تسجيل دخول

العودة   منتدى سليم > المنتدى الــعـــام > منتدى المواضيع العامة
منتدى المواضيع العامة هذا المنتدى مخصص للمواضيع التي لا يوجد لها قسم.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 04-10-2012, 04:06 AM
الصورة الرمزية عوض البقيلي
عوض البقيلي غير متواجد حالياً
نائب المدير العام للمنتديات
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: جـــدهـ _ الرياض
المشاركات: 8,104
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى عوض البقيلي
افتراضي رد: ( 6 ) أشــــــهـــر في الســـجـــــــــن...

كنت قد وصلت الى قلب العم يوسف

وهذا ما شعرت به كلما مررت بقربه أوصليت

بجواره .. فقد كنت أقرأ الكثير من الكلام

الغير منطوق .. خلف عينين غائرتين

ونظرات تائهة ..

تشجعت في احدى المرات .. وصعدت معه

الى سريره ( على السطح )

وجلسنا قرابة الخمس دقائق نتبادل

النظرات .. والابتسامات

الباهته .. والمشبعة بالألم

.
.
بالنسبة لي فلم أكن أتألم كثيرا لوجودي في السجن

ولكني كنت أشعر بأن خلف هذا الرجل

معاناة عميقة .. وشيء يمكن أن أتعلمه

.
.

كان السجناء في عزبة 7 يستغربون

من وجودي مع الرجل الصنم

وكانوا يطلقون النكت .. والضحكات

الساخرة ..

- اذا تكلم أبو الهول .. بنسوي حفلة

- هااااي هااااي هووووه هووووه

أبو الهووووول بيتكلم عربي

- لا تتعب نفسك يالدوسري تراه أخرس

( طبعا أنا ماصدقتهم لأني اسمعه في الصلاة يكبر ويسبح ويهلل )

.
.

نظرت الى عينيه وأنا أشعر بأني أمام أبي

وقلت له

عمي - جعل راسك سالم - لايهمونك

نظر الي وقال

تسلم الله يوفقك

.
.

نطق أول كلمة أسمعها منه

فرحت كثيرا وغمرني احساس بالنشوة

ولم أشأ أن أضيع الفرصة .. فقلت له

محنة وتزول .. ولا احنا أفضل من يوسف

ابتسم وقال

صدقت

.
.

وبدأ الكلام يجر بعضه ( على مايقولون )

في أحاديث عامة عن الأوضاع

هنا في السجن

وعن بعض السجناء المزعجين

ثم بدأنا نخرج بالكلام عن السجن

الى خارج الأسوار .. الحياة والناس

وبدأ يذكر لي ان عنده 4 أولاد و بنت واحدة

وبدأ يعود الى حالة الألم والمعاناة

وهذا مالمحته على وجهه حين تكلم

عن أولاده وبنته

فتوقفت عن الكلام

وتركته يعيش حالته

.
.


ثم نظر الي وعيونه مغرورقة بالدمع

وقال .. تعرف انك تشبه ولدي ريان

قلت بصوت خفيف الله يحفظه لك

عض على شفتيه .. وبكى

.
.

ولم أشأ أن أتدخل في مشاعره

لأني أعرف بأنها بداية ثورة داخلية

لتتنفس أعماقه من الألم

.
.

بقيت أشغل نفسي عنه وأبتعد عن

النظر الى عينيه حتى يهدأ

.
.

اقترب مني قليلا حتى وضع ركبته على ركبتي

ومال برأسه قليلا نحوي وكأنه سيحكي سر

قال .. تدري من اللي جابني للسجن

نظرت اليه .. ورفعت جاجباي

لأسجعه على الكلام

قال

ولدي الكبير ريان

لم أرد عليه .. وأنتظرت أن

ينساب منه الحديث دون تدخل مني

.
.

كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة مساء

وبدأ الجميع في النوم

وقد بدأ العم يوسف

في الاقتراب مني حتى لايزعج النائمين

.
.

يقول

عندي أربع أولاد

ريان وخالد وسعود وتركي

وبنت وحده اسمها مها

وكان حلم عمري اني أزوج مها

بعد ماخلصت الجامعة وجلست عندي

في البيت تنتظر التعيين

.
.

وفي يوم أتصل بي خوي وقال

ان فيه واحد من أصحابه عنده ولد وانهم يبون

يجون يتكلمون معك في موضوع زواج مها

فرحت .. وماقلت لأحد، أنتظر الين يجون في الليل

عشان أتأكد من الموضوع

وفي العصر رحت للسوق وأشتريت لي ذبيحه

ووديتها للمسلخ

وقلت لأم ريان يمكن يجينا ضيفان

سوو عشا

وجاء الليل وجا خوي ومعه رجال وولده

وأنا آحس اني الليلة ملكت الدنيا ومافيها

وفعلا تكلم الرجال وقال نبي بنتكم لولدنا

.
.

فرحت .. طرت من الفرح

حسيت اني ملكت الدنيا ومافيها

قلت لهم حياكم الله

لكن خلوني آشوف رأي البنت

.
.

قمت من المجلس

ودخلت البيت أدور بنتي الوحيدة

مها .. وأول مادخلت شفت قدامي وحده

وفتحت ايديني وضميتها

وقمت أحبها .. وأبكي من الفرح

وآقول مبروك ياعيون أبوك

ربنا يوفقك

وكانت تدفعني بقوة وتصيح

وأنا آضمها بقوة

.
.

وماصحيت الا ولدي ريان يسحب ايدي ويدفعني

بقوة .. ويقول ماتستحي .. عيب عليك

وقفت شوي وأناظر الا اللي كنت ماسكها

كانت زوجة ريان .. عرفت اني أخطيت

لكن ماتوقعت كلام ريان

كان كلامه صدمه .. وماعرفت أتكلم

.
.

شوي جت زوجتي .. وبنتي مها

وأنا زي المسطول

ما أدري .. وكأن الدنيا بدت تدور براسي

من كلام ريان .. وش يقصد

حسيت قلبي بيطلع من بين ضلوعي

كل هذا وأنا سااااكت

وسمعت أم ريان تقول وش صار

وش السالفة

وسمعت ريان يقول لزوجته

قولي لأمي وش اللي صار

.
.

قالت زوجت ريان ما أدري ..

لقيته داخل علي وضمني بقوة

يقول حبيبتي .. بس

.
.

ماقلت شيء .. لأني ماني داري

وش آقول

.
.

طلعت بسرعة لخوي ودعيته

وقلت له تصرف مع الرجال

أنا مشغول شوي في البت

قال خوي

خير ان شاءالله، فيه شي

صار شي .. شكلك ترتجف .. قلت له لا

.
.

ورحت دخلت غرفتي وتسكرت الباب

وجلست أبكي .. كني ورع صغير

حسيت ان قلبي انكسر من قمة الفرح

بقدوم عريس لبنتي

الى قمة الألم بكلام ولدي ريان وتفسيره

للموقف

.
.

بعد العشاء .. سمعت أم ريان عند باب الغرفة تدق

فتحت الباب .. وبدأت أم ريان تقول

الله يهديك يابوريان .. لاتكبر الموضوع

ماحصل شي ..

قلت لها .. ماسمعتي ولدك وش يقول

يقول لي عيب عليك .. ماتستحي

ليه وش يحسب .. !!

.
.

مانمت ذلك الليلة .. وفي الصباح الساعة 9

تفاجأت بعسكري عند الباب

قال لي أنت يوسف .. قلت نعم

قال أنت مطلوب في قسم الشرطة

قلت ليه ، قال فيه شكوى ضدك بالتعدي

من مين .. قال من ريان يوسف

.
.

ضاقت علي الدنيا .. وخذيت غترتي على كتفي

ورحت لمركز الشرطة .. وفتحوا محضر

وحولوني على الادعاء والتحقيق العام

وقلت لهم اللي صار .. لكن قالوا

نبي نخليك معنا في السجن كم يوم الين ينتهي التحقيق

.
.

ومن سجن الى سجن .. الى أن وصلت هنا

.
.

كان العم يوسف يحكي حكايته

أسمع بعض الكلام .. وبعضه يضيع

وسط حشرجات الألم .. ونزيف المشاعر

وأنا ساكت .. بدون أي كلام

حتى لم أرفع رأسي لأنظر الى وجهه

فقد كان حجم الجرح كبير جدا

وأعمق من أن يستوعبه قلب أب

وقع من قمة الأمل .. الى قاعة الألم

.
.

انسحبت

.
.

نزلت من سرير العم يوف

لأترك له مساحة أكبر .. يتنفس عن ألمه

.
.

كانت الساعة قد تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل

ذهبت .. لأتمدد في الممر .. بجوار عبدالباري

كان عبدالباري لايزال صاحيا

حيث رفع غترته من على وجهه

وقال .. هااه شايفك تتسحب تالي الليل

من وين جاي ..

لم أرد عليه

تمددت .. وأنا في حالة ذهول !!

.
.

في صلاة الفجر .. لم أجرؤ أن أصلي بجواره

مع أني قد رأيت طاقيته بجواره يحجز بها مكاني

وعند الاقامة كان يتلفت يبحث عني

.
.

صليت بعيدا .. لا أعلم لماذا !!

قد يكون زخم المشاعر .. وعمق الألم

قد غمرني !!

.
.

رجعت بعد صلاة الفجر أبحث عن مكان هادي

لأنام فيه .. قال لي عبدالباري تعال

وأخذني الى سرير فاضي في عزبة رقم 1

وقال ان صاحب هذا السرير عنده

موعد اليوم في المحكمة وبيطلع مابيرجع

الا الظهر

.
.

دخلت في السرير لأنام

تصدقون أول مرة أنام على سرير منذ أكثر من شهرين

وفعلا .. نمت نووووم عميق

.
.

وقبل الظهر لقيت صاحب السرير قد رجع من المحكمة

ويريد أن ينام

فقمت .. وذهبت الى الممر

حيث المجموعات من السجناء

يتكلمون ويضحكون .. وبعضهم يلعبون ورقه

.
.

شعرت بالرغبة في العودة الى العم يوسف

لقيت عبدالباري جالس مع مجموعة

وقال تعال اجلس

قلت لأ شكرا .. أنا معزوم

ضحك وقال يالله أنا معك

.
.

رحنا للعم يوسف .. ولقيناه جالس

في السطح .. وعندما رأني

تهلل وجهه فرح .. وقال

بصوت عالي لأول مرة

أرحبوا أرحبوا .. أقلطوا

ضحكت .. وضحك عبدالباري

بينما سمعت ضحكات السجناء في عزبة رقم 7

يقولون .. والله انك يالدوسري منت بسيط

خليت أبو الهول يتكلم

.
.

طلعت بالسلم وتبعني عبدالباري

وعرفت عبدالباري على العم يوسف

قال العم يوسف : وينك اليوم ماصليت الفجر

قلت : الا لكن جيت متأخر

.
.

وحسيت اني جالس مع شخص آخر

العم يوسف يضحك بصوت عالي

ويتكلم بكل أريحية

.
.

شعرت بأن حكايته كانت حجرا يثقل على قلبه

ويعيق مشاعره وتفكيرة

.
.

وبقينا نتكلم حتى أذان الظهر

وصلينا ..

مر اليوم جميل وهادي

وفي الليل قال عبدالباري هاه وش رأيك نروح نسهر عند صاحبك

قلت يالله .. ورحنا وسهرنا الى الثالثة فجرا تكلمنا في كل شيء

الا المشاكل والهموم

وقبل مانمشي قال العم يوف

عشاكم عندي يوم الخميس ليلة الجمعة
__________________
...............
رد مع اقتباس
  #22  
قديم 04-10-2012, 04:07 AM
الصورة الرمزية عوض البقيلي
عوض البقيلي غير متواجد حالياً
نائب المدير العام للمنتديات
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: جـــدهـ _ الرياض
المشاركات: 8,104
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى عوض البقيلي
افتراضي رد: ( 6 ) أشــــــهـــر في الســـجـــــــــن...

رغم حماسي وخوفي في البداية

الا أن الوقت يصبح مملا وكئيبا

أشعر بالاختناق .. فالوجوه تعلومها

مسحة من الحزن والألم في الغالب

واللغة المتداولة قذره .. حتى أني أعتدت عليها

وليس هناك قانون .. البقاء للأقوى

.
.

وكلما أنتابني الاحساس بالضيق .. لجأت الى ركن منعزل

لأسكن مع ذاتي .. وأدخل في مساحات من التأمل

تسرقني من صقيع الواقع ..

الى أبعد نقطة في خيالي

لأجد ذاتي هناك

.
.

أعترف أن تلك الأيام كانت بداية التعارف

بيني وبين ذاتي المشروخة

المسكونه بالألم

ويمكن تصدقوني اذا قلت لكم

أنها قد خنقتني العبرات حين

جلست مع ذاتي لأول مرة

حيث وجدتها أشبه بطفلة يتيمة

قسى عليها الزمن .. فبدت شاحبة الوجه

مثقلة الخطى

.
.

كانت تلك ذاتي بعد مضي شهرين تقريبا

على دخولي عنبر 7

.
.

ولولا وجود هدف وضعته خلال وجودي

في السجن .. وهو أن أكتسب خبرة عملية

وأستفيد من خبرات وتجارب الناس

هنا .. لولا ذلك كنت قد مت كمدا

.
.

وليس شرطا أن يكون موتي

بتوقف الحياة في جسدي

ولكن هناك نوع آخر من الموت

رأيته هنا

.
.

انه موت من نوع آخر

لا أعرف كيف أصفه

ولكني وجدت أناسا

يسيرون ويتكلمون ويأكلون ويشربون

ولاشيء آخر .. لا أهداف ولا أحلام

ولاطموحات .. ولارؤية .. ولا رسالة

لاشيء .. أبدا

سوى الأكل والشرب والنوم

.
.

أليس هذا نوع من أنواع الموت

.
.

.
.

.
.

عذرا فقد بدأت ذاتي تأخذني من الناس هنا

العم يوسف

تذكرته

.
.

انه هناك في السطوح

يرقب الحركة .. بصمت

وكم أشعر بالنشوة تهز أعماقي

حين أقرأ السعادة في عينيه

كلما رآني .. وتلك الابتسامة التي

يرسمها على وجهه

.
.

رجعت اليه .. وصعدت السلم

ليفسح لي المكان

ويمد يده ليضعها على يدي

معبرا عن سعادته بقدومي

.
.

جلست معه وأنا أفكر في نفس

السؤال الذي تفكرون فيه

لماذا فعل رياااان كل هذا ؟

كنت أشعر في أعماقي بأن هناك جزء

مفقود في الحكاية ..

.
.

وبدأت كعادتي الحديث بشكل عام

عن الأوضاع .. وبعض الطرف

والذكريات

.
.

ثم أقترب من حكايتي

وأسباب وجودي هنا

ليتشجع ويحكي

وقد شعرت بأنه سيحكي

عندما بدأت ملامح وجهه في التغير

وبدأت نظراته تتوه في جدران الزنزانه

.
.

قال وبحرقة

( الله يهديك ياريان )

.
.

سكت .. لم أفتح شفتي !!

أنتظر

.
.

زفر زفرة عميقه

وكعادته .. عض على شفته السفلي

وأغمض عينيه .. لتخرج دمعة يتيمة

يهز رأسه بعدها

.
.

ويسود الصمت .. ثواني

حسبتها سنين

.
.

لتخرج زفرة كبيرة .. ويخرج معها

كمية كبيرة من الهواء .. محملة بالألم

.
.

ويفتح عينيه

ويقول


.
.

تعرف ليش !

هزيت رأسي .. دون كلام

قال

ريان من يوم تزوج وهو يبي نصيبه في الميراث

عشان يبتني عليه بيت

وأنا قلت له أصبر شوي

لأني مابعد قسمت الورث بينين وبين خوي

.
.

وقررت اني أتصدق بقطعة أرض على الطريق

للأوقاف عشان يبنون عليها مسجد

وقف صدقة لأمي وبوي

الله يرحمهم

.
.

وموقع المسجد اللي نبي نسويه

موقع ممتاز لأنه على الخط ويصلح تجاري وسكني

لكن أنا أشوف انه بيكون أحسن لو خليته مسجد

عشان الناس يمرون عليه والمسافرين

.
.

وطبعا أعترض ريان

وأصريت أنا

ومادريت بنيته الين جاني الخبر

بعد مادخلت السجن أنه زور أوراق

مبايعه بيني وبينه على اني بايعه الأرض

وفي يوم جاني العسكري

وقال أنت مطلوب في كتابة العدل عشان

المبايعه بينك وبين ولدك

ريان يوسف

.
.

طبعا انصدمت .. ومابينت

الين رحت لكتابة العدل

ولقيت ريان عن الشيخ

ولا سلم علي

ويوم سألني الشيخ

هل بعت ولدك ريان الأرض

قلت نعم ياشيخ

لكني أبي أرجع في البيع

.
.

عشان ما أورط ريان .. ولاتروح الأرض

وخرج ريان حتى ماطالع في وجهي

.
.

الله يهديه ويصلحه

.
.

توقف العم يوسف

وبلاوعي مني

اقتربت من العم يوسف

وقبلت رأسه

بكيت

حينها

.
.

شعرت بحجم المعاناة

يالظلم الأقارب
__________________
...............
رد مع اقتباس
  #23  
قديم 04-10-2012, 04:07 AM
الصورة الرمزية عوض البقيلي
عوض البقيلي غير متواجد حالياً
نائب المدير العام للمنتديات
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: جـــدهـ _ الرياض
المشاركات: 8,104
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى عوض البقيلي
افتراضي رد: ( 6 ) أشــــــهـــر في الســـجـــــــــن...

كلما سمعت عن تجربة انسانية

وتابعت تفاصيلها من أبطالها

منذ بدايت فصول تجرتهم

وحتى وصولهم الى جامعة السجن

أشعر بالرغبة العميقة في الانطواء

والخلوة بذاتي

لأراجع الدروس

وأستخرج الفوائد والحكم

وأقارنها بما قرأته وتعلمته

خارج حدود الزنزانه

حيث سجن الحياة الكبير

.
.

ولو أني تتبعت كل الحكايات لما وصلت

الى نهاية للمعرفة والحكمة

فخلف كل وجه أقابله

حكايات حكايات

بعضها يصدمنا .. يزلزل أعماقنا

يحطم فينا الكثير

من المفاهيم المغلوطه

ويبعدنا عن المثالية لننزل الى الواقعية

حيث الانسان المجرد

من الأقنعة الزائفة

ببساطته .. بأخطائه

.
.

ولا فرق هنا بين شاب متهور

وشيخ كبير في السن

.
.

لافرق بين جنس ولون

الجميع هنا بشر

.
.

.
.

في زاوية من زوايا السجن

كان هناك 3 شباب

( بكم )

لا يتكلمون

ويتحدثون بلغة الاشارة !!

لا أعرف أسماءهم

ولكني أستغربت من وجودهم هنا

وساقني الفضول للبحث عن طريقة لأسمع منهم

ولكن كيف أسمع !!

.
.

لابد أن أتعلم لغة الاشارة

وكنت أراقبهم كثيرا حين يجلسون مع بعضهم

ويتبادلون الاشارات المصحوبة ببعض اصوات

الهمهمة .. والضحكات

.
.

وقد لاحظت أن ناصر

وهو أحد السجناء القدامى

يشير اليهم ببعض الاشارات ويردون عليه

فعرفت أنه يعرف لغة الاشارة

.
.

اقتربت من ناصر

وسألته عنهم

فقال انهم من دار الرعاية الاجتماعية

ومتهمون بجريمة اغتصاب

.
.

دفعني الفضول أكثر

وطلبت من ناصر أن يعلمني

لغة الاشارة

.
.

وافق ناصر بشرط

أن أشحن له الجوال بعشرة ريال يوميا

وطبعا طريقة الشحن أن أتصل بأخي

وأقول له اشتري بطاقة شحن

وأرسل رقمها على هذا الجوال

.
.

وبدأت أتعلم

لمدة أسبوعين

حتى عرفت الكثير من الاشارات

.
.

أحدهم جاء وناصر يعلمني

فضحك .. وأشار بأنه سيعلمني لغة الاشارة

مقابل أن أعلمه كيف يتكلم مثلي

.
.

فرحت أني فهمت ما يقول

وفرح لأنه سجد أحدا مختلفا يفهمه ويدردش معه

بالاشارة

.
.

وبدأ هو يعلمني المزيد من الاشارات

مع متابعه من زميليه

وشوق منهم للدردشة
__________________
...............
رد مع اقتباس
  #24  
قديم 04-10-2012, 04:08 AM
الصورة الرمزية عوض البقيلي
عوض البقيلي غير متواجد حالياً
نائب المدير العام للمنتديات
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: جـــدهـ _ الرياض
المشاركات: 8,104
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى عوض البقيلي
افتراضي رد: ( 6 ) أشــــــهـــر في الســـجـــــــــن...

حياتنا مدرسة بدأت .. بصرخة الميلاد

وسيبقى فيها الانسان ناظرا .. متأملا

في عجائب خلق الله وقدرته

وأجزم بأنه مهما تعلم

فسيبقى جاهلا

بالكثير

.
.

وقد كان لزاما علي أن أكون طالبا نجيبا

وأتخلى عن الشهادات الورقية

التي كانت ثمرة حضور بعض الدورات

أو مراسلة عدد من الجامعات

كي أكمل بها شخصيتي

وأكمل بها سيرتي الذاتية

لتكمل عامل النقص

والرغبة في الكمال

.
.

ولكن صدقوني

أننا لانزال نجهل الكثير ولن نتعلمه الا اذا

اعترفنا بجهلنا .. وقوص علمنا

.
.

وقد كان هناك الكثير لأتعلمه

ولكن أكبر درس تعلمته هنا

هو القدرة على التعامل مع ذاتي

مغ أفكاري وطيف أوجهها حيث أريد

لا حيث ما يقودني العالم من حولي

.
.

تعلمت القدرة على ادارة مشاعري وأحاسيسي

وتوجيهها نحو ما ينفعني في ديني

ودنياي، وأن لا أترك لغيري

قيادتي وتوجيهي نحو

ما لا أرلايد

.
.

وكان مكاني هنا

والبيئة المغلقة .. واسلوب الحياة البسيط

والمعقد في نفس الوقت .. والشخصيات المتنوعة

وقسوة الحراسة العسكرية

كلها .. خلقت بيئة مناسبة للتعليم النظري

والتطبيق النظري

ولم يبقى سوى أن أوجه أفكاري

وتركيزي .. ومشاعري

نحو كل ما يمكن أن يرفع

من تقديري لنفسي

والترفع عن كل ما يمكن أن يدخلني في

حوارات داخلية أو خارجية

سلبية

v
v
v
v

وصلت الى ثلاثة من البكم

وليست العبرة في حكايتهم بقدر ماهي

في أنفسهم .. في شخصياتهم

حيث عرفت بأن

الانسان هو الانسان

عقل وجسد ومشاعر

بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى

.
.

كانت لغة الاشارة صعبة بالنسبة لي لأنها جديدة علي

وتحتاج الى تناسق في حركة الأصابع والكفين

ودعم بحركة الوجه لاظهار المشاعر

وكنت بطيئا في التحدث معهم بهذه اللغة

ولكني مثلهم متحمس لفتح قناة اتصال

أستطيع من خلالها أن أتعلم .. وأفهم بعدا جديدا ومختلفا للحياة

.
.

ورغم ضعفي في هذه اللغة .. الا أنهم كانوا في قمة الذوق

فلم يضحكون علي .. بل يحاولون تصحيح أخطائي


.
.

كان الثلاثة طلاب في

جمعية خاصة لرعاية الصم والبكم

وكانوا جميعا يسيرون مع بعض

كفريق واحد ..


.
.

وقد تعرفوا على طالب جديد في الجمعية .. كما يقول أحدهم

أصم أبكم

ودخل الشيطان بينهم وقرروا الاقتراب منه

وكان لا يعرف الكثير عن الحياة .. ( به تخلف فكري بسيط )

خططوا على الاعتداء عليه

ونفذوا اعتداءهم

واستمروا في اغتصابه لمدة ثلاثة أشهر

في دورات مياه الجمعية

كلما جاءت الفرصة

.
.

يقول أحدهم .. في يوم من الأيام

شعرت بتأنيب الضمير حين رأيت دموع الولد

وهو يبكي بصمت .. وغير قادر على التعبير

.
.

يقول وقررت أن نتوقف

وقلت للشباب حرام ما ترضونه لأخوانكم

ولكنهم ما سمعوا كلامي

فتركتهم .. واستمر اثنين منهم في اغتصاب الولد

وازداد احساسي بالخوف وتأنيب الضمير والقلق

وهددتهم بأن يتوقفون .. ولكنهم

رفضوا

.
.

وفي ليلة .. شعرت بالحسرة حينما تخيلت أنني مكانه

تخيلت حين تنتهك كرامتي ولا أستطيع أن أدافع عن نفسي

ولا أستطيع التعبير .. وليس هناك من يساعدني

.
.

قررت أن أكون كبيرا في نظر نفسي

حتى وان استصغرني العالم

قررت أن أكون شجاعا

.
.

قلت لزملائي انني سأبلغ ادارة الجمعية

وضحكوا علي لأنهم ما كانوا يتوقعون

اني أبلغ على نفسي

ولكن الألم والضمير والحسرة

أقوى من أن أتغافل عنها

.
.

ذهبت للادارة وأشرت لهم بأن هناك طالب يغتصب في دورات مياه الجمعية

قام المدير من كرسية وقال من الطالب

قلت له الجديد الأصم الأبكم

والمغتصبين

فلان

وفلان

و

أنا

.
.

وشعرت لحظتها بجبل يقع فوق رأسي .. وبحر يبتلعني من تحت قدمي

لأني عرفت النتيجة التي سأصل اليها

وانخرطت في بكاء صامت

.
.

تأكد المدير وحاول التستر على الموقف حتى لا تفتضح الجمعية

وتدخل في تحقيقات بأنها مقصرة

وقال لنا نحن الثلاثة

سأسامحكم بشرط .. أن لا تعودون لمثل هذا الفعل ولا تقولون لأحد

.
.

ووافقنا

ولكن كلما رأيت الولد .. شعرت في عينيه بنظرة غريبة

لا أعلم كيف أصفها ولكني كنت أحتقر نفسي

وأتخيل أن هذا الولد هو أخي الصغير

وأفكر ماذا لوكان فعلا أخي الصغير

.
.

لم أستطيع أن أرتاح .. ولازال في نفسي شيء من الاحتقار لنفسي

والخوف والقلق .. وتأنيب الضمير .. وزاد الأمر

حين تخيلت الولد يوم القيامة يشتكيني

وأنني أغتصبته وسكت على حقه

شعرت بأني حشرة

نذل

حقير

تافه

.
.

كل الكلمات السيئة

كنت أنظر بها الى نفسي

مع أني قبل هذا الموقف كنت أشعر بأني شجاع وواثق من نفسي

وحتى الاعاقة في الكلام لم تكن تشعرني بالنقص

.
.

وقررت شيئا في نفسي

وذهبت بنفسي الى أقرب مركز للشرطة

.
.

دخلت على الضابط لأشرح له ولم يفهمني

فكتبت له

أنا واثنين من زملاي أغتصبنا ولد من طلاب المعهد

.
.

ضحك الضابط

وأخذ الورقة وكتب فيها

أنت مجنون

كتبت

لا

كتب

هل تعرف نتيجة كلامك

كتيبت

السجن

كتب

خلاص .. روح .. الله معك

.
.

رجعت وأنا أشعر بالراحة .. ولكن ردة فعل الضابط ما عجبتني

كأنها ردة فعل مدير الجمعية

.
.

وسكت أسبوع وماصار شي

ورجع احساسي

بالقلق والألم .. والاحتقار

وصار الموضوع كوابيس

.
.

طبعا عرفوا زملائي بمحاولاتي

وبدأوا يهددوني

ويقولون أنت مجنون

.
.

ولكن الناااااااااااار الحارقة في أعماقي

أكبر من أن أتجاهلها

.
.

بعد أسبوعين ذهبت الى ثلاث مراكز للشرطة

حتى أتأكد اني أقابل ضابط حقاني

وفعلا

آخر واحد أتصل بادارة الجمعية

وتكلم مع المدير

وطلب منه مترجم .. يترجم الاشارة

وبدأ التحقيق معي

وشعرت بالراااااحة .. والله العظيم اني كنت مفتخر بنفسي

وأنا قدام الضابط .. لأني حسيت اني مو ضعيف

واني أقوى من مدير الجمعية والضباط حتى

وكنت أقول أخسر سنين عمري ولا أخسر تقديري واحترامي لنفسي
.
.

استدعوا الشباب ( هذولا .. ويشير الى زملاءه ويضحك )


وانتهت التحقيقات .. وكشفوا على الولد

وأثبت المعمل الجنائي كل شيء

.
.

وجينااااا هنااااا

.
.

انتهت قصتهم

ولكن بدأت أنا في التفكير

في كم واحد منا الأسوياء جسديا

يشعر بأنه ناقص وتافه حين يسكت عن الحق

.
.

كم واحد منا الأسوياء جسديا

معاااااق نفسيا أو فكريا

.,
.

أكمل الشاب حكايته وكان يضحك .. وكأن شيئا لم يكن

أما أنا

فقد تركتهم يشيرون الى بعضهم .. وأنسحبت

أبحث عن مكان .. لأناقش ذاتي

وأسألها

.
.

هل أنتي شجاعة بمكا يكفي !!

ومتى تصبحين شجاعة اذا ماكنتي !!
__________________
...............
رد مع اقتباس
  #25  
قديم 04-10-2012, 04:09 AM
الصورة الرمزية عوض البقيلي
عوض البقيلي غير متواجد حالياً
نائب المدير العام للمنتديات
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: جـــدهـ _ الرياض
المشاركات: 8,104
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى عوض البقيلي
افتراضي رد: ( 6 ) أشــــــهـــر في الســـجـــــــــن...

كنت لا أزال أتحرك في مساحة ضيقة لاتتجاوز الـ 15 متر طولا في 10 أمتار عرضا

ويسكنها أكثر من 100 نسمة ، من مختلف الجنسيات وحركة لاتهدأ ليل نهار

وممنوع اطفاء الأنوار

.
.

وعليك أن تتأقلم مع روائح السجائر .. وألفاظ السب والشتم والكلمات البذيئة

ولابأس من الانتظار في طابور أمام دورات المياه وطابور آخر للأكل

كما أن عليك أن تتعلم كيف تضبط أعصابك حتى لاتدخل في معركة مع أحد

الغاضبين والمتذمرين من الأوضاع هنا

.
.

في هذا الجو المفعم بالسلبية .. ومع تلك الوجوه التي يغلب عليها البؤس والشقاء

كانت خطواتي تتحرك بهدوء لهدف وغاية لم تغيب عن ذهني لحظة واحدة

حتى وأنا في أشد حالات الألم .. كنت أتساءل ( ماذا تستفيد .. )

.
.

صحوت في أحد الأيام وأنا أتضور شوقا لعائلتي الصغيرة .. حيث زوجتي

وثلاثة أطفال ... والله يرعاهم

كنت أتمنى أن أسمع أصواتهم .. أرى صورتهم

أضمهم ..

.
.

لم يكن لدي سوى أن أجتر الذكريات .. وبقايا من خيالاتهم

وبعض الصدى لكلماتهم

.
.

بقيت ذلك اليوم .. كالصنم في زاوية الممر الطويل

وبجواري مجموعة يتكلمون ويضحكون ولكن لم أكن أسمع شيئا مما يقولون

رغم أني أرى وجوههم أثناء الكلام تجه نحوي .. فأبتسم مجاملة .. ولكن

دون وعي بما يقولون

.
.

تحركت في ملل شديد وكأني قد بلغت المئة من العمر .. وأخذت أسير في الممر

لأبعثر الاحساس بالمرارة ..

كان هناك أشخاص يسيرون ذهابا وايابا .. لا لشيء سوى ليشعرون بأنهم غير مقيدين

وقد فعلت مثلهم .. أخذي أسير حتى نهاية الممر وأرجع .. وهكذا

.
.

لم يكن لدي مزاج لأسأل أحدا أو أستفسر منه عن حكايته .. ولا أريد أن أتحدث مع أحد

فقط .. أحببت أن أتحدث مع ذاتي .. أدندن على ايقاعات قلبي القابع بين ضلوعي

كنت أشعر بمزيج غير متجانس من المشاعر .. وكان لابد من أن أعالج نفسي

فالجميع هنا مشغولين بهمومهم ومشاكلهم .. وكان لابد أن أنشغل أنا بهمومي

ومشاكلي ..

.
.

وفجأة

صحوت من غيبوبة الذات عندما شعرت بيد تضرب على كتفي

لألتفت وأجد العم يوسف يبتسم ويقول وين وصلت .. ابتسمت

ابتسامة باهته .. وقلت مارحت مكان

سار معي حتى آخر الممر ورجع معي مرة أخرى .. ثم قال لي

بعد يومين بطلع .. فتحت فمي ورفعت حواجبي مندهشا

وقلت مبرووووك بتخرج .. ضحك وقال .. لا لا

بس بينقلوني لسجن ثاني ..

قلت : ليش ؟

قال : النظام هنا بعد ما تنهي نصف المدة ينقلونك

لسجن ثاني يسمونه الرويس

وبعدها تخرج

.
.

على قدر فرحتي .. على قدر حزني

نظرت للعم يوسف وحضنته

خنقتني العبرة .. ولم أستطع أن أقول كلمة واحدة

مجرد احساس عميق بالحب والتقدير والامتنان لهذا الانسان

ثم تحركت أنا واياه الى سريره .. لنجلس مع بعضنا

نتكلم عن أي شيء .. لأنه لايوجد جديد نتكلم فيه

فاليوم مثل أمس والأمس مثل اللي قبله

وبكره .. الله أعلم وش فيه

.
.

قال العم يوسف

المهم ياسعيد .. أنا طالع ان شاء الله وراح أعطيك سريري هذا

عشان ترتاح من بهذلة الممر .. والناس تتخطى فوقك رايحين جايين

.
.

يا الله ياكريم .. فرحت بالسرير لأني سأجد سريرا أنام فيه وبطانيه أتغطى بها

يعني راح أنااااام زي العالم .. ياربي لك الحمد

قبلت رأس العم يوسف .. وشكرته بعمق

قال .. أنت مثل ولدي .. ويعلم الله اني حبيتك

لم أرد عليه لأني قد غرقت في الفرحة

وبدأت أنظر في السرير والبطانية والمخدة

.
.

تصدقون في الممر كنا ننام على الأرض .. بدون فراش .. والمخدة كيس

الملابس .. نأخذ منها ملابسنا والباقي ننام عليه

لمن الحين الوضع مختلف .. أصبحت من أصحاب الأسرة

.
.

صلينا الظهر .. ورجعت للممر لأن العم يوسف ينام بعد الصلاة

ورحت أدور على عبدالباري عشان أبشره أني بيصير عندي سرير

ولما قلت له .. قال : هاااااه بعدين تتكبر علينا
.
.
ضحكنا .. وتغيرت حالتي النفسية 90 درجة

وبدأت أستعيد نشاطي ..

وأستعد للانتقال الى السرير الجديد

وكنت أحلم بالنووووم ..
__________________
...............
رد مع اقتباس
  #26  
قديم 04-10-2012, 04:10 AM
الصورة الرمزية عوض البقيلي
عوض البقيلي غير متواجد حالياً
نائب المدير العام للمنتديات
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: جـــدهـ _ الرياض
المشاركات: 8,104
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى عوض البقيلي
افتراضي رد: ( 6 ) أشــــــهـــر في الســـجـــــــــن...

عندما يتساوى الليل والنهار

ولا تعني لك الساعة والوقت أي شيء

.
.

عندما لايكون لك هدف ولا غاية

سوى الانتظار .. ولاشيء آخر

.
.

عندما تتمتع بالحرية المطلقة

تأكل متى تشاء // تشرب متى تشاء

تنام متى تشاء // .. ولا شيء آخر

.
.

عندما تكون حياتك .. في حدود 100 متر مربع

عندها .. تشعر بمكا كنت أشعر به حينها

.
.

ولوبقيت من الآن .. حتى نهاية العام أحكي

لكم عن حكايات وحكايات .. فلن ننتهي

ولكني آثرت أن أبدأ في الاقتراب

من النهاية بسرعة

.
.

أعني نهاية الستة أشهر

الأكثر انجازا في حياتي

.
.

عند اقتراب شهر رمضان المبارك

بدأنا نترقب الشهر الكريم

ونترقب لعل الملك يعلن

عفوا عن السجناء !!

يقولون أنها عادة ملكية سنوية

وبدأنا نتجمهر بالقرب من التلفزيون المعلق في السقف

في آخر الممر .. بقرب دورات المياه

.
.

كانت الأيام ثقيلة .. ومحملة بأمل !!

.
.

وبدأت أستمع لحكايات قدامى السجناء

عن شهر رمضان .. حيث يبدأ التحضير لها

بجمع خمسة ريالات من كل سجين

يريد المشاركة في الفطور والسحور

ويتم ارسال من يشتري بعض

البسكويت والبطاطس

والحليب .. ليتم مزجها

وتكون بمثابة الحلى !!

.
.

ومن لا يملك المال .. عليه أن

يتصل بأهله لارسال بعض الفلوس

.
.

ومن اليستطيع أهله الحضور

يطلب منهم ارسال بطاقة شحن

رصيد .. ليبيعها بنصف الثمن

.
.

وهناك اختراعات أفرزتها الحاجة


أولا : السخان

عبارة عن سلكين يتم توصيل أحد أطرافها

بقطعة حديد ( غطاء اللمبة - النجفة )

ويتم لفها بقطعة قماش

ثم يتم توصيلها بالكهرباء

علما بأنه لاتوجد أفياش

ولكن يتم جرح سلك اللمبة في السقف

ويتم ايصال السلكين بها

ومن ثم يتم ملء السطل بالماء






ووضع القطعة الحديدية داخلها

بعد توصيلها بالكهرباء

.
.

هنا يبدأ الماء يسخن

.
.

ولكي نسخن الأكل نقوم بوضعه في كيس بلاستيك

واغلاقه ثم نغمره داخل الماء في السطل

.
.

والاختراع الثاني

هو المسبحة

المصنوعة من نوى التمر

حيث يتم وضعها في الماء

لمدة يومين أو ثلاثة

حتى تصبح طريه

ثم يتم

حكحكتها على الجدار

من الجهتين

ثم احداث فتحة من الوسط

ونظمها في خيط من أطراف الفراش أو البطانية


( هنا أشخاص يبعونها حسب عدد خرزات المسبحة )
.
.

أيضا يتم صنع محفظة من علبة عصير السن توب

.
.

.
.

ما أردت أن أقوله هنا أن الفراغ والحاجة

جعلت البعض يشغل وقتع ويخترع حسب ماهو

موجود من امكانات ..

.
.

بعون الله في المرة الجاية أصور لكم المسبحة اللي أخذتها معي

وأشرح لكم كيفية صنع المحفظة
__________________
...............
رد مع اقتباس
  #27  
قديم 04-10-2012, 04:11 AM
الصورة الرمزية عوض البقيلي
عوض البقيلي غير متواجد حالياً
نائب المدير العام للمنتديات
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: جـــدهـ _ الرياض
المشاركات: 8,104
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى عوض البقيلي
افتراضي رد: ( 6 ) أشــــــهـــر في الســـجـــــــــن...

/

.
.

كانت الساعات الأخيرة من أصعب الساعات التي مرت بي في حياتي كلها

بل كانت أصعب من ساعة دخولي الى السجن

.
.

حالة شتات فكري .. وتشويش مشاعر

واضطراب سلوكي .. لا أعلم ماذا أفعل

وكنت لا أسمع ولا أكاد أرى الناس من حولي

رغم الضجيج والحركة الدائمة

الا أن صوت أعمااااقي كان أعلى

.
.

نعم انه صوت غير مسموع اذا قسناه بمعايير

حواسنا الخمس القاصره

ولكنه ملفت للاحساس بوجود شيء

ما في أعماقنا .. يدعونا للتوقف

والسماع

.
.

وبدأت أبحث عن زاوية بعيد لأجلس مع ذاتي

وأعيد حسابات حياتي

كي أتخذ

القرار الشجاع .. والخطوة الجريئة

( التغيير )

.
.

وبدأت رحلة اكتشاف الذات

في آخر 24 ساعة

.
.

وكان أول خطوة هي القرار

حيث كان قرارا قويا .. وبدافع داخلي

وكان الدافع هو

الملل من الأقنعة

والتعب من الزيف

واحتقار نفسي من كثرة الكذب

واستصغار ذاتي من التقليد الأعمى

والارهاق من التبعية .. حيث أن حياتي

كانت تتحرك بادارة الآخرين .. يعني زي ماتجي تجي !

.
.

انتفضت لاحساسي بالدونية واستصغار نفسي

رغم أني في عيون الناس .. انسان ناجح

ولكن في نظري أنا .. فاشل

.
.

كانت المواجهة مع عيوبي ونقائصي صعبة

ومؤلمة لأني قد أضعت من عمري الكثير

في مشاريع فاشلة .. وعلاقات مهترئة تقوم على المصالح

وخوف دائم من أن يكتشف الناس قناع النجاح الذي ألبسه

.
.

أرجوكم لا تستغربون ولم أشأ أن أكون صريحا

الى هذا الحد لولا أني قد دخلت في تحدي مع ذاتي

أن أكون على قدر من الشجاعة وأقول .. ليس لأفضح نفسي

أو أنتقص من قدرها .. بل لأني أحمل الحب للعالم

وأحب أن أشاركهم التجربة .. لعل أحد يستفيد


.
.

لازلت في حالة الشتات .. وضياع التعبير

وشلل التفكير ..

ولازال البركان يرتجف في أعماقي .. وأشعر به

سينفجر في خلال سويعات

.
.

أشعر بأني سأرتاح اذا أنفجر .. وصرخت معه صرخة من أعمااااقي

تخرج معها متناقضاتي .. وبقايا عقدي النفسية

والوهم .. والخوف .. والتردد .. وخيبات الأمل

.
.

بقيت أبحث عن مأوى أشعر فيه بالأمان

تمنيت أن أجد مكانا قصيا

بعيدا عن عيون الناس من حولي

مكانا أصرخ فيه فلايسمعني أحد

أبكي فلا يراني أحد

أضحك جنونا .. أهذي بما أشاء

.
.

احساس لا أعلم كيف أصفه .. ورغم مرارة الاحساس

الا أني أشعر بأني سوف أرتاح بقية عمري

.
.

لا شيء أفعله .. سوى الانتظار ..

لم أنم منذ يوم ونصف

كنت أبقى ممددا بالساعات على فراشي

أتقلب وأسترجع شريط الماضي

وأتخيل نفسي على خط الومن

محلقا فوق مشاكل الماضي وأزماته

وأتوقف فوق كل مشكلة أتأملها وأفكر فيها

وأحاول أن أستخرج منها فوائد ودروس

ثم أتركها وأبحث عن أخرى

.
.

كان السفر فوق خط الزمن متعه بالنسبة لي

حيث رجعت الى أقصى يوم أتذكره في الماضي

حين كان عمري 4 سنوات تقريبا

وأنا ألعب .. يوم قصصت رموش عيني

أنا وأختي .. وذلك لنتخلص من الرمد

العالق بها

.
.

كانت تلك أقصى ما أستطاعت ذاكرتي أن تتذكره

وتحركت من ذلك الحدث نحو المستقبل أبحث عن مشاكل

وعقد وهموم .. وأتوقف وأتدبر .. ثم أتخلص من المشاعر

العالقة بها

.
.

احساس جميل وممتع .. ومشاعر تتراوح بين الحزن والفرح

.
.

وفي آخر 12 ساعة

.
.

تم استدعائي

لبدء أخذ البصمات

وتعبئة نماذج الخروج ..

ثم عدت لأتلقى التهاني والتبريكات

وأنا لا أزال في حالة تكذيب بأن مايحدث مجرد حلم

.
.

أريد أن أفجر البركان في أعماقي

قد يكون بركان الطاقة والقوة

قد يكون الاحساس بأني قد عدت الى نفسي
__________________
...............
رد مع اقتباس
  #28  
قديم 04-10-2012, 04:13 AM
الصورة الرمزية عوض البقيلي
عوض البقيلي غير متواجد حالياً
نائب المدير العام للمنتديات
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: جـــدهـ _ الرياض
المشاركات: 8,104
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى عوض البقيلي
افتراضي رد: ( 6 ) أشــــــهـــر في الســـجـــــــــن...

صحوت الساعة الثالثة فجرا

كان الجميع يغطون في نوم عميق

تسللت الى دورات المياه .. أستحممت

وتوضأت .. لبست ثوبا شبه نظيف

.
.

استقبلت القبلة .. وأنا أشعر بالرهبة

كبررررت ... وبقيت بدون كلام

.
.

خنقتني العبرة .. حين شعرت أني بين يدي الله

الذي خلقتني من عدم .. ويسمعني ويراني كل حين

ولكنه الآن في السماء الدنيا

.
.

بدأت أتمتم بدعاء الاستفتاح

ثم الفاتحة

التي بدأت بالحمدلله رب العالمين

كنت أنتفض من الخوف والقلق .. والرغبة والرهبة

شعرت وكأني محموم ..

.
.

وعندما سجدت .. ووصل أنفي وجبيني الى الأرض

انخرطت في بكاء .. بدون صوت

صراخ مخنووووق

// يااارب أعلم أنك أعلم مني //

وأرحم بي من العالم

فارزقني الرضا بما كتبته لي

.
.

انتهيت من صلاتي .. وقد شعرت بالهدوء

يتسلل الى أعماقي

.
.

رجعت الى سريري

وبدأت أجمع ملابسي وأحشوها

في ثوب ربطت يديه .. لأني لا أملك شنطة لملابسي

.
.

وبقيت أنتظر العاشرة صباحا

حيث أن هذا الوقت هو الوقت الذي ينادون فيه

بأسماء المفرج عنهم !!

.
.

هل تصدقون

رغم كل المشاعر السلبية من حولي

رغم كل الكلمات البذيئة .. والمحبطة

رغم الوجوه التي يملأها البؤس والشقاء



سأفتقد المكان .. والناس هنا

.
.

كان الوقت بطيئا بطء السلحفاة

وكانت الساعة .. تحمل السنوات على عقاربها

وأنا باقي في فراشي .. دون حركة

.
.

تخيلت مايمكن أن يحدث بعد العاشرة صباحا

من سيكون في استقبالي في الخارج

من سيكون في انتظاري في البيت

من سيسأل عني من الأصحاب

من سيرسل لي رسالة نصية

يهنئني بالخروج

.
.

وبدأت أضع سيناريوهات لخروجي

من السجن

.
.

كيف سأقابل صغاري الذين يعتقدون بأني مسافر

كيف سأقابل زوجتي التي وهبتني عمرها جسرا

أعبر عليه .. وصولا لأحلامي

.
.
.
.

ومع كثرة الهواجس وتلاطم مشاعر أعماقي

لم أستطيع أن أتواصل مع ذاتي

.
.

اقتربت الساعة من العاشرة صباح يوم

الحادي عشر من شهر شوال لعام 1430 هـ

11 / 10 / 1430 هـ

.
.

وبدأ نداء الأسماء

وسمعت اسمي

سعيد

.
.

كان بعض الزملاء يهنئونني

وأرد عليهم بالشكر

ولساني أخرس

ولا أكاد أسمع

.
.

خرجت من الزنزانة

وسرت في المسارات بين الزنازين

أتأمل الوجوه .. وأقرأ سورة الفاتة في أعماقي

تسابقني اللهفة .. لأحتضن عائلتي الصغيرة

.
.

وصلنا الى مبنى الادارة ليتم تسليمنا

بعض الأشياء التي أخذوها منا قبل دخول السجن

جوال / ساعة / كرت الاسم الذي كنت أعلقه على صدري يوم التدريب

وأجنده بقيت خاوية لـ ستة أشهر

.
.

وقعت على الاستلام

وقادني العسكري حتى وصلنا الى البوابة الخارجية

.
.

كانت لحظة مفعمة بالسعادة

مترعة بالأمل .. مغلفة بالخوف

.
.

الساعة 11 صباحا

.
.

حسبت كم بقيت في السجن

180 يوم

x

24 ساعة

+

1 ساعة ( اجراءات )

=

4321 ساعة

أرقام متسلسلة وكأنها رقم مميز

وكأنها تقول لي الآن يبدأ العد التصاعدي

للارتقاء نو أهدافك وطموحاتك

.
.

الآن أنا خارج الأسوار

.
.

شعرت بالرغبة في الجري

فتحت جوالي .. ولكن البطارية منتهية

.
.

بدأت أخطو خطواتي الأولى خارج السجن

الذي قضيت فيه

4321 ساعة

لا أريد أن أذهب الى البيت الآن

.
.

أريد أن أسير في الشوارع والطرقات

لأشعر بالحياة

لأشعر بأني غير مقيد

.
.

أخذت أتلفت يمينا وشمالا متوقعا أن أرى أحدا في استقبالي

كان أخي الأكبر .. وهو في مقام أبي

ولكني لم أنتبه له ولم أعلم أنه في انتظاري الا بعد وصولي الى البيت

.
.

كنت أتمنى أن أذهب الى الحلاق لأرتب رأسي وذقني

وكنت أتمنى أن أذهب الى المغسلة لأغسل ثوبا

وأكويه .. حتى ادخل على أهلي وأولادي بصورة سنة

ولكن لم يكن في جيبي ريالا واحدا

.
.

سرت قليلا في الشارع الموازي للسجن

ثم استوقفت سيارة تاكسي

وذهبت الى منزل أخي الأكبر

.
.

قالوا لي أنه ذهب الى المطار لاستقبالك

ضحكت .. ضحكة الألم

وقلت لهم أني متعب ودخلت المجلس

.
.

لم يطل بي الانتظار فقد وصل أخي

وانفجرت دموعي فجأة

وشعرت أني طفل صغير

لألقي برأسي على صدره

وأبكي بصوت عالي

.
.

كانت هذه اللحظة أكبر من أن أحتويها أو أتماسك فيها

!
!

.
.

شعرت بأن البركان قد وصل منهاه

وأن أعماقي لم تعد قادرة على أن تحتمل أكثر

لا أعلم كم مضى من الوقت

ولا يهمني كم مضى .. ولا كم بقي

المهم في هذه اللحظة

أني بدأت أشعر بأن هناك الكثير

من الأوهام بدأت تتقشع .. وتنهار

.
.

( اسمحوا لي أن أغلق ملف السجن هنا )
__________________
...............
رد مع اقتباس
  #29  
قديم 04-10-2012, 04:16 AM
الصورة الرمزية عوض البقيلي
عوض البقيلي غير متواجد حالياً
نائب المدير العام للمنتديات
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: جـــدهـ _ الرياض
المشاركات: 8,104
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى عوض البقيلي
افتراضي رد: ( 6 ) أشــــــهـــر في الســـجـــــــــن...

ا أعلم لماذا عدت الى هنا اليوم

ولكن أحببت أن أطلعكم على صور من زنزانتي

حيث ترون الممر

والغرف على الجوانب ( العزب )

وفي نهاية الممر ( دورات المياه )

.
.

سأترككم مع مقطع الفيديو



http://www.youtube.com/watch?v=wNwDH...layer_embedded




.................................................. .................................................. .........

تـــــــــــــــمت اخيرا ..
اشكر كل من تواجد هنا ..
واشكر صاجب القصة كثيرا ..
القصة رائعة والاسلوب هو ايضا اخذنا الى واقع لم نعشه ..
كم هائل من العبر والفوائد ..
صراحة اروع موضوع قراته في حياتي ، اصعب قصة قصة يوسف واروع شخص هو جاسر .
وكاتب الموضوع لم يطلعنا على قصته ، حتى بسرده للقصص مايجيب طاري قصته ..

ان شاءالله الكل استفاد من عبر وفوائد القصه الشيء الكثير, والله من وراء القصد ..

تقبلو خالص تحياتي ..

عوض البقيلي ..
__________________
...............
رد مع اقتباس
  #30  
قديم 04-11-2012, 07:30 AM
الصورة الرمزية شيهآنه
شيهآنه غير متواجد حالياً
مشرفة منتدى المواضيع العامة ومنتدى اليوم الوطني
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: مكه
المشاركات: 14,536
افتراضي رد: ( 6 ) أشــــــهـــر في الســـجـــــــــن...

لن اطول في اعجابي وتعبيرى بما قرات هنا
فكلماتك اوجزت كل الكــلام
وخضعت لها كل الحروف
ولم يبقى سوى انى اشكرك من اعماق قلبي
على هذه القصه الرائعه
تقديري واحترامى لك
__________________


رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:19 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
كل الآراء المنشورة ( مواضيع ومشاركات ) تمثل رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن رأي القائمين على الموقع


دعم وتطوير استضافة تعاون