابة؟ قلت: لا، قال: تدري كم نجما في السماء؟ قلت: لا، قال: فكوكب منها؛ تعرف جنسه، طلوعه، أفوله، مم خلق؟ قلت: لا، قال: فشيءٌ تراه بعينِك من الخلق لستَ تعرفه، تتكلم في عِلْمِ خالقه؟! ثم سألني عن مسألة في الوضوء، فأخطأت فيها، ففرعها على أربعة أوجه، فلم أصب في شيء منه، فقال: شيء تحتاج إليه في اليوم خمس مرات، تدع علمه، وتتكلف علم الخالق، إذا هجس في ضميرك ذلك، فارجع إلى الله، وإلى قوله تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾، ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ..﴾ الآية. فاستَدِلّ بالمخلوق على الخالق، ولا تتكلَّفْ علم ما لم يَبْلُغْه عقلُك. قال: فتبت.

قال ابن أبي حاتم: في كتابي عن الربيع بن سليمان، قال: حضرت الشافعي، أو حدثني أبو شعيب، إلاّ أني أعلم أنه حضر عبد الله بن عبد الحكم، ويوسف بن عمرو، وحفص الفرد، وكان الشافعي يسميه: حفصا المنفرد، فسأل حفص عبد الله: ما تقول في القرآن؟ فأبى أن يجيبه، فسأل يوسف، فلم يجبه، وأشار إلى الشافعي، فسأل الشافعي، واحتج عليه، فطالت فيه المناظرة، فقام الشافعي بالحجة عليه بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وبكفر حفص.

قال الربيع: فلقيت حفصا، فقال: أراد الشافعي قتلي.

الربيع: سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص. وسمعته يقول: تجاوز الله عما في القلوب، وكتب على الناس الأفعال والأقاويل.

وقال المزني: قال الشافعي: يقال لمن ترك الصلاة لا يعملها: فإن صلَّيْتَ وإلاّ اسْتَتَبْنَاكَ، فإن تُبْتَ، وإلا قتلناك، كما تكفر، فنقول: إن آمنت وإلا قتلناك.

وعن الشافعي قال: ما كابرني أحد على الحق ودافع، إلا سقط من عيني، ولا قبله إلا هبته، واعتقدت مودته.

عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: قال الشافعي: أنتم أعلم بالأخبار الصِّحاح منا، فإذا كان خبر صحيح، فأعلمني حتى أذهب إليه، كوفيا كان، أو بصريا، أو شاميا.

وقال حرملة: قال الشافعي: كل ما قلته فكان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلاف قولي مما صح، فهو أولى، ولا تقلدوني.

الربيع: سمعت الشافعي يقول: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولوا بها، ودعوا ما قلته.

وسمعته يقول -وقد قال له رجل: تأخذ بهذا الحديث يا أبا عبد الله؟ فقال: متى رويت عن رسول الله حديثا صحيحا ولم آخذ به، فأشهدكم أن عقلي قد ذهب.

وقال الحميدي: روى الشافعي يوما حديثا، فقلت: أتأخذ به؟ فقال: رأيتَنِي خرجتُ مِن كَنِيسة، أو عليَّ زنار، حتى إذا سمعتُ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثا لا أقول به؟!

قال الربيع: وسمعته يقول: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا رويت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثا فلم أقل به؟!

وقال أبو ثور: سمعته يقول: كل حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو قولي، وإن لم تسمعوه منِّي.

ويروى أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي وإذا صح الحديث، فاضربوا بقولي الحائط.

محمد بن بشر العكري وغيره: حدثنا الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي قد جزَّء الليل، فثلثه الأول يكتب، والثاني يصلي، والثالث ينام.

قلت: أفعاله الثلاثة عبادة بالنية.

قال زكريا الساجي: حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثني حسين الكرابيسي: بت مع الشافعي ليلة، فكان يصلي نحو ثلث الليل، فما رأيته يزيد على خمسين آية، فإذا أكثر، فمئة آية، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله، ولا بآية عذاب إلا تعَوَّذ، وكأنما جمع له الرجاء والرهبة جميعا.

قال الربيع بن سليمان من طريقين عنه، بل أكثر: كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة.

ورواها ابن أبي حاتم عنه، فزاد: كل ذلك في صلاة.

أبو عوانة الإسفراييني: حدثنا الربيع، سمعت الشافعي يقول: ما شبِعْتُ منذ ست عشرة سنة إلا مرَّة، فأدخلت يدي فتَقَيَّأتها.

رواها ابن أبي حاتم عن الربيع، وزاد: لأن الشِّبَع يثقل البدن، ويقسي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف عن العبادة.

الزبير بن عبد الواحد: أخبرنا أبو بكر محمد بن القاسم بن مطر، سمعت الربيع: قال لي الشافعي: عليك بالزهد، فإن الزهد على الزاهد أحسن من الحلي على المرأة الناهد.

قال الزبير: وحدثني إبراهيم بن الحسن الصوفي، سمعت حرملة، سمعت الشافعي يقول: ما حلفت بالله صادقا ولا كاذبا.

قال أبو داود: حدثني أبو ثور قال: قل ما كان يمسك الشافعي الشيء من سماحته.

وقال عمرو بن سواد: كان الشافعي أسخى الناس على الدينار والدرهم والطعام، فقال لي الشافعي: أفلست من دهري ثلاث إفلاسات، فكنت أبيع قليلي وكثيري حتى حلي بنتي وزوجتي، ولم أرهن قط.

قال الربيع: أخذ رجل بركاب الشافعي، فقال لي: أعطه أربعة دنانير، واعذرني عنده.

سعيد بن أحمد اللخمي المصري: سمعت المزني يقول: كنت مع الشافعي يوما، فخرجنا الأكوام فمر بهدف، فإذا برجل يرمي بقوس عربية، فوقف عليه الشافعي ينظر، وكان حسن الرمي، فأصاب بأسهم، فقال الشافعي: أحسنت، وبرك عليه، ثم قال: أعطه ثلاثة دنانير، واعذرني عنده.

وقال الربيع: كان الشافعي مارا بالحذائين، فسقط سوطه، فوثب غلام، ومسحه بكمه، وناوله، فأعطاه سبعة دنانير.

قال الربيع: تزوجت، فسألني الشافعي: كم أصدقتها؟ قلت: ثلاثين دينارا، عجلت منها ستة. فأعطاني أربعة وعشرين دينارا.

أبو جعفر الترمذي: سمعت الربيع قال: كان بالشافعي هذه البواسير، وكانت له لِبْدَة مَحْشُوَّة بِحُلْبَة يجلس عليها، فإذا ركب، أخذت تلك اللبدة، ومشيت خلفه، فناوله إنسان رقعة يقول فيها: إنني بقال، رأس مالي درهم، وقد تزوجت، فأعِنِّي، فقال: يا ربيع! أعطه ثلاثين دينارا واعذرني عنده. فقلت: أصلحك الله! إن هذا يكفيه عشرة دراهم، فقال: ويحك! وما يصنع بثلاثين؟ أفي كذا، أم في كذا -يعد ما يصنع في جهازه- أعطه.

ابن أبي حاتم: أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا محمد بن روح، حدثنا الزبير بن سليمان القرشي، عن الشافعي، قال: خرج هرثمة، فأقرأني سلام أمير المؤمنين هارون، وقال: قد أمر لك بخمسة آلاف دينار. قال: فحمل إليه المال، فدعا بحجام، فأخذ شعره، فأعطاه خمسين دينارا، ثم أخذ رِقَاعًا، فصَرَّ صُرَرًا، وفرَّقها في القرشِيِّين الذين هم بالحضرة ومن بمكة، حتى ما رجع إلى بيته إلا بأقل من مئة دينار.

محمد بن بشر العكري: سمعت الربيع قال: أخبرني الحميدي قال: قدم الشافعي صنعاء، فضربت له خيمة، ومعه عشرة آلاف دينار، فجاء قوم، فسألوه، فما قلعت الخيمة ومعه منها شيء. رواها الأصم وجماعة عن الربيع.

وعن إبراهيم بن برانة قال: كان الشافعي جسيما طوالا نبيلا.

قال ابن عبد الحكم: كان الشافعي أسخى الناس بما يجد، وكان يمر بنا، فإن وجدني، وإلا قال: قولوا لمحمد إذا جاء يأتي المنزل، فإني لا أتغدى حتى يجيء.

داود بن علي الأصبهاني: حدثنا أبو ثور قال: كان الشافعي من أسمح الناس، يشتري الجارية الصنَّاع التي تطبخ وتعمل الحلواء، ويشترط عليها هو أن لا يقربها، لأنه كان عليلا لا يمكنه أن يقرب النساء لباسور به إذ ذاك، وكان يقول لنا: اشتهوا ما أردتم.

قال أبو علي بن حمكان حدثني أبو إسحاق المزكي، حدثنا ابن جذيمة، حدثنا الربيع، قال: أصحاب مالك كانوا يفخرون، فيقولون: إنه يحضر مجلس مالك نحو من ستين معمما. والله لقد عددت في مجلس الشافعي ثلاث مئة معمَّم سوى من شذ عني.

قال الربيع: اشتريت للشافعي طيبا بدينار، فقال: ممن اشتريت؟ قلت: من ذاك الأشقر الأزرق. قال: أشقر أزرق! رده، رده، ما جاءني خير قط من أشقر.

أبو حاتم: حدثنا حرملة، حدثنا الشافعي، يقول: احذر الأعور، والأعرج، والأحول، والأشقر، والكوسج، وكل ناقص الخلق؛ فإنه صاحب التواء، ومعاملته عسرة.

العكري: سمعت الربيع يقول: كنت أنا والمزني والبويطي عند الشافعي، فنظر إلينا، فقال لي: أنت تموت في الحديث، وقال للمزني: هذا لو ناظره الشيطان، قطعه وجدله، وقال للبويطي: أنت تموت في الحديد قال: فدخلت على البويطي أيام المحنة، فرأيته مقيدا مغلولا. وجاءه رجل مرة، فسأله -يعني الشافعي- عن مسألة، فقال: أنت نساج؟ قال: عندي أجراء.

أحمد بن سلمة النيسابوري: قال أبو بكر محمد بن إدريس ورَّاق الحميدي: سمعت الحميدي يقول: قال الشافعي: خرجتُ إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها وجمعتها.

وعن الربيع قال: مر أخي، فرآه الشافعي، فقال: هذا أخوك؟ ولم يكن رآه. قلت: نعم.

أبو علي بن حمكان: حدثنا أحمد بن محمد بن هارون الهمذاني العدل، حدثنا أبو مسلم الكجي، حدثنا الأصمعي، عن الشافعي: أصل العلم التثبيت، وثمرته السلامة، وأصل الورع القناعة، وثمرته الراحة، وأصل الصبر الحزم، وثمرته الظفر، وأصل العمل التوفيق، وثمرته النجح، وغاية كل أمر الصدق.

بلغنا عن الكديمي، حدثنا الأصمعي، قال: سمعت الشافعي يقول: العالم يسأل عما يعلم وعما لا يعلم، فيثبت ما يعلم، ويتعلم ما لا يعلم، والجاهل يغضب من التعلم، ويأنف من التعليم.

أبو حاتم: حدثنا محمد بن يحيى بن حسان، سمعت الشافعي يقول: العلم علمان: علم الدين وهو الفقه، وعلم الدنيا وهو الطب، وما سواه من الشعر وغيره فعناء وعبث.

وعن الربيع قال: قلت للشافعي: من أقدر الفقهاء على المناظرة؟ قال: من عوَّد لسانه الركض في ميدان الألفاظ لم يتلعثم إذا رَمَقَتْهُ العيون.

في إسنادها أبو بكر النقاش وهو واه.

وعن الشافعي: بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد.

قال يونس الصدفي: قال لي الشافعي: ليس إلى السلامة من الناس سبيل، فانظر الذي فيه صلاحك فالزمه.

وعن الشافعي قال: ما رفعت من أحد فوق منزلته إلا وضع مني بمقدار ما رفعت منه.

وعنه: ضياع العالم أن يكون بلا إخوان، وضياع الجاهل قلة عقله، وأضيع منهما من واخى من لا عقل له.

وعنه: إذا خفت على عملك العجْب؛ فاذكر رِضَى مَنْ تَطْلُب، وفي أي نعيم ترغب، ومن أي عقاب تَرْهَب. فمن فكر في ذلك صَغُرَ عنده عملُه.

آلات الرياسة خمس: صدق اللهجة، وكتمان السِّر، والوفاء بالعهد، وابتداء النصيحة، وأداء الأمانة.

محمد بن فهد المصري: حدثنا الربيع، سمعت الشافعي يقول: من استُغْضِبَ فلم يغضب؛ فهو حِمَارٌ، ومن استُرْضي فلمْ يَرْضَ؛ فهو شيْطَانٌ.

أبو سعيد بن يونس: حدثنا الحسين بن محمد بن الضحاك الفارسي، سمعت المزني، سمعت الشافعي قال: أيما أهل بيت لم يخرج نساؤهم إلى رجال غيرهم، ورجالهم إلى نساء غيرهم إلا وكان في أولادهم حُمق.

زكريا بن أحمد البلخي القاضي: سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد بن نصر الترمذي، يقول: رأيت في المنام النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسجده بالمدينة فكأني جئت، فسلَّمْتُ عليه، وقلت: يا رسول الله! أكتب رأي مالك؟ قال: لا. قلت: أكتب رأي أبي حنيفة؟ قال: لا. قلت: أكتب رأي الشافعي؟ فقال بيده هكذا، كأنه انتهرني، وقال: تقول: رأي الشافعي! إنه ليس برأيٍ، ولكنَّه ردٌّ على من خالف سنتي. رواها غير واحد عن أبي جعفر.

عبد الرحمن بن أبي حاتم: حدثني أبو عثمان الخوارزمي نزيل مكة فيما كتب إليَّ، حدثنا محمد بن رشيق، حدثنا محمد بن حسن البلخي، قال: قلت في المنام: يا رسول الله! ما تقول في قول أبي حنيفة، والشافعي، ومالك؟ فقال: لا قول إلا قولي، لكن قول الشافعي ضد قول أهل البدع.

وروى من وجهين عن أحمد بن الحسن الترمذي الحافظ، قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام، فسألته عن الاختلاف، فقال: أما الشافعي، فمني وإليّ. وفي الرواية الأخرى: أحيى سنتي.

روى جعفر ابن أخي أبي ثور الكلبي، عن عمه، قال: كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ، فوضع له كتاب "الرسالة".

وقال أبو ثور: قال لي عبد الرحمن بن مهدي: ما أصلي صلاة إلا وأنا أدعو للشافعي فيها.

وقال الزعفراني: حج بشر المريسي، فلما قدم، قال: رأيت بالحجاز رجلا، ما رأيت مثله سائلا ومجيبا -يعني الشافعي- قال: فقدم علينا، فاجتمع إليه الناس، وخفوا عن بشر، فجئت إلى بشر، فقلت: هذا الشافعي الذي كنت تزعم قد قدم، قال: إنه قد تغير عما كان عليه، قال: فما كان مثل بشر إلا مثل اليهود في شأن عبد الله بن سلام.

قال الميموني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ستة أدعو لهم سَحَرًا، أحدهم الشافعي.

وقال محمد بن هارون الزنجاني: حدثنا عبد الله بن أحمد، قلت لأبي: أي رجل كان الشافعي، فإني سمعتك تكثر من الدعاء له؟ قال: يا بني، كان كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فهل لهذين من خلف أو منهما عوض؟ الزنجاني لا أعرفه.

قال أبو داود: ما رأيت أبا عبد الله يميل إلى أحد ميله إلى الشافعي.

وقال قتيبة بن سعيد: الشافعي إمام.

قلت: كان هذا الإمام مع فرط ذكائه وسعة علمه يتناول ما يقوي حافظته.

قال هارون بن سعيد الأيلي: قال لنا الشافعي: أخذت اللُّبَان سنة للحفظ، فأعقبني رمي الدم سنة.

قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن سهل النابلسي الشهيد، حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي، سمعت تميم بن عبد الله الرازي، سمعت أبا زُرْعَة، سمعت قتيبة بن سعيد يقول: مات الثوري ومات الورع، ومات الشافعي وماتت السُّنَن، ويموت أحمد بن حنبل وتظهر البِدَع.

أبو ثور الكلبي: ما رأيت مثل الشافعي، ولا رأى هو مثل نفسه.

وقال أيوب بن سويد: ما ظننت أني أعيش حتى أرى مثل الشافعي.

قال أحمد بن حنبل من طرق عنه: إن الله يُقَيِّضُ للنَّاسِ في رأس كل مئة من يعلمهم السُّنَن، وينفي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكذب، قال: فنظرنا، فإذا في رأس المئة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المئتين الشافعي.

قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: سُمِّيتُ ببغداد ناصر الحديث.

الفضل بن زياد: سمعت أحمد يقول: ما أحد مسّ مَحْبَرة ولا قلما، إلا وللشافعي في عنقه مِنَّةٌ.

وعن أحمد: كان الشافعي من أفصح الناس.

قال إبراهيم الحربي: سألت أبا عبد الله عن الشافعي، فقال: حديث صحيح، ورأي صحيح.

قال الحسن الزعفراني: ما قرأت على الشافعي حرفا من هذه الكتب، إلا وأحمد حاضر.

وقال إسحاق بن راهويه: ما تكلم أحد بالرأي -وذكر جماعة من أئمة الاجتهاد- إلا والشافعي أكثر اتباعا منه، وأقل خطأ منه، الشافعي إمام.

قال يحيى بن معين: ليس به بأس.

وعن أبي ززعة الرازي، قال: ما عند الشافعي حديث فيه غلط.

وقال أبو داود السجستاني: ما أعلم للشافعي حديثا خطأ.

قلت: هذا من أدل شيء على أنه ثقة حجة حافظ. وناهيك بقول مثل هذين.

وقد صنف الحافظ أبو بكر الخطيب كتابا في ثبوت الاحتجاج بالإمام الشافعي. وما تكلم فيه إلا حاسد أو جاهل بحاله، فكان ذلك الكلام الباطل منهم موجبا لارتفاع شأنه، وعلو قدره، وتلك سنة الله في عباده: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾.

قال أبو حاتم الرازي: محمد بن إدريس صدوق.

وقال الربيع بن سليمان: كان الشافعي -والله- لسانه أكبر من كتبه، لو رأيتموه لقلتم: إن هذه ليست كتبه.

وعن يونس بن عبد الأعلى قال: ما كان الشافعي إلا ساحرا ما كنا ندري ما يقول إذا قعدنا حوله، كأن ألفاظه سَكَرٌ، وكان قد أوتي عذوبة منطق، وحسن بلاغة، وفرط ذكاء وسيلان ذهن، وكمال فصاحة، وحضور حجة.

فعن عبد الملك بن هشام اللغوي، قال: طالت مجالستنا للشافعي، فما سمعت منه لحنة قط.

قلت: أنى يكون ذلك، وبمثله في الفصاحة يضرب المثل، كان أفصح قريش في زمانه، وكان مما يؤخذ عنه اللغة.

قال أحمد بن أبي سريج الرازي: ما رأيت أحدا أفوه ولا أنطق من الشافعي.

وقال الأصمعي: أخذت شعر هذيل عن الشافعي.

وقال الزبير بن بكار: أخذت شعر هذيل ووقائعها عن عمي مصعب بن عبد الله، وقال: أخذتها من الشافعي حفظا.

قال موسى بن سهل الجوني حدثنا أحمد بن صالح: قال لي الشافعي: تَعَبَّدْ من قبل أن ترأس، فإنك إن ترأست، لم تقدر أن تتعبد.

ثم قال أحمد: كان الشافعي إذا تكلم كأن صوته صوت صنج وجرس من حسن صوته.

قال ابن عبد الحكم: ما رأيت الشافعي يناظر أحدا إلا رحمته ولو رأيت الشافعي يناظرك لظننت أنه سبع يأكلك، وهو الذي علم الناس الحُجج.

قال الربيع بن سليمان: سئل الشافعي -رحمه الله- عن مسألة، فأعجب بنفسه، فأنشأ يقول:

إذَا المُشكَلاتُ تَصَدَّيْنَنِي***كَشَفْتُ حقَائِقَها بالنَّظَر

ولَسْتُ بإِمَّعَةٍ في الرِّجَالِ***أُسائِلُ هذَا وذَا مَا الخَبَر

ولكنِّي مدره الأصْغَرَيْنِ***فتَّاحُ خَيْرٍ وفَرَّاجُ شَر

وروى عن هارون بن سعيد الأيلي قال: لو أن الشافعي ناظر على أن هذا العمود الحجر خشب لغلب، لاقتداره على المناظرة.

قال الزعفراني: قدم علينا الشافعي بغداد سنة خمس وتسعين، فأقام عندنا سنتين، وخرج إلى مكة، ثم قدم سنة ثمان وتسعين، فأقام عندنا أشهرا، وخرج -يعني إلى مصر-.

قلت: قد قدم بغداد سنة بضع وثمانين ومئة، وأجازه الرشيد بمال، ولازم محمد بن الحسن مدة، ولم يلق أبا يوسف القاضي، مات قبل قدوم الشافعي.

قال المزني: لما وافى الشافعي مصر؛ قلت في نفسي: إن كان أحد يخرج ما في ضميري من أمر التوحيد فهو.

تقدمت هذه الحكاية، وهذه الرواية سماع زكريا الساجي من المزني، قال: فكلمته، فغضب، وقال: أتدري أين أنت؟ هذا الموضع الذي غرق فيه فرعون. أبَلَغَكَ أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بالسؤال عن ذلك؟ قلت: لا، قال: فهل تكلم فيه الصحابة؟ قلت: لا.

قال الحسن بن رشيق الحافظ: حدثنا فقير بن موسى بن فقير الأسواني، حدثنا أبو حنيفة قحزم بن عبد الله الأسواني، حدثنا الشافعي، حدثنا أبو حنيفة بن سماك بن الفضل الخولاني الشهابي، حدثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوم الفتح: (مَنْ قُتِلَ لهُ قَتِيلٌ؛ فهُوَ بِخَيْرِ النّظريْن، إنْ أَحَبَّ العقل؛ أخذ، وإنْ أَحَبَّ؛ فلَهُ القَوَدُ) رواه الدارقطني عن ابن رشيق.





\7







الأكاديمية الإسلامية




[/cell][/table1]
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 10-03-2012, 03:16 PM
الصورة الرمزية الزهراء
الزهراء غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
الدولة: الدنيا الفانية
المشاركات: 4,297
افتراضي رد: سيرة الإمام الشافعي [متجدد]

[table1="width:100%;background-image:url('http://www.solaim.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/48.gif');ba
ckground-color:white;border:3px groove deeppink;"][cell="filter:;"]




تابع لترجمة الإمام الشافعي


الحسن بن سفيان: حدثنا أبو ثور، سمعت الشافعي -وكان من معادن الفقه، ونقاد المعاني، وجهابذة الألفاظ- يقول: حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ؛ لأن المعاني مبسوطة إلى غير غاية، وأسماء المعاني معدودة محدودة، وجميع أصناف الدلالات على المعاني لفظا وغير لفظ خمسة أشياء: اللفظ، ثم الإشارة، ثم العقد، ثم الخط، ثم الذي يسمى النصبة، والنصبة في الحال الدلالة التي لا تقوم مقام تلك الأصناف، ولا تقصر عن تلك الدلالات، ولكل واحد من هذه الخمسة صورة بائنة من صورة صاحبتها، وحلية مخالفة لحلية أختها، وهي التي تكشف لك عن أعيان المعاني في الجملة، وعن خفائها عن التفسير، وعن أجناسها وأفرادها، وعن خاصها وعامها، وعن طباعها في السار والضار، وعما يكون بهوا بهرجا، وساقطا مدحرجا.

قال يونس بن عبد الأعلى: قال لي الشافعي: ليس إلى السلامة من الناس سبيل، فانظر الذي فيه صلاحك فالزمه.

قال حرملة: سئل الشافعي عن رجل في فمه تمرة، فقال: إن أكلتها، فامرأتي طالق، وإن طرحتها، فامرأتي طالق، قال: يأكل نصفا، ويطرح النصف.

قال الربيع: قال لي الشافعي: إن لم يكن الفقهاء العاملون أولياء الله فما لله ولي.

وقال: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.

قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: ما رأيت أحدا أقل صبا للماء في تمام التطهر من الشافعي.

قال أبو ثور: سمعت الشافعي يقول: ينبغي للفقيه أن يضع التراب على رأسه تواضعا لله، وشكرا لله.

الأصم: سمعت الربيع يقول: سأل رجل الشافعي عن قاتل الوزغ هل عليه غسل؟ فقال: هذا فتيا العجائز.

الحسن بن علي بن الأشعث المصري: حدثنا ابن عبد الحكم، قال: ما رأت عيني قط مثل الشافعي، قدمت المدينة، فرأيت أصحاب عبد الملك بن الماجشون يغلون بصاحبهم، يقولون: صاحبنا الذي قطع الشافعي، قال: فلقيت عبد الملك، فسألته عن مسألة، فأجابني، فقلت: الحجة؟ قال: لأن مالكا قال كذا وكذا، فقلت في نفسي: هيهات، أسألك عن الحجة، وتقول: قال معلمي! وإنما الحجة عليك وعلى معلمك.

قال إبراهيم بن أبي طالب الحافظ: سألت أبا قدامة السرخسي عن الشافعي، وأحمد، وأبي عبيد، وابن راهويه، فقال: الشافعي أفقههم.

قال يحيى بن منصور القاضي: سمعت إمام الأئمة ابن خزيمة يقول: -وقلت له: هل تعرف سنة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحلال والحرام لم يودعها الشافعي كتبه؟- قال: لا.

قال حرملة: قال الشافعي: كنت أقرئ الناس، وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، وحفظت "الموطأ" قبل أن أحتلم.

قال الحسن بن علي الطوسي: حدثنا أبو إسماعيل الترمذي، سمعت البويطي يقول: سئل الشافعي: كم أصول الأحكام؟ فقال: خمس مئة. قيل له: كم أصول السنن؟ قال: خمس مئة. قيل له: كم منها عند مالك؟ قال: كلها إلا خمسة وثلاثين حديثا. قيل له: كم عند ابن عيينة؟ قال: كلها إلا خمسة.

قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: من حلف باسم من أسماء الله فحنث، فعليه الكفارة؛ لأن اسم الله غير مخلوق، ومن حلف بالكعبة وبالصفا والمروة، فليس عليه كفارة؛ لأنه مخلوق.

قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: وددت أن كل علم أعلمه تَعَلَّمَه الناس أوجر عليه ولا يحمدوني.

قال محمد بن مسلم بن وارة: سألت أحمد بن حنبل: ما ترى في كتب الشافعي التي عند العراقيين، أهي أحب إليك أو التي بمصر؟ قال: عليك بالكتب التي عملها بمصر؛ فإنه وضع هذه الكتب بالعراق ولم يحكمها، ثم رجع إلى مصر فأحكم تلك. وقلت لأحمد: ما ترى لي من الكتب أن أنظر فيه، رأي مالك، أو الثوري، أو الأوزاعي؟ فقال لي قولا أجِلُّهم أن أذكره، وقال: عليك بالشافعي؛ فإنه أكثرهم صوابا وأتبعهم للآثار.

قال عبد الله بن ناجية الحافظ: سمعت ابن وارة يقول: قدمت من مصر، فأتيت أحمد بن حنبل، فقال لي: كتبتَ كُتُبَ الشافعي؟ قلت: لا، قال: فرطت، ما عرفنا العموم من الخصوص، وناسخ الحديث من منسوخه، حتى جالسنا الشافعي، قال: فحملني ذلك على الرجوع إلى مصر، فكتبتها.

تفرد بهذه الحكاية عن ابن ناجية عبد الله بن محمد الرازي الصوفي، وليس هو بثقة.

قال محمد بن يعقوب الفرجي: سمعت علي بن المديني يقول: عليكم بكتب الشافعي.

قلت: ومن بعض فنون هذا الإمام الطب، كان يدريه. نقل ذلك غير واحد، فعنه قال: عجبا لمن يدخل الحمام، ثم لا يأكل من ساعته كيف يعيش، وعجبا لمن يحتجم ثم يأكل من ساعته كيف يعيش.

حرملة، عن الشافعي قال: من أكل الأترج، ثم نام، لم آمن أن تصيبه ذبحة.

قال محمد بن عصمة الجوزجاني: سمعت الربيع، سمعت الشافعي يقول: ثلاثة أشياء دواء من لا دواء له وأعيت الأطباء مداواته: العنب، ولبن اللقاح، وقصب السكر، لولا قصب السكر؛ ما أقمت ببلدكم.

وسمعته يقول: كان غلامي أعشى، لم يكن يبصر باب الدار، فأخذت له زيادة الكبد، فكحلته بها فأبصر.

وعنه: عجبا لمن تعشى البيض المسلوق فنام، كيف لا يموت.

وعنه: الفول يزيد في الدماغ، والدماغ يزيد في العقل.

وعنه: لم أَرَ أنفع للوباء من البنفسج، يدهن به ويشرب.

قال صالح بن محمد جزرة: سمعت الربيع، سمعت الشافعي يقول: لا أعلم علما بعد الحلال والحرام أنبل من الطب، إلا أن أهل الكتاب قد غلبونا عليه.

قال حرملة: كان الشافعي يتلهف على ما ضيع المسلمون من الطب، ويقول: ضيعوا ثلث العلم، ووكلوه إلى اليهود والنصارى.

ويقال: إن الإمام نظر إلى شيء من النجوم، ثم هجره، وتاب منه. فقال الحافظ أبو الشيخ: حدثنا عمرو بن عثمان المكي، حدثنا ابن بنت الشافعي: سمعت أبي يقول: كان الشافعي وهو حدث ينظر في النجوم، وما ينظر في شيء إلا فاق فيه، فجلس يوما وامرأته تَطْلُقُ، فحَسَبَ، فقال: تلد جارية عوراء، على فَرْجِهَا خَالٌ أسود، تموت إلى يوم كذا وكذا، فولدت كما قال، فجعل على نفسه أن لا ينظر فيه أبدا، ودَفن تلك الكتب.

قال فوران: قسمت كتب الإمام أبي عبد الله بين ولديه، فوجدت فيها رسالتي الشافعي العراقية والمصرية بخط أبي عبد الله -رحمه الله-.

قال أبو بكر الصومعي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: صاحب حديث لا يشبع من كتب الشافعي.

قال علي بن أحمد الدخمسيني سمعت علي بن أحمد بن النضر الأزدي، سمعت أحمد بن حنبل، وسئل عن الشافعي، فقال: لقد من الله علينا به لقد كنا تعلمنا كلام القوم، وكتبنا كتبهم، حتى قدم علينا، فلما سمعنا كلامه، علمنا أنه أعلم من غيره، وقد جالسناه الأيام والليالي، فما رأينا منه إلا كل خير، فقيل له: يا أبا عبد الله! كان يحيى وأبو عبيد لا يرضيانه -يشير إلى التشيع وأنهما نسباه إلى ذلك- فقال أحمد بن حنبل: ما ندري ما يقولان، والله ما رأينا منه إلا خيرا.

قلت: من زعم أن الشافعي يتشيع؛ فهو مفتر، لا يدري ما يقول.

قد قال الزبير بن عبد الواحد الإِسْتِرَاباذي: أخبرنا حمزة بن علي الجوهري، حدثنا الربيع بن سليمان قال: حججنا مع الشافعي، فما ارتقى شرفا، ولا هبط واديا، إلا وهو يبكي، وينشد:

يا راكبًا! قِفْ بالمُحَصّبِ مِنَ مِنَى***واهْتِفْ بقَاعِدِ خيفنا والنَّاهِضِ

سحرًا إذا فَاضَ الحَجِيجُ إلى مِنَى***فَيضًا كمُلْتَطَمِ الفُرَاتِ الفَائِضِ

إنْ كانَ رَفْضًا حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ***فَلْيَشْهَدِ الثَّقَلانِ أنِّي رَافِضِي


قلت: لو كان شيعيا -وحاشاه من ذلك- لما قال: الخلفاء الراشدون خمسة، بدأ بالصديق، وختم بعمر بن عبد العزيز.






\7






الأكاديمية الإسلامية




[/cell][/table1]
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 10-03-2012, 03:18 PM
الصورة الرمزية الزهراء
الزهراء غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
الدولة: الدنيا الفانية
المشاركات: 4,297
افتراضي رد: سيرة الإمام الشافعي [متجدد]

[table1="width:100%;background-image:url('http://www.solaim.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/48.gif');ba
ckground-color:white;border:3px groove deeppink;"][cell="filter:;"]




تابع لترجمة الإمام الشافعي




الحافظ ابن عدي: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني، حدثنا صالح بن أحمد، سمعت أبي يقول: سمعت "الموطأ" من الشافعي، لأني رأيته فيه ثبتا، وقد سمعته من جماعة قبله.

الحاكم: سمعت أبا بكر محمد بن علي الشاشي الفقيه يقول: دخلت على ابن خزيمة، فقال: يا بني! على من درستَ الفقه؟ فسميت له أبا الليث، فقال: وعلى من درس؟ قلت: على ابن سريج، فقال: وهل أخذ ابن سريج العلم إلا من كتب مستعارة؟! فقال رجل: أبو الليث هذا مهجور بالشاشي؛ فإن البلد حنابلة، فقال ابن خزيمة: وهل كان ابن حنبل إلا غلاما من غلمان الشافعي؟!

زكريا الساجي: قلت لأبي داود: من أصحاب الشافعي؟ فقال: أولهم الحميدي، وأحمد بن حنبل، والبويطي.

ويروى بطريقين عن الشافعي قال: إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث، فكأني رأيت رجلا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، جزاهم الله خيرا؛ هم حفظوا لنا الأصل، فلهم علينا الفضل.

أنبأنا محمد بن محمد بن مناقب، عن محمد بن محمد بن محمد بن غانم، أخبرنا أبو موسى المديني، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو سعد السمان، أخبرنا أحمد بن محمد بن محمود بتستر، حدثنا الحسن بن أحمد بن المبارك، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، حدثنا الشافعي، عن يحيى بن سليم، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- صلَّى صلاةَ الكُسُوفِ أرْبَعَ رَكْعَاتٍ وأَرْبَعَ سَجْدَاتٍ.

رواه الحافظ أبو سعيد النقاش: حدثنا علي بن الفضل، حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد، حدثنا ابن الإمام أحمد.. فذكر نحوه.

وأخبرناه أبو علي القلانسي، أخبرنا جعفر، أخبرنا السِّلَفِيّ، أخبرنا إسماعيل بن مالك، أخبرنا أبو يعلى الخليلي، حدثنا الحسين بن عبد الرزاق، حدثنا علي بن إبراهيم بن سلمة القزويني، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل.. فذكره بنحوه.

أخبرنا يوسف بن زكي الحافظ في سنة أربع وتسعين، أخبرنا المسلم بن محمد القيسي، وعلي بن أحمد -قلت: وأجازه المذكوران لي- وعبد الرحمن بن محمد الفقيه، أن حنبل بن عبد الله أخبرهم، أخبرنا هبة الله بن محمد، أخبرنا أبو علي بن المذهب، أخبرنا أحمد بن جعفر المالكي، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا محمد بن إدريس الشافعي، أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ). و(نهى عن النَّجش)، و(نهى عن بيع حَبَل الحِبْلَة)، و(نهى عن المُزَابنة). والمُزَابَنَة: بيع الثمر بالتمر كيلا، وبيع الكَرْمِ بالزَّبِيبِ كيلا.

هذا حديث صحيح متفق عليه، وبعض الأئمة يفرقه، ويجعله أربعة أحاديث، وهذه البيوع الأربعة محرمة، والأخيران منها فاسدان.

أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد الفقيه، ومحمد بن أبي العز البزاز، وست الوزراء بنت القاضي عمر بن أسعد سماعا، قالوا: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن المبارك اليماني (ح) وأخبرنا أحمد بن عبد المنعم القزويني، أخبرنا محمد بن سعيد الصوفي ببغداد، قال: أخبرنا طاهر بن محمد المقدسي، أخبرنا مكي بن منصور الكرجي وأنبأنا أحمد بن سلامة وغيره، عن أحمد بن محمد التيمي، أن عبد الغفار بن محمد التاجر أجاز لهم

قالا: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي، أخبرنا محمد بن إدريس، أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة: (طَوَافُكِ بالبَيْتِ وبَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَة يَكْفِيكِ لحَجِّكِ وعُمْرَتِكِ).

وبه قال الشافعي: وأخبرنا ابن عيينة، عن ابن نجيح، عن عطاء، عن عائشة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثله. وربما أرسله عطاء. هذا حديث صالح الإسناد، أخرجه أبو داود عن الربيع.

قرأت على عبد المؤمن بن خلف الحافظ وعلى أبي الحسين بن الفقيه، أخبركما الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، أخبرنا علي بن المفضل الحافظ من حفظي، حدثنا شيخ الإسلام أبو طاهر السلفي لفظا، حدثنا الإمام أبو الحسن علي بن محمد الطبري إلكيا من لفظه ببغداد، أخبرنا إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني، أخبرنا أبي أبو محمد الفقيه، وأخبرنا أحمد بن عبد المنعم القزويني، أخبرنا محمد بن الخازن (ح) وأخبرنا ابن الفقيه، وابن مشرف، ووزيرة قالوا: أخبرنا أبو عبد الله بن الزبيدي قالا: أخبرنا أبو زُرعة طاهر بن محمد المقدسي، أخبرنا مكي بن علان، قالا: أخبرنا القاضي أبو بكر الجيزي حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا الشافعي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (المُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلى صَاحِبِهِ بالخِيَارِ مَا لمْ يَتَفَرَّقَا إلاَّ بَيْعَ الخِيَار).

أخرجه البخاري عن ابن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى، وأبو داود عن القعنبي، جميعا عن مالك، وهو مسلسل في طريقنا الأول بالفقهاء إلى منتهاه.

وأخبرناه عاليا أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء قراءة، عن المؤيد بن محمد الطوسي، أخبرنا هبة الله بن سهل، أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد، أخبرنا زاهر بن أحمد الفقيه، أخبرنا إبراهيم بن عبد الصمد، حدثنا أبو مصعب الزهري، حدثنا مالك بن أنس، وأخبرنا به أبو محمد عبد الخالق بن عبد السلام ببعلبك، أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم، أخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة، أخبرنا أحمد بن عبد القادر (ح) وأخبرنا سنقر بن عبد الله بحلب، أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف، أخبرنا يحيى بن ثابت بن بندار البقال، أخبرنا أبي قالا: أخبرنا عثمان بن دوست العلاف، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله البزاز، حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي، حدثنا عبد الله بن مسلمة، أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (المُتَبَايِعَانِ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمَا بالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلاَّ بَيْعَ الخِيَارِ).

وبه إلى القعنبي: قال مالك: وليس لهذا عندنا وجه معروف، ولا أمر معمول.

قلت: قد عمل جمهور الأئمة بمقتضاه، أولهم عبد الله بن عمر راوي الحديث، والله أعلم.





\7






الأكاديمية الإسلامية




[/cell][/table1]
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:22 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
كل الآراء المنشورة ( مواضيع ومشاركات ) تمثل رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن رأي القائمين على الموقع


دعم وتطوير استضافة تعاون